خطورة الجماهير
27-حزيران-2024

عامر بدر حسون
في العام 1973 (وكنت في الثالثة والعشرين) اشتركت في تظاهرة جماهيرية تأييدا للجبهة الوطنية التي قامت بين الشيوعيين والبعثيين. وكانت التظاهرة تنتهي في ملعب الشعب حيث تلقى الكلمات والخطب.. وهي التظاهرة الوحيدة التي اشتركت بها في العراق.
وانتبهت وانا في التظاهرة الى انني كنت اتصرف بسخافة لا مثيل لها!
فبعيدا عن مشاعري وطبيعتي، الهادئة والمتأملة، كنت اقفز هنا وهناك، بحجمي الصغير، كي انافس من حولي في الحماسة والاخلاص! كنت اقفز ابتهاجا.. رغم موقفي من تلك الجبهة، إذ من المعروف انك وما ان تكون في جمع غفير حتى تتخلى عن قناعاتك وتبدأ بالتفكير مثل الجموع الهائجة. لكن شيطانا او ملاكا ما همس في اذني:
- واين صوتك الخاص؟ فبذات بالتفتيش عنه، وعبثا حاولت العثور عليه، لأنني رغم صراخي لم اجده او اسمعه! لم اجده بمعنى الكلمة. رفعت صوتي وغيّرت الطبقة التي اهتف بها وغيرت النبرة والنغمة، لكنني لم اسمعه.
لقد ضاع في هدير الجماهير! وتوقفت جانبا وعزلت نفسي، ولم ادخل الى ملعب الشعب.
عدت ماشيا مسافة طويلة وانا اؤنب نفسي على حماقتي التي لم اتخيل يوما انني قادر عليها.
وقرأت فيما بعد ان الفرد، حتى لو كان شديد التهذيب، فانه حين يشترك في تظاهرة جماهيرية، يبدأ بالتصرف كتمساح اذا كانت الجماهير في حالة "تمساحية"!
ذلك انه يفقد القدرة على التفكير السليم والطبيعي.. بل انه يكون مستعدا للقتل والسرقة والنهب والتخريب إن كانت الجموع التي هو فيها تقتل او تسرق خلال هيجانها. (كما في بعض تظاهرات فرنسا والغرب طبعا)!
لم اكن اعرف يومها النظريات العلمية التي كتبت عن "الجماهير" وسلوكها المريع..
لكنني، وما ان انفصلت عن التظاهرة، بدأت اشعر بالخجل وربما بالعار، دون ان اعرف لم العار ولم الخجل واين يكمن؟
ولم تكن في ذهني سوى جمل متناثرة من هنا وهناك ومنها ما حفظته من ديستويفسكي:
"كُن مُختلفاً حتى لو اصبحت وحيداً"!
ولم اكن في العراق عندما طلب مني اصدقاء ان اكتب تأييدا لتظاهرة للمثقفين في بغداد، فلم افعل لان شعاراتها العمومية لم تلق هوى في نفسي.
كان شعارها: "الشعب يريد القضاء على الفساد" فرأيت انه يشبه رفع شعار:
"الشعب يريد الموت للشيطان الرجيم"!
وهو شعار عام يمكن ان يشاركني في رفعه الفاسد والشيطان، بل وان يتفوقا عليّ في الهتاف ويقودا قضية الفساد ولعن الشيطان الرجيم.
وقلت سأؤيد اية تظاهرة ترفع شعارا محددا وواضحا حتى لو كان شعار:
- "الموت للفاسد زكي جمعة"!
وعلقت الصديقة هدف منير على منشور سابق لي عن مقاومة السائد قائلة انها عندما كانت طفلة في المدرسة كانت تصفق دون اصدار صوت من تصفيقها، لأنها كانت تعرف ان اهلها يكرهون صدام والبعث.. وهي مقاومة طفولية بريئة ورائعة.
وذكرتني بجلوسي يوما في الصفوف الامامية لحفل رسمي خارج العراق، وكان الجميع يصفق للخطباء بين الحين والاخر فبدأت اصفق بتلك الطريقة الطفولية التي صفقت بها السيدة هدف..
ثم انني بالغت فامتنعت عن التصفيق مع المصفقين وكان ذلك تصرفا طفوليا غير مسؤول، وكان ايضا تجربة صعبة ومزعجة.
ونحن نفعل الكثير من الاشياء السخيفة والعميقة كي نميز انفسنا عن غيرنا وعن الجموع..
ونحن إذ نفعل هذا نتعثر ونخطيء ونتعرض للكثير من الاحراج والملامة في محاولتنا تمييز انفسنا سواء بملابسنا او تسريحة شعرنا او حتى في التعبير عن افكارنا.
وفي الخارج يعلمون اطفالهم ان يكونوا مختلفين ونحن نطالبهم بالوقوف ممتثلين في الصف وعدم الخروج منه.
وغيرنا يطلب الشهرة ونحن نطلب الستر!

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech