خطوط التماس الحضارية
13-تشرين الثاني-2023

محمد عبد الجبار الشبوط

استعير كلمة "خطوط التماس" من الجغرافيا المكانية حيث ترسم الخريطة السياسية للعالم بحدود واضحة بين الدول. هذه الحدود هي خطوط التماس بين الدول، فاذا ساءت العلاقات بين دولتين اشتعلت الحدود بينهما وتحولت الى خطوط تماس ساخنة تشهد اشتباكات بالاسلحة التقليدية المتوفرة. ونعرف حالات عديدة لذلك مثل الهند والصين، الجزائر والمغرب، وغير ذلك.
خطوط التماس الحضارية لا تشبه خطوط التماس في الجغرافيا السياسية. لان الحدود بين الحضارات الموجودة الان ليست موجودة على اطراف اقاليمها، حيث لم يعد هناك اقاليم محددة بخطوط صارمة في الخارطة الحضارية للعالم. والخرائط التي رسمها صامويل هنتنجتون في كتابه الشهير "صدام الحضارات" غير صحيحة ومضللة. في عصر ثورة المعلومات والتواصل الاجتماعي والتكنولوجيا المتقدمة جدا والتبادل الثقافي تداخلت الحدود بين الحضارات، وتداخلت خطوط التماس بينها.
اليوم وصلت الحضارة الصينية في عقر دارك، وفعلت مثلها الحضارة الغربية، وفعلت مثلها الحضارة الاسلامية. في شارع Greenford Broadway في لندن حيث اقيم يوجد مسجد كبير لصلاة الجمعة يذهب اليه الصوماليون وهم يرتدون الدشداشة العربية الخليجية. ويوجد ثلاثة محلات خيرية charity وثمانية محلات لبيع اللحم الحلال المذبوح على الطريقة الاسلامية ومثلها محلات حلاقة رجالية يديرها حلاقون من جنسيات مختلفة، ومطعم افغاني، واخر ايراني، وتركي، ومطعمان يبيعان الشاورما اللبنانية، وكشك مرخص لبيع الفلافل على الرصيف، وكنيسة كاثوليكية، فيما تقف امرأتان سوداوان تبشران بدين شهود يهوه على نفس الرصيف.باختصار: كل عقائد العالم واديانه وحضاراته موجودة جنبا الى جنب في هذا الشارع. هنا لا يوجد صراع حضارات، ولا حضارة الرجل الابيض، ولا نهاية التاريخ، وانما يوجد تعايش حضارات. انتهت صلاحية سرديات هذه الافكار القديمة، ودخل العالم مرحلة جديدة في العلاقات بين الحضارات التي صارت تتبادل الكلمات والافكار والازياء والاطعمة على قارعة الطريق وارصفة الشوارع. احد اسباب تعايش الحضارات في شارع Greenford Broadway هو ان حضارة الرجل الابيض فتحت ابوابها لمواطني الحضارات الاخرى بطلب اللجوء السياسي فيها، وبعد سنوات قليلة منحتهم جنسيتها واصبحوا مواطنين يدلون باصواتهم في الانتخابات، وينتمون الى الاحزاب السياسية للرجل الابيض، واصبح احدهم رئيسا للحكومة البريطانية، والثاني عمدة لعاصمتها لندن، وقبل ذلك كان افريقي اسود قد اصبح رئيسا للولايات المتحدة. يوجد متطرفون على سواحل كل الحضارات المتداخلة يرفضون هذا التداخل، بعضهم موجودون في بريطانيا، وبعضهم موجودون في "كروبات الواتساب اب". لكن هذا لا يغير من الحقيقة التاريخية التي تنمو ككرة الثلج، وهي ان خطوط التماس بين الحضارات تتداخل فيما بينها وكأنها تسير بخطى ثابتة نحو الذوبان والاضمحلال. قد يقول البعض ان هذه هي العولمة الحضارية، او الهيمنة الحضارية، لكن الله يقول:"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً"، "وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا"، وليس هناك ما يمنع من يعود الناس امة واحدة وهم يقتربون من اخر الزمان، تحقيقا لما دعاهم اليه الله بقوله:"إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" ويقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا".
ومما يسهل عودة البشرية الى حالة الامة الواحدة هذا التسارع الذي يقطع الانفاس في التقارب بين الشعوب في وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام والتكنولوجيا. انا الان اكتب الايات القرانية مشكلةً وجميلة مستخدما تقنيات درجنا على وصفها بانها غربية. وما هي غربية. فقد اشتركت حضارات عدة بصناعتها وتطويرها وتيسير استخدامها. يجلس في مكاتب تطوير هذه التقنيات الابيض والاسود والاصفر والاحمر، الذين يتحدثون بلغات شتى، ويتعبدون بالهة متعددة، لكنهم يصنعون حضارة واحدة. كان الاسلاميون المتشددون قبل عقود قليلة يرفضون "الديمقراطية" ويصفونها بانها صناعة غربية لفظا ومحتوى وهم اليوم يستخدمون ادواتها والياتها والفاظها في العراق وايران بما في ذلك مصطلح "سانت ليغو" البغيض. هذا اتجاه تاريخي حضاري يؤمن به الناس من مشارب شتى كل بطريقته، لكن "كل الطرق تؤدي الى روما" كما يقول المثل. الفرق بين من يؤيد هذا المقال وبين من يرفضه كالفرق بين من يفهم الحاضر على اساس المستقبل، وبين من مازال تفكيره وحاضره مكبلا باغلال الماضي.
"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ * فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".

تسجيل 9 هزات أرضية داخل العراق في شهر نيسان
2-أيار-2024
رغم الإجراءات الأمنية في البتاوين.. نزيل يجهز على صديقه داخل فندق
2-أيار-2024
تركيا تضم صوتها في قضية "الإبادة الجماعية" ضد إسرائيل: نواصل دعم فلسطين
2-أيار-2024
ضخ فوق الحدود.. العراق يواصل الإخفاق بالالتزام بتعهدات أوبك
2-أيار-2024
وسط مخاوف من عودتهم.. العراق يستقبل ما يقرب من 700 مواطن مرتبطين بداعش من مخيم "الهول"
2-أيار-2024
العراق يشتري طائرات عسكرية بدون طيار من الصين
2-أيار-2024
أزمة الشرعية وتداعياتها في مواجهة أردوغان
2-أيار-2024
ليفركوزن للثأر من روما واختبار حقيقي لمرسيليا أمام أتالانتا في يوروبا ليغ
2-أيار-2024
محمد صلاح غير متحمس للتوجه إلى الدوري السعودي
2-أيار-2024
غرائب واختفاءات الموسيقي الفرنسي رافيل في سنواته الأخيرة
2-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech