خوف
12-أيار-2024

عامر بدر حسون
في الثمانينيات، وفي المرحلة التي سميت مرحلة الحفاظ على روح النصر، كتب شاعر وكاتب معروف عمودا في جريدة الثورة يطالب فيه بمنع أغنية لفيروز، وزاد على ذلك بالمطالبة بمسحها من أشرطة الإذاعة العراقية.
كانت الأغنية المتهمة هي أغنية «سألتك حبيبي لوين رايحين»، وهي أغنية تتحدث عن حبيبين يلتقيان في أجواء الخوف من المجهول، أو من شيء غير محدد..
تقول كلمات الاغنية:
"قل لي.. احكي لي.. نحنا مين؟
وليش بنتلفت خايفين / ومن مين خايفين"؟
ومثل كل حبيبين يسكنهما القلق والخوف من تأخر الغد، تقول فيروز في الأغنية "المطاردة":
"موعدنا بكرا / وشو تأخر بكرا / قولك مش جايي حبيبي"؟
"أنا كلما تودعنا / كأنا تودعنا / لآخر مرة حبيبي"
وتنهي أغنيتها بدعاء للناس والمحبين، كي يتحرروا مما يخيفهم ويقلقهم:
"ويا دنيا شتّي (امطري) ياسمين / ع اللي تلاقوا ومش عارفين / من مين خايفين»؟
صاحبنا، وكان مبدعا حقا في تصوير الخوف من الجلاد، سمع الاغنية وانتبه الى كلماتها وشعر بالرعب عندما اوحى له خوفه بمعان تتجاوز اغنية الحبيبين، فنهض الخوف في روحه وشعر ان الجلاد ضبطه وهو يستمع للأغنية بتأويل معانيها خارج منطقة الحب.. فذعر وكتب من فوره:
"هذه الاغنية تسيء للحياة الآمنة التي نحن فيها، وتزرع الشكوك في نفوس العراقيين المطمئنة" وعلى هذا طالب بمنعها، وحذفها كليا!
وما استوقفني يومها ان الكاتب لم يكن بعثيا، بل كان معارضا سابقا تم "تحويله" إلى كاتب موال، فصار يكتب في جريدة الثورة، جريدة الحزب، كملكي أكثر من الملك.
والحق ان زاوية النظر، التي انطلق منها، تنطوي على إبداع في الخوف من الجلاد، يمكن ان يتجسد على شكل مزايدة حتى على ظنون وتأويلات الجلاد نفسه.
ولم أكن يوما ممن يلومون الضحية على ما يمكن ان يصل اليه تحت التعذيب والخوف.
فاللوم والغضب ينبغي ان يبقى دائما على من مسخ النفس البشرية الى هذا الحد، ولهذا لم اذكر اسم الكاتب المقصود.
لكن القضية ليست وقفة مع الماضي، بقدر ماهي وقفة مع حياتنا، التي شهدت قسوة ووحشية مفرطتين حتى بعد غياب الجلاد الأساسي. وهو وضع يجعلنا في مواجهة أسئلة عن إمكانية إعجاب الضحية بجلادها، وتقليده في سلوكه وتفكيره، بل وفي إمكانية تفوق الضحية على الجلاد في القسوة والإجرام؟
وما نراه في الكتابة العراقية، انها ما زالت تنظر الى الحياة والى ما تقرأ بعينين مشوهتين لفرط تجاورهما في الراس الواحد: عين الجلاد وعين الضحية الخائفة.
ونرى هذا جليا وواضحا في التعامل مع اصحاب الراي المختلف او الجديد، ومطالبته دائما ان يمتثل لراي المجموع او القطيع او الشعب.
ونرى هذه النظرة المشوهة وهي تتضخم فترى العدو في الحزب الاخر وترى العدو في دول الجوار وترى العدو في دول العالم. وما زالت ثقافتنا السياسية السائدة هي بيان حرب مؤجلة ضد دول العالم.
ومازلنا ننظر لكل ما حولنا بعين الجلاد القديم، العين المتوجسة، الخائفة، فترانا، وترى ثقافتنا، وسياستنا، وكتابتنا، تمشي وتتلفت مذعورة ومتسائلة:
"نحنا مين، وليش بنتلفت خايفين؟ ومن مين خايفين"؟

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech