عامر بدر حسون
في منتصف التسعينات زرت جريدة "سانت لويس" في اميركا، وكانت الصحافة الورقية في عز مجدها.
وكان من الطبيعي ان يكون سؤالي الاساسي في عالم السياسة هو:
- لماذا تدعمون اسرائيل على حساب الحق الفلسطيني؟
وجاءني الجواب من عالم اخر لا علاقة له بكل ما اعرفه، اذ شرح لي كبير المحررين كما يشرح الالف باء لطفل:
تعتمد جريدتنا مثل بقية الصحف على اشتراكات القراء فيها اضافة للإعلانات، وقد كتبنا مرات في قضايا مختلف عليها مثل قضيتكم الفلسطينية فجاءتنا الردود الغاضبة من مشتركينا وهي تهدد بإلغاء اشتراكاتها ان بقينا منحازين لهذه القضية او تلك.. وكذا فعلت شركات الاعلان! والاشتراكات والاعلانات هي العمود الفقري للصحيفة وبدونها لن نستطيع الصدور. والصحيفة والمجلة هي السلعة الوحيدة في العالم التي تباع باقل من كلفتها، وتأتي ارباحها وتكاليفها من الاشتراكات والاعلانات.. وليس كما هو عندنا من فلوس الحكومة او الاحزاب.. ومن يدفع اجور الفرقة الموسيقية يستطيع ان يحدد الالحان التب تعزفها!
وبعد ايام دعيت في مدينة ناشفيلد، مدينة الموسيقى في اميركا، الى حفل غداء ومناظرة بين رجل وإمراة كانا يتنافسان على احد المناصب المهمة.. وكان هدفهما اقناع الجمهور المدعو، وهو من كبار الشخصيات، بقبول ترشيح احدهما للمنصب. وشرح كل منهما سيرته الذاتية وما قام به من خدمات للمدينة. وقد لفت انتباهي قول السيدة انها عملت ايضا في اللوبي اليوناني لسنتين وفي اللوبي الصحي لسنة، واسترسلت في ذكر منجزاتها في هذين اللوبيين بكل فخر. وقد دهشت لان كلمة اللوبي مرتبطة في عقلي العربي بالسوء وباللوبي الصهيوني الذي يذكر في ثقافتنا العربية في سياق المؤامرة والسرية.. لكنني وجدته مما يعلن عنه بفخر ودون اية سرية!
وسألت وقرات عن اللوبي في اميركا واوروبا فوجدت ما يثير الدهشة.
ووجود اللوبيات بشكل رسمي وعلني يقدم لنا فكرة عن انماط التفكير السائدة في العالم لمواجهة المشكلة وليس الهرب منها كما نفعل نحن، عندما نكتفي بإلقاء اللوم على اللوبي اليهودي في تسيير الراي العام وفي المساهمة برسم سياسات العديد من الدول في القضايا الداخلية والخارجية ومنها قضايانا. واللوبي كلمة انكليزية ارتبطت بالفنادق والاماكن الواسعة وهي تعني الردهة او الصالة.
وكان السياسيون واصحاب المصالح يتجمعون في اللوبي على امل مشاهدة المسؤول الحكومي وتقديم العرائض والطلبات له كي ينفذها بالإقناع او بالرشوة. وبمواجهة هذه المشكلة قامت الحكومة الاميركية بسن قوانين تعتبر اللوبيات شرعية استنادا الى نص في الدستور الامريكي يقول:
"من حق الناس الاجتماع سلميا، ومطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف". وتوسعوا فيه وفي تفسيره فاصبح الاجتماع بالمسؤولين والنواب شرعيا في اللوبي او خارجه. وعلى هذا بدا التخصص وصارت هناك لوبيات للضغط من اجل المطالبة بحقوق الاقليات او المطالبة بإصدار قوانين وقرارات تخدم التوجهات الاقتصادية للشركات الصناعية والتجارية..
بل ان هذا الامر امتد الى منح الحق للدول الخارجية في تسجيل لوبيات تابعة لها لإقناع المسؤولين الاميركان في تبني السياسة الخارجية ودعم هذا الطرف او ذاك لان فيه مصلحة لأميركا. وعلى هذا كان اللوبي اليهودي او الصهيوني موجودا وفاعلا مثله مثل اللوبي الروسي او الصيني والياباني والخ. واهم مكان تمارس فيه هذه اللوبيات عملها هو الكونغرس فالنواب هم من يصنعون السياسة الداخلية والخارجية او يؤثرون فيها بشكل واضح وكبير. وتوجد في اميركا اليوم الاف الشركات المختصة بشغل اللوبيات وهي تضم في صفوفها العديد من المسؤولين والنواب السابقين.
وما نراه اليوم من حمى عدوانية في الاعلام والسياسة الغربية والامريكية في تبني مواقف اسرائيل والوقوف ضد الفلسطينيين، هو في جزء كبير منه يعود لنشاط هذه اللوبيات وتوجيهها للراي العام. ولعل القاريء يتساءل عن اللوبيات العربية وهل لها وجود؟ والجواب نعم.. فهناك لوبي قطري واخر سعودي واماراتي لكنها مشغولة بالترويج لدعم دولها في صراعاتها مع بعضها ليس الا! وتلك احدى خيبات العرب.