دماغنا الذي يطرح علينا بإلحاح سؤال الخير والشر
26-آب-2023
مشير باسيل عون
يعلن الباحث الفرنسي ستفان دبوڤ، في كتابه "لماذا اخترع دماغنا الخير والشر؟" (Pourquoi notre cerveau a inventé le bien et le mal ?)، أن الحس الأخلاقي ثمرة نضج إنساني تراكم في الوعي الفردي والجماعي منذ أقدم الأزمنة. فالأخلاق تقترن بالتربية والثقافة والدين، وتترسخ بواسطة عقد اجتماعي يرتضيه الناس حتى يحيوا في معية إنسانية سليمة سلمية نافعة، فضلاً عن ذلك، يبين هذا الباحث أن الأحكام الأخلاقية تستند إلى خلفية بيولوجية اصطفت في النوع الإنساني أفضل مراتب الوعي، إذ إن جميع الناس يتمتعون بحس أخلاقي يوازي، في وجه من الوجوه، حس الذوق أو حس الشم. ومن ثم، تختبر جميع الحضارات الإنسانية ثمار النضج الأخلاقي هذا، لا سيما في صورة القيم المشتركة التي يجمع عليها الناس. فالأطفال، منذ نعومة أظفارهم، يربطون معنى العدالة بمسألة التعاون العملي والمؤازرة التضامنية في أبسط المهام اليومية والألعاب الترفيهية.
وعليه، ينبغي النظر في القيم التي تنهض عليها الأخلاق في المجتمعات الإنسانية، وفي طليعتها قيمة الخير. يستجلي فلاسفة الأخلاق ثلاث أنظومات أخلاقية: الأولى أفلاطونية تستند إلى قيمة الخير، الثانية كانطية ترتكز على قيمة الواجب، والثالثة تعاقدية تعتصم بقيمة الحق العادل أو الإنصاف. لا شك في أن أقدم المفاهيم مفهوم الخير الذي نشأ في الفلسفة الإغريقية، واستمر فاعلاً ومؤثراً حتى القرن الثامن عشر. ومن ثم، نشأ في موازاته مفهوم الواجب الذي صاغه كانط (1724-1804) في أخلاقياته، ومفهوم الحق العادل الذي اعتمدته نظريات العقد الاجتماعي وآليات المواضعة الائتلافية بين أعضاء المجتمع.

تعريف الخير في الفلسفة الأفلاطونية
لذلك لا بد من النظر في النظريات الأخلاقية التي تستند إلى مفهوم الخير والتي تضع أيضاً الكمال مثالاً أعلى في حياة الإنسان. قد يختلف الناس في تعيين مضمون هذا الخير، فيضعون من المثل العليا ما يعتقدون أنه يناسب طبيعة الخير المنشود: السعادة، الحرية، المعرفة، الصداقة، الاحترامية المتبادلة، النشاط العقلي، الإبداع الأصيل، إلخ. غير أن الفلسفة، منذ أفلاطون (428 ق م-348 ق م)، سعت إلى تعريف الخير: فإذا به تارة حقيقة عليا متسامية، وتارة نظام شامل في الحياة، وطوراً مجموع المنافع الموضوعية الصالحة كتلك التي ذكرتها، وأطواراً عنوان الكمال الإنساني.
يعرف أفلاطون الخير إما بوصفه نظاماً شاملاً يضبط حياة الإنسان، وإما بوصفه حقيقة عقلانية متسامية، فيبين أن الخير الموضوعي قائم ناشط فاعل، سواء في هيئة النظام الشامل الضابط حياة الإنسان أو في صورة الحقيقة العقلانية المتسامية. يعني هذا الأمر أن الإنسان، في صميم كيانه، يتوق إلى القيم العقلانية والموضوعية. الحقيقة أن الإنسان، في التصور الأفلاطوني المثالي، يمكنه أن يحكم على الأمور الصالحة وفقاً لمعايير موضوعية ثابتة وبالاستناد إلى مرجعية غير ذاتية. يجب على الإنسان أن يحدد ضرورات الانتظام والانسجام والتماسك التي تخضع لها حياة الكائن الإنساني الساعي إلى الخير في جميع أبعاده. ومن ثم، يمكننا أن نستدل على الخيور أو الخيرات التي يجب أن نسعى إليها في أثناء حياتنا. استناداً إلى هذا التصور، يجوز لنا أن نربط أخلاق الخير بأخلاق الكمال، إذ إن الخير ينطوي حتماً على مفهوم الكمال الذي يصبو إليه كل إنسان، ولو تنوعت مفاهيم الكمال بتنوع الانتسابات الثقافية.
معايير الخير الموضوعية: إسعاد الآخرين
لا بد إذاً من الاعتراف بأن المذهب الأخلاقي الأفلاطوني المبني على طلب الخير والكمال يقر بوجود خير موضوعي أو خيور موضوعية لا تتعلق بذاتية الشخص وميوله ورغائبه، وتسوغ اختبار السعادة المرتبطة بنيل هذه الخيور. أما السعادة عينها فتصبح واقعاً موضوعياً حين ترتبط بنيل الخيور الموضوعية هذه: إذا حقق الإنسان خيراً موضوعياً يراعي معايير الخير الموضوعية، فلا بد له من أن يختبر السعادة الموضوعية المقترنة بتحقيق هذا الخير.
ذلك بأن هذه الخيور ترتبط بأحوال الحياة التي يمكن أن يصفها الإنسان وصفاً موضوعياً. المثال على ذلك شعور الرضا الذي يصاحب الإنسان الذي يسعى إلى خير الآخرين وسعادتهم، فلا يشعر بالسعادة التي يشعر بها الآخرون الذين يحبهم لخيرهم الخاص وحسب. حين نتمنى السعادة للأشخاص الذين نحبهم، لا نتمنى لهم أن يختبروا شعور الرضا فحسب، بل أن يقترن شعور الرضا هذا بحصولهم على الخيرات الموضوعية التي نعتقد أنها صالحة لهم.
في هذا السياق، ينبغي لنا هنا أن نعرف الخيور الموضوعية الصالحة التي تجلب لنا وللآخرين الرضا والسعادة. ليست هذه الخيور من الخيرات المادية فحسب، بل تنطوي أيضاً على المواهب الذاتية، ومكاسب العلاقات الإنسانية، ومقام العلاقة البناءة بالآخر، وفضائل احترام الذات وتقديرها وتثمينها. كذلك تنطوي أيضاً على الخيرات الخاصة المرتبطة بالشخص عينه، من مثل القدرة على التفكير السليم، والإحساس الجمالي، وغنى المشاعر المختبرة، وموارد النفس الغنية، والطيبة الذاتية المنغرسة في طباع الشخص.
لا شك في أن مثل هذه الخيور صالحة بحد ذاتها، تستثير عند الناس الإرادة والرغبة في السعي إليها سعيهم إلى غايات وجودهم القصية. ومن ثم، فإن أسلوب الحياة أو نشاط الإنسان أو الخير المنشود لا يمكن أن يكون صالحاً صلاحاً موضوعياً إلا إذا كان خيراً نرغبه على وجه الضرورة، وخيراً لا يمكننا أن نكون سعداء إلا بالحصول عليه. ومن ثم، يمكننا القول إن هذه الخيور ترتبط بموضوعات الرغبة الإنسانية، وهي موضوعات يرغب فيها جميع الناس. الحقيقة أن شمولية رغبة الناس في هذه الموضوعات تجعلها عامة وصالحة ومطلقة.
وعليه، فإن الخيور المرغوبة لا تعود تتعلق بالذات الإنسانية الفردية ورغائبها الخاصة. من الواضح إذاً أن الإعراض عن الحياة اللاأخلاقية ونبذ الرذيلة خير موضوعي بحد ذاته. فالإنسان الذي يسر بأذية الآخرين لا يمكنه أن يختبر الخير الموضوعي. دليلنا على هذا القول أن الإنسان الشرير الذي يتوب عن أعماله القبيحة التي جعلته يخون أصدقاءه ويعزل بالمكيدة الخبيثة منافسيه، لا يمكن أن نعده إنساناً سعيداً سعادة موضوعية أصيلة، حتى لو ابتلع حبة كيماوية تغير وعيه تغييراً استثنائياً فتجعله ينسى أفعاله القبيحة.
الخير حقيقة عقلانية متسامية في فلسفة كانط
بحسب التعريف الثاني هذا، يكون الخير حقيقة متسامية موضوعية يكفينا أن نرغب فيها وأن نسعى إليها وأن نحصل عليها حتى نكتسب السعادة الحق. ترتبط بهذا الخير الخيور التي ربما لا يرغب فيها جميع الناس، ولكنها في صميم جوهرها موضوع الرغبة الإنسانية الراقية، إذ إنها خيور كيانية تستحق أن يرغب فيها الإنسان. لا شك في أن هذه الخيور قيم أصلية موضوعية قائمة بحد ذاتها. أما أفضل مثال على هذه الخيور فالإرادة الصالحة التي يحددها كانط في كتابه "أساس متافيزياء الأخلاق" (Grundlegung zur Metaphysik der Sitten).
يعتقد كانط في فلسفته الأخلاقية الصورية المجردة التشددية أن الخير ينبغي ألا يكون في المقام الأول، أي في مقام الصدارة التي تفرض معيار القيمة الأخلاقية. معنى ذلك أن الإنسان، لكي يكون أخلاقياً، يجب ألا يطلب الخير، بل أن يطلب الإرادة الصالحة التي تجعل الإنسان يدرك قيمة الواجب بحد ذاته. وحدها الإرادة الصالحة هي الخير المطلق، وذلك بمعزل عن موضوعات الخير التي يسعى إليها الإنسان.

فالإنسان الذي يخضع بحريته لإرادته الصالحة التي تجعله يصون الواجب لذاته، لا لغرض آخر غير الواجب، هو الإنسان الأخلاقي. وحدها الإرادة الصالحة تجعل الخيور خيوراً، لا الخيور بحد ذاتها تجعل الإرادة صالحة. تقوم الإرادة الصالحة على قرار الإنسان الذاتي القاضي بإتمام واجبه. ومن ثم، يتم الإنسان الواجب حين يفعل فعله الأخلاقي بدافع الواجب الصافي الخالص المطلق. الأمر الأخطر، أي ما يعتصم به في المسلك الأخلاقي، إنما هو استعداد الإرادة لإتمام الواجب. لذلك لا ترتبط الأخلاق بالتطابق الذي يفترضه الإنسان بين محتوى الفعل المادي، والواجب المرسوم. الأمر الأهم إنما هو الحافز الأخلاقي المبني على إرادة الواجب. وعليه، إذا خالط الواجب دافع مختلف عنه، مهما أتى طفيفاً، كان هذا الأمر كافياً لتجريد الفعل من استحقاقه ومقامه الأخلاقي. المثال على ذلك واضح في المسلك اليومي: إذا ساعدت إنساناً بداعي الشفقة أو الرغبة في تحقيق طموحي الإنساني، فإن فعلي لا يكون صالحاً من وجهة النظر الأخلاقية المحض.
الخير المقترن بالواجب الأخلاقي
في هذا السياق، لا بد من النظر في مفهوم الأمر القاطع الكانطي الذي يملي عليَّ أن أقوم بالواجب صوناً لمنطق الواجب، لا طمعاً بأي مثال آخر، حتى النظريات التي تجعل الواجب أمراً مفيداً في الاجتماع إنما تشوه صفاء الواجب وجذرية الأمر القاطع هذا، ذلك بأن الواجب أمر عام شامل كلي. معنى هذا التعريف أن الواجب عقلاني، منبثق من جوهر العقل. لذلك يمكننا القول إن كلية الواجب تنبثق من العقل الذي يصدر أمراً قاطعاً مطلقاً، ذلك بأن العقل، من حيث إنه عقل عملي، يلزم إرادتنا أن تصنع الواجب من أجل الواجب. لا يأمرنا العقل إلا بأن تكون أفعالنا عقلانية كلية. فلا نخضع لاعتبارات جزئية، ونساير أحوالاً معينة، ونمتثل لغاية محددة، ولو كانت شريفة.
وعليه، يجب أن يكون المبدأ الأخلاقي هذا مبدأً كلياً: "افعل فقط بحسب المبدأ الذي تستطيع أن تريد أن يصبح في الوقت نفسه قانوناً كلياً". يأمرنا قانون العقل أمراً مطلقاً، بموجب ما فيه من عقل محض، أي بموجب الصورة القانونية الخالصة. معنى ذلك أن الأمر القاطع يتعارض، بصفته المطلقة، وكل الأوامر الشرطية التي تأمرنا بأن نفعل فعلنا، ونحن آخذون في الحسبان أننا ننشد هذه الغاية أو تلك. لنضرب مثالاً على ذلك: واجب رد الوديعة التي يأتمننا عليها أصدقاؤنا. فمن أي وجه وعلى أي كيفية يكون رد الوديعة واجباً؟ يتصف فعلنا بالرفعة الأخلاقية لا من حيث إن ردها يستجيب لمصلحة متغيرة، بل من حيث الصفة الأصلية اللصيقة بالمبدأ الذي يأمرنا بذلك، أي تلك الصفة التي يمكن أن تصير قانوناً كلياً شاملاً.
لنفرض مسلكاً يخالف هذا التصرف، أي مسلكاً يحبس الوديعة ويسرقها، بمعنى أن رد الوديعة يصبح أمراً اعتباطياً اعتسافياً، متغيراً بحسب تغير ظروف العلاقة التي تربطني بأصدقائي. في هذه الحال، لا يعود إلى الوديعة الممهورة بواجب الأمانة من معنى أخلاقي. لذلك يمكننا القول إن القاعدة، إذا لم تكن كلية، نقضت نفسها بنفسها. حين يتضح لنا أن سلطة الواجب منبثقة من سلطة العقل المحض الخالص، وقد أصبح عقلاً عملياً، بحسب تعريف كانط، فإن الذي يأمر في الإنسان إنما هو الملكة التي بمقتضاها يكون الكائن البشري إنساناً. ومن ثم، يرسم كانط أن احترام العقل هو إذاً احترام الإنسانية فيَّ وفي الآخرين، بحيث يمكن صوغ الأمر المطلق على النحو الآتي: "افعل بحيث تعامل الإنسانية في شخصك وفي شخص الغير معاملة الغاية دوماً، وليس على الإطلاق معاملة مجرد وسيلة".
خلاصة القول إن كانط يرفض كل تسويغ يبرر الواجب بأدلة لا تمت إلى مبدأ الواجب بصلة، كأن يدعي الإنسان أن احترام الواجب فعل مفيد للمجتمع، أو أن احترام الواجب أمر مرغوب يتيح للإنسان أن يختبر السعادة. في بحثه "مذهب الفضيلة" (Tugendlehre)، يتناول كانط مسألة الغايات القصية والخير الأعظم الذي هو الغاية التي تسعى إليها الإرادة الصالحة، بدلاً من أن يكون مجرد موضوع للتأمل النظري. ومن ثم، يستجلي غايتين في حياة الإنسان: الفضيلة والسعادة. غير أن الغايتين مطبوعتان بالطابع الأخلاقي المحض. أما السعادة فتنبثق من الاستحقاق الواجبي المنزه عن الغايات الانتفاعية. لذلك ينبغي للإنسان أن يتجرد من مآرب الحياة الحسية حتى يستحق السعادة. معنى ذلك أن الإنسان، حين يروم الخير الأعظم غاية لحياته، إنما يروم الإرادة الصالحة. ومن ثم، تصبح أخلاق الواجب غاية الوجود الإنساني القصوى. كان لا بد من إبراز التصور الكانطي هذا حتى يدرك المرء الاختلاف الخطر بين أخلاق الخير وأخلاق الواجب. سبيل التوفيق الوحيد يقتضي، في رأي كانط، أن ينعقد الخير على احترام الواجب.

الخير بوصفه كمالاً مطلقاً
من الممكن أيضاً أن نقع على نظريات أخلاقية تعرف الخير كمالاً مطلقاً. نظريات الكمال هذه تتصور الخير في موضوعيته القائمة بحد ذاتها، فترسم للإنسان المنهاج الذي يمكنه من تحقيق هذا الخير. من الواضح أن هذه النظريات لا تحدد الخير تحديداً يستند إلى الذات الفردية، فتجعله مقترناً باللذة أو بالمفاضلات الذاتية أو بالسعادة الفردية، بل تتصوره موضوعاً قائماً بحد ذاته، بوصفه قيمة أخلاقية أصيلة، مثلها كمثل تحقيق الذات أو إسعادها بواسطة الالتزام الأخلاقي وإنجاز الأفعال الصالحة التي تبني إنسانية الإنسان.
يمكننا إذاً أن نصف هذا الخير وصفاً دقيقاً بالاستناد إلى الإنجازات الراقية والكمالات المنشودة في حياة الإنسان، كاكتساب العلم وبناء الصداقة وضمان النجاح وإغناء العلاقات الإنسانية. لا شك في أن الإنجازات الكمالية هذه خيور لا تقترن بالملذة الفردية التي تنجم عنها، مع أنها تجعل حياة الإنسان حياة أسعد وأطيب وأهنى. إن الخير الإنساني الموضوعي هذا تتصوره نظريات الكمال في منزلة الأصل الذي تقوم عليه السعادة الحق، ولكن هذه السعادة لا تقتصر على الرضا العابر والاكتفاء القنوع.

الكمال المقترن بالطبيعة الإنسانية
تنفرد بعض المذاهب الأخلاقية بتعريف الخير كمالاً مقترناً بتحقيق دعوة الطبيعة الإنسانية، ولكن يجب ألا نظن أن تصور السعادة الموضوعية يقترن اقتراناً ضرورياً بتصور الطبيعة الإنسانية التي يصعب علينا أن نحددها تحديداً جامعاً مانعاً. من الواضح أن المذهب الأخلاقي الذي ينادي بالكمال خيراً مطلقاً للإنسان إنما يصر على مركزية الفرد الفاعل المبادر، ويولي مقام الصدارة السعادة التي يستطيع الفرد الفاعل أن يفوز بها في سعيه إلى الخير الإنساني.
بيد أن مثل هذا الإصرار لا يمنع هذا المذهب من القول إن ممارسة فضائل الاعتناء بالآخرين كالعدالة والإحسان إنما تليق بكرامة الفرد الفاعل وتلائم خيره الخاص. لذلك يجب القول إن مذهب الكمال الأخلاقي ينزل منزلة بين منزلتين: فلا هو بمذهب مبني على رعاية خير الآخرين وشمولية الخير الكوني، ولا هو بمذهب مقتصر على أخلاقيات الأنا الفردية. ومن ثم، فإنه مذهب أخلاقي يتصور السعادة تصوراً متفاوت النسب والمقادير، إذ يستند إلى مقولة استحقاق الفرد، ويعترف أيضاً بأن الكمالات لا تنطوي على القيمة عينها، بل لكل مرتبة من الكمال الإنساني المنشود قيمة ذاتية خاصة مختلفة.

مذاهب الكمال الأونطولوجي الفلسفية
تجلى مذهب الكمال الأخلاقي في الفلسفات العقلانية الغربية التي استهلها دكارت (1596-1650)، وواظب عليها وطورها سبينوزا (1632-1677) ولايبنيتس (1646-1716). يعتقد الفلاسفة الثلاثة هؤلاء أنه يجب أن نحدد الخير الإنساني والسعادة تحديداً يراعي مقتضيات الكمال الأونطولوجي في كيان الفرد. أتناول بإيجاز تصوراتهم الفذة، فأبدأ بدكارت الذي يعد أن كل أفعال النفس التي تكسبنا بعض الكمال أفعال فاضلة. أما رضانا الداخلي، فيقوم على أننا في عمق داخلنا نشهد لذواتنا أننا بلغنا بعضاً من هذا الكمال. ليس على الإنسان أن يطبق الشك المعرفي على حقل الأخلاق، إذ بذلك يوشك أن يشل قدراته المسلكية. في كتاب "انفعالات النفس" (Les passions de l'âme)، يحث دكارت الإنسان على معرفة الخير الأسمى، أي الله الذي فيه تجتمع كل الصفات. كذلك ينبغي للإنسان أن يعتصم بإرادة فولاذية تؤهله لحسم النقاش الأخلاقي، حتى لو غابت عن مداركه بعض عناصر الاستيضاح الضرورية. أما القاعدة الأهم فضبط انفعالات النفس ضبطاً يميز حقلين من الضرورات: حقل الضرورات التي تتجاوز قدرة الإنسان التاريخية، وحقل الضرورات التي تخضع لمشيئته الذاتية. وحدها الإرادة الإنسانية خاضعة لحقل الضرورات التاريخية. لذلك يمكن الإنسان أن يطوع مشيئته تطويعاً يجعلها تتخلق بالفضيلة الأسمى، ألا وهي السخائية الحرة التي تؤهل النفس الإنسانية للخير الأعظم.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech