عامر بدر حسون
كانت "رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين" هي اكبر منظمة ثقافية خارج العراق، ولها فروع في عدد كبير من البلدان، وضمت في صفوفها غالبية المثقفين والفنانين المنفيين.
وكانت السمة الغالبة عليها (رغم اسمها الديمقراطي) هي تبعيتها للحزب الشيوعي، ولا غرابة في هذا فالحزب هو من بادر لتاسيسها، وكان فيها اكثر من 500 مثقف وفنان.
وكان رئيسها دائما هو الشاعر سعدي يوسف، والذي كان اضافة لشهرته واهميته، الاكثر حرصا على ارتباطها وتنسيقها مع الحزب الشيوعي.
اكبر فروع الرابطة كان في دمشق وفيه اكثر من مئتي فنان ومثقف وصحفي اضافة الى ارتباط فروع صغيرة به في بلدان اخرى (رفحا والارطاوية وبيروت).
وينبغي القول ان افضل منجزات الرابطة تمت في دمشق:
ندوات ومعارض ومسرحيات وافلام ومطبوعات اضافة الى تحمل الزملاء في فرع سورية الجهد الاكبر في اصدار مجلة "البديل" وهي مجلة مهمة ولعلها الاثر الاكثر بقاء في نشاط الرابطة. بدات علاقتي بالرابطة منذ العام 1980 اذ كنت عضوا في اللجنة التحضيرية لتاسيس فرعها في دمشق. وكان من مهامنا اجراء اتصالات مع المثقفين المستقلين او من اعضاء في الاحزاب الاخرى واقناعهم بالانضمام للرابطة. ويبدو انني اخذت مسالة الديمقراطية على محمل الجد اكثر مما ينبغي. فبعد النقاش مع المثقفين المستقلين واعضاء الاحزاب الاخرى، وعدتهم ان تكون الامور فعلا ديمقراطية بالكامل. ومنذ الاجتماع الاول مع المسؤول الحزبي المعني بمتابعة شؤون الرابطة دب الخلاف بيننا.. فهو ابلغنا ان الحزب لديه قائمة انتخابية ستوزع "سرا" على المثقفين الشيوعيين كي ينتخبوها. (القائمة تضم مستقلين مقربين للحزب ومن احزاب اخرى. يعني شيء يشبه تشكيل حكومات الشراكة العراقية منذ عام 2003 بالتمام والكمال)!
ولم يكن هذا رايي. فقد كنت ضد مبدأ القائمة الحزبية، ورفضت ان اكون من المرشحين في قائمة حزبية. ولربما فعلت ذلك من باب القناعة او العناد.. لا ادري! وفي كل مؤتمر كنت اركز على ضرورة ان لا تكون هناك قائمة انتخابية يحددها الحزب ويدفع اليها من يريد من اعضائه او اصدقائه، فقد كان هذا لا يليق بالديمقراطية ولا بالمثقفين، وكنت اعرف انني اخوض معركة خاسرة.
(وافتح هنا قوسا لاقول ان اختيارات الحزب للمثقفين في قائمته ضمت خيرة المثقفين العراقيين، ولم يكن يعيبها الا ان اسماؤهم وردت في قائمة حزبية).
وللامانة فقد كان الاصدقاء يعرضون عليّ في كل مؤتمر ان اكون في قائمة الحزب فكنت اشكرهم واعتذر.. واكتفي بالمشاركة في المؤتمرات وفي النشاطات.
وذات يوم قرر الحزب ان لا تكون هناك قائمة حزبية لانتخابات الرابطة وان يترك للمثقفين اختيار ممثليهم بحرية كاملة.
وعلى هذا الاساس وافقت على الترشيح ودخلت اول انتخابات في حياتي كمرشح. فماذا كانت النتيجة؟
لقد حصلت على أعلى الاصوات!
وبدلا من ان افرح شعرت بحزن شديد! كان زهير الجزائري، وهو احد ابرز الفائزين، يقف الى جانبي ونحن نتلقى التهاني من الزملاء وقلت له:
- انا حزين لهذه النتيجة! وشرحت له ان فوزي بهذه النسبة يدل على انني "صديق الجميع" اي انني انتهازي فضحك وقال لي:
ضع في بالك انك حصلت على اصوات اكثر منا لاننا كنا في محرقة العمل.. والعمل يخلق خصومات وانت جديد على هذا المشهد.. اضافة الى انك معارض والمعارض يكسب غالبا! قال لي ان من يعمل يكون مكشوفا امام الاخرين باخطائه او تقصيره، فانتظر الانتخابات القادمة وسترى!
اطمأنت روحي وبقيت انتظر الدورة التالية بعد عامين كي اتاكد من كلامه.
وفي اول اجتماع للهيئة الادارية الجديدة لاختيار الرئيس تم الاعتماد على الكتلة الاكبر وليس على من حصل على اعلى الاصوات لاختيار الرئيس!
وتم انتخاب فالح عبد الجبار او زهير الجزائري رئيسا للرابطة.
لكنني وفي المؤتمر الذي عقد بعد عامين حصلت ايضا على اعلى الاصوات.. بل ووجدت نفسي "مرغما"ان اكون رئيسا للرابطة في سورية!