رؤية عسكرية أمريكية تقارن بين حربيّ العراقية - الإيرانية والروسية – الأوكرانية
11-شباط-2023
بغداد ـ العالم
أشّر تقرير عسكري أمريكي "دروسا" عديدة يمكن استخلاصها من الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، وذلك لغرض الاستفادة منها في فهم التكتيك المتبع بالحرب الروسية -الأوكرانية الحالية، والتي شارفت على دخول عامها الأول.
وشبه موقع "وور أون روكس" الأمريكي "المتخصص بالشؤون العسكرية" في تقريره الحروب بشكل عام بـ"العائلات التعيسة" في مؤلفات الكاتب الروسي ليو تولستوي.
وأوضح التقرير، أن "المقارنات التاريخية يمكن أن تكون تبسيطية وتقود إلى افتراضات خاطئة، لكن ستكون من الحماقة أن يتم تجاهل التاريخ بشكل كامل، لأن التدقيق في التاريخ والاخفاقات الماضية، يثير أسئلة مهمة لصناع السياسة، ويمكن أن يساعد في إدارة الأزمات الحالية أو المستقبلية بشكل ناجح أكثر.
وبحسب التقرير الأمريكي، فإن خلال 11 شهراً مضى على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أجرى كثيرون مقارنات بالحروب التاريخية كالحرب العالمية الاولى والحرب الكورية والحروب النابليونية والحرب العالمية الثانية، إلا أن القليل ذكّر بالحرب العراقية-الإيرانية 1980-1988، وهي حرب تقدم دروسا على المستويين التكتيكي والاستراتيجي.
وصف التقرير الأمريكي، هذه الحرب بأنها مدمرة وتسببت بمقتل نحو مليون شخص وجرى خلالها استخدام للأسلحة الكيميائية، وأدت إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط"، مضيفا أن "الحرب الايرانية العراقية تتشارك في العديد من السمات مع الصراع الحالي في أوكرانيا، وهي يمكن أن تساعد في فهم أكثر عمقا لغزو رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، لجاره الايراني، وكيفية الاستجابة الدولية لما جرى من جانب صناع السياسة في معالجة هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وأضاف أن "هناك تشابهاً واضحاً بين المراحل الاولى لهاتين الحربين، فشهدت كلتا المعركتين هجمات سريعة ومضادة للاستيلاء على الأرض، حيث كان العراق استولى في البداية على مساحات شاسعة من الأراضي في العام 1980، واستولى على مواقع مثل مريفان ومهران ووصل الى الأحواز تقريبا لمسافة تزيد عن 70 كيلومترا داخل إيران، إلا أن الدفاعات الإيرانية تعززت في الاشهر الاولى من العام 1981 وعملت على التصدي للهجمات العراقية بحلول مارس/اذار من العام التالي.
وبعد غزو القوات الروسية لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، قام الروس بتقدم سريع ووصلوا تقريبا إلى كييف في غضون أيام قليلة، لكن وعلى غرار ما جرى مع قوات قوات صدام حسين، واجه جيش بوتين هجمات مضادة اوكرانية بحلول سبتمبر/ايلول واكتوبر/تشرين الأول، وفقاً للتقرير.
ولفت التقرير الأمريكي، إلى أن "بعد المراحل الأولية لكلا الحربين، فإن القتال تحول الى نمط أكثر ثباتا واستنزافا مع التركيز على حرب الخنادق"، مبيناً أن "الحرب العراقية الإيرانية، تميزت بتكتيك خطوط الخنادق الطويلة والاسلاك الشائكة والاستخدام المكثف للمدفعية بشكل مشابه لما جرى خلال الحرب العالمية الاولى".
وفي العام 2022، أقامت أوكرانيا وروسيا شبكات واسعة من الخنادق الممتدة عبر جبهة القتال في جنوب وشرق أوكرانيا، مع تفضيل استخدام المدفعية بدلا من الدبابات التي بدت عاجزة إلى حد كبير في التقدم، بحسب تقرير "وور أون روكس" الأمريكي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الهجمات الصاروخية العراقية والايرانية على المدنيين عبر البلدين خلال "حرب المدن"، وضرب صادرات النفط في مضيق هرمز خلال "حرب الناقلات" ، تذكر ايضا بالحرب الاوكرانية الحالية، مشيرا الى ان موسكو حاولت اضعاف معنويات المواطنين الاوكرانيين من خلال قصف المدن والبلدات وتعطيل قدرات الامة من خلال الهجمات على البنية التحتية للطاقة.
والى جانب ذلك، فان الحربين تتشابهان على المستوى الجغرافي الاستراتيجي الاوسع، حيث كان كلا النزاعين مهمين بدرجة كبير للمشهد الدولي الاوسع وتراقبها عن كثب دول طرف ثالث، ففي الثمانينات، انخرطت الدول من طرفي النزاع بالحرب الباردة وأرسلت العديد من الدول اسلحة الى ايران والعراق، او كليهما، كما في حالة الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي الحرب الحالية، يتصدر الصراع رأس اجندة السياسة الخارجية العالمية، حيث فيما تلقت اوكرانيا مستوى كبيرا من الدعم من مجموعة متنوعة من المصادر الغربية، شهدت روسيا مستوى اقل من المساعدة العسكرية والسياسية وهي بغالبيتها من ايران.
ووفقاً للتقرير الأمريكي، فإن هناك أضراراً الحقتها الحربان بالاقتصاد العالمي وصناعة الطاقة، وشهد النزاعان ظاهرة الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة وتداعيات اقتصادية اخرى ملموسة في أنحاء العالم كافة.
وعلى غرار حرب صدّام، فإن غزو بوتين لأوكرانيا أيضا يشهد على وجود فكرة دول تتحارب على حدود ذات اهمية تاريخية ومطالبات بمواقع مركزية مرتبطة بالهوية الوطنية، فبينما يتوق بوتين الى استرجاع قوة الاتحاد السوفيتي السابق متمسكا بان اوكرانيا ليس لها الحق في اقامة دولة خارج روسيا، فإن إيران والعراق تصارعا على ارض كانت تمثل اهمية لكلا النظامين لاسباب وطنية او دينية، في اشارة إلى محافظة خوزستان الايرانية التي كانت مهمة بالنسبة الى صدام حسين لانها تضم عددا كبيرا من العرب، في حين كان النظام الايراني يتطلع ايضا إلى الاماكن المقدسة الشيعية في العراق، كالنجف وكربلاء. ورأى التقرير الأمريكي، ان من الدروس المهمة ايضا انه من خلال الطبيعة المطولة للحرب الايرانية-العراقية وانزلاق الصراع في النهاية نحو طريق دموي مسدود وطويل، لكن بعد السنة الأولى من الحرب، تباطأت وتيرة القتال حتى توقفت الحرب اخيرا بعد ثماني سنوات تقريبا، لتصبح واحدة من اطول الحروب التقليدية في القرن العشرين.
وتابع "برغم اننا ما زلنا عند اقل من عام على الحرب الاوكرانية، الا ان الغزو الروسي الفاشل، ودفاع اوكرانيا عن نفسها، والوتيرة البطيئة التي دخلتها الحرب الان مع شهور الشتاء، يمكن ان تكون مؤشرا على ان هذه الحرب تسير في اتجاه مماثل لما سارت عليه الحرب العراقية - الإيرانية.
وبعدما لفت التقرير الى مؤشرات على ان الحرب قد تستمر لسنوات قادمة، خاصة مع استعادة الروس لخيرسون، وتوقعات بانتقال 300 الف جندي روسي جديد الى الميدان الاوكراني، نبه إلى أن "في حال كان الهدف هو عودة اوكرانيا الى حدودها قبل الغزو، فيجب على صناع السياسة أن يدركوا أن هذه الحرب قد تكون طويلة".
ودعا التقرير صناع السياسة الى النظر بإمكانيات المساعدة الغربية الموسعة والرغبة السياسية في استمرار الدعم، كما طالب حلفاء اوكرانيا الغربيين بـ"تحديد رؤية دقيقة تعطي الاولوية للوحدة المتعددة الاطراف بين الحلفاء وقادرة على تحديد عواقب هذا الانخراط في اوروبا الشرقية، مذكرا بان السياسة الغربية تجاه الحرب الإيرانية - العراقية خلال الثمانينيات، تشكل نموذج لحالة دراسة تتعلق بعدم النجاح في إدارة الازمات".
ودعا التقرير صناع السياسة الى النظر بإمكانيات المساعدة الغربية الموسعة والرغبة السياسية في استمرار الدعم، كما طالب حلفاء اوكرانيا الغربيين بـ"تحديد رؤية دقيقة تعطي الاولوية للوحدة المتعددة الاطراف بين الحلفاء وقادرة على تحديد عواقب هذا الانخراط في اوروبا الشرقية، مذكرا بان السياسة الغربية تجاه الحرب الإيرانية - العراقية خلال الثمانينيات، تشكل نموذج لحالة دراسة تتعلق بعدم النجاح في إدارة الازمات".
وحول ما وصفه التقرير، بـ"الخطر الأكبر"، نبه إلى أن المقارنة ليست ممكنة بين الحربين فيما يتعلق باستخدام اسلحة الدمار الشامل، اذ ان صدام حسين استخدم بشكل كبير غاز "الخردل" وغازات الاعصاب مثل "السارين" و"التابون" ضد القوات الايرانية.
لكن في الحرب الأوكرانية، روسيا لم تشن حتى الان هجوما باسلحة الدمار الشامل، الا ان خطر نشر تكتيكي واسع النطاق للاسلحة النووية قد ازداد منذ شباط/فبراير 2022، بحسب التقرير الأمريكي.
ونوه التقرير، إلى أن "العراق استخدم الاسلحة الكيميائية بشكل اساسي فقط عندما نجحت ايران في عكس الموجة، وشنت هجماتها داخل الاراضي العراقية، ولم يلجا صدام حسين الى اسلحة الدمار الشامل، إلا عندما تم تجاوز الخطوط الحمراء وكان هناك تهديد وجودي محتمل للدولة، وهو ما يجب ان يثير المخاوف بشان الخطوط الحمراء بالنسبة الى بوتين".
ورأى أن "احتمال ضم اوكرانيا الى روسيا ضئيل، إلا أن محاولة استعادة شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا منذ العام 2014، يمكن ان ينظر اليها الكرملين على انها محاولة للسيطرة على الاراضي الروسية، وستكون عواقب ذلك وخيمة".
وخلص التقرير الأمريكي، إلى أن "مثل هذه المقارنات يمكن ان تكون مفيدة احيانا من اجل تشكيل السياسة عندما تتم هذه المقارنات بشكل ذكي".
واختتم الموقع الأمريكي، تقريره بالقول إن "هذه الافكار يمكن ان تساعد صناع السياسة على تحديد كيفية الاستمرار في الاستجابة للأزمة، وتساعدهم على تجنب الاخطاء المكلفة، إذ أن التاريخ لديه الكثير لكي يعلمه، فقط إذا طُرحت أسئلة صحيحة".