رائحة الوقت الفَيْلِيّة
4-آذار-2023
صباح الأنباري
) رائحة الوقت (عنونة تجبرك على التوقف عندها، وتأمّل مدى التغير الناجز في الحواس التقليدية، ونوع العلاقة بين حاسة الشم والإحساس بالوقت. ويبدو لي أنْ لا علاقة بينهما إذا أخذنا مبدأ التخصص بنظر الاعتبار، فالشمّ حاسة تشتغل على الروائح حسب، والإدراك المادي نظراً لوجودها هكذا مثل الحواس الأخرى كالبصر، والسمع، واللمس، والتذوق.
أما الوقت والزمن فالإحساس بهما مسألة فسيولوجية تعنى بكيفية تقديرنا للزمن وهي تختلف في اشتغالها -بشكل واضح- عن الحواس الخمس الطبيعية التي تعتمد المحسوسات المباشرة بينما تعتمد هي على معالجة المخ الذي وحده من يقرر ذلك الشعور الدقيق بالزمن سواء أكان قصيراً أم طويلاً وهو شعور يختلف حسب التركيبة الدماغية لكل شخص. أسوق هذه المقدمة لأصل بكم الى العنونة التي قلبت موازين الحواس وغيرت مساراتها فصار الشم قادرا على الإحساس بالوقت كما حدث في العنونة التي اعتمدها الأديب هاشم مطر في روايته الصادرة عن دار العالي ببغداد مطلع العام الحالي (2023) فما حقيقة هذه العملية المركبة؟ أقول مركبة نظرا لتداخل ما بعد الإحساس بالحاسة الحاسمة... كيف؟ لنقرا السطر الأول من الرواية حيث يقول الكاتب:
(تسربت رائحة الوقت الى أنفها في تلك اللحظة وهي تقاوم روحا مجبرة إياها على الرضوخ لرغبته)
بالمعنى الدرامي ثمة قوتان: الأولى راضخة أو يجب أن تكون هكذا، والأخرى مستحوذة ومتجبرة متسلطة ومحاولة إخضاع الأولى بأي شكل من الأشكال. الأولى تقاوم الثانية وان شعرت بضرورة الرضوخ التشريعي لها. إذن ثمة فرق، وشعور بالمرارة، وسؤال محير ومستفز هل تسلم نفسها له، والوقت يمر، وهي وحدها من يشم رائحته عن طريق كم المشاعر المختلطة والمتناقضة والتي راحت تحفر في نفسها جروحاً وقروحاً عميقة قد لا تشفى منها على المدى البعيد وهي في كل لحظة تترقب فعلاً رهيباً وما سيتركه ذلك الفعل في نفسها من المرارات القاتلة. هذه المشاعر الاستباقية إذن هي من ضمخت الوقت بعطرها وجعلت من لحظاته إبراً تنغرز بمرور الوقت في جسدها الآيل للرضوخ. هذه المشاعر نفذت في جسد الوقت، ومنحته رائحة، ورؤية، ومذاقا حسياً مركباً منصهراً في الحواس والمدارك الدماغية المعقدة. وهكذا يبدو هاشم مطر قد درس العنونة من خلال هذه الأمور ليقرر في النهاية الرسو على شاطئها بسلام مبين. وربما ساهمت صورة غلاف الرواية في هذا من خلال وجهها الذي تم التركيز فيه على الفم والأنف والى حد ما على العينين وتداخل هذه الحواس مع الوقت مرموزا له بأرقام الساعة وتماهي الكلّ مع الظلام المهيمن على خلفية الغلاف السوداء.
حاسة الزمن إذن هي من تداخلت مع حاسة الشم، وبتداخل الاثنتين واندماجهما المركب خلق حاسة جديدة سابعة بعد حاسة الوقت. والمؤلف يلعب عليها بما اتسمت من روائح خاصة ونكهة غريبة وفريدة. ولنتأمل مقولته الآتية وهو يتحدث عن (صاحب البلاد):
(صار يشتاق الى أزمان أخرى يخطف منها اسم من سبي اليهود قبل نحو أكثر من ستة آلاف من الأعوام)
وفي فقرة أخرى تراه ينتقل زمانيا الى المستقبل الذي تميز برائحة مختلفة هي الأخرى إذ يقول:
(بحكمة طافت بسببها رائحة وقت جديد هو الوقت الذي كانت سهيلة تنتظر فيه فارس أحلامها في الخيال)
وهكذا يعزف الكاتب على وتر الزمان ألحانه المكانية المختلفة.
في الفقرة الثانية من الصفحة الأولى ثمة إشارة الى المكان الذي وجدت الشخصية نفسها فيه:
(في البلد الغريب كانت مريم مأخوذة الى عالم يتسرب الى داخلها بذكريات مهشمة غير قادرة على لملمة قطعها وهي تعيد تركيبها لتصبح بالكاد صورة مشوشة بخيالها)
في ذلك المكان تسرّبت إليها رائحة الوقت أولاً والذكريات المهشمة ثانياً والتي حاولت مريم لملمتها وإعادة تركيبها، ومع ذلك ظلّت على حالها (مشوشة بخيالها) وقد طرح لنا الكاتبُ شخصيتَها كأضحيةٍ لزواج لم ترغب به لو لا ظرفها القاهر، ومالك الأضحية رجل قادم من البعيد من الدول الإسكندنافية جاء ليعلن انتصاره عليها رافعاً راية عذريتها كرمز من رموز التملّك واحتلال الجسد. هكذا وجدت نفسها مسترجعة صورة صديقتها (أحلام) وحديثها عن الحب الأول وأثره السحري عليها بتفجير أنوثة كانت في سبات طويل. أزاح عنها الغطاء أراد أن يثبت لنفسه حقيقة امتلاكه لها فانقض عليها مثل حيوان مفترس، افترسها للمرة الثانية، وتركها مهشمة تئن تحت وجع ذكرى صديقتها أحلام ونفحات الحب التي خدشتها القسوة.
في البلد الغريب جلست مريم خلف نافذة الفندق تراقب بصمت مجريات الحركة النشطة في خارجها بينما ظلّ ما في داخلها مستسلماً للجمود ومجترحاً عالما آخر تؤسسه ذكريات الوطن الأم من المدرسة وزميلات الدراسة ومن وجع التهجير القسري تحت دعوى انهم من الأعاجم. في لحظات خاطفة استرجعت ما قيمته عمراً كاملاً انقضى بوداعة ومرح، وانتهى بمرارة ووجع. ظلّت تحت قسوة ظرفها الجديد منتمية للماضي وللذكريات، ولأطلال درستها فاجعة اختفاء القبلة الأولى على خدها الأسيل من حبيب المستقبل المنشود بما تركت من أثر لا يمكن أن يزول مهما حدث من المآسي وويلات الزمن الغادر.
من البلد الغريب راسلت زوجها الذي لا تعرف عنه إلا القليل والذي افترضت أن يرسل لها متطلبات السفر من مال وأوراق رسمية.. إلخ، وهو ما وعدها به من قبل، ولم يهتم به كما ينبغي له كزوج كان بارداً في مكالمته الهاتفية معها كبرودة الدول الإسكندنافية وثلوجها. ولم يبد عليه الاهتمام بقدومها أو إظهار أدنى حماس لاستقبالها. وكان ما يقلقها هو نفاد ما عندها من المال وهي نزيلة فندق يستنزف يوميا ما قرر من دفوعات الإقامة.
ومن مريم ينتقل الكاتب الى كامل (زوج مريم) ويبين تردده وقلقه عن طريق المقارنة بين امرأتين: الشرقية المطيعة، القنوع، والخصبة التي تنجب الكثير من الأولاد، والغربية المتحررة، اللبقة، الذكية التي لا تفوتها شاردة ولا واردة. ومع علمه ويقينه أنها يمكن أن تخونه أو تهجره متى شاءت إلا أنها لا تزال المفضلة لديه. وان مريم بالنسبة له لا تزيد على كونها (ورطة) وعليه تقبلها كواقع فُرِضَ عليه من أهله في وطنه الأم. الكاتب يقدم لنا تحليلاً دقيقاً لشخصية الشرقي الذي تتقاسمه أعراض مرض الـ (Schizophrenia) وعدم قدرته على التوازن والموائمة وضبط الافكار. تتلبسُ الشهوةُ كيانَه الهش، وتسحق روحه النزوات العابرة والثابتة على حد سواء، يوافق على الزواج من مريم نزولاً عند رغبة الأهل، ويتوق الى الاحتفاظ بعشيقته الأجنبية وحملها لوليد سيأتي في قادم الأيام. واستمرار علاقته بالأخريات لإرضاء نزواته الملحة. عقدة الجنس تلاعبت به منذ وطأت قدماه أول عتبة من عتبات الغرب. ليعلن أول انتصار له على ما ادخر جسده من ويلات الكبت والحرمان والاحتباس الجنسي، وهو يمتلك مسبقا فكرة التحرر من قيد الجنس في الغرب الذي تحرر منها منذ عقود من الزمن.
منذ عامين تعرف كامل على سلوى فتاة شرقية سلكت طريقها الى التحرر من قيودها الشرقية، التقى بعضهما بعضا، ودار بينهما حديث، كانت سلوى بخبرتها الجديدة تعرف كما يعرف هو ما يريده كل منهما فاختصرا الطريق الى الفراش، وفي الجهة الأخرى التقت مريم وليدا وتحاورا في شأن يكاد يكون عاماً واحتفظت لنفسها بمسافة كافية بينها وبينه ومن خلال هذا اللقاء يبين لنا الكاتب الفروقات السلوكية بين مريم المتأكدة من ثبات سلوكها ومبدئها الخلقي وبين كامل ذي السلوك المرضي المتغير المضطرب. ولإعطاء صورة واضحة عن الخلفية التي يتحرك أمامها شخوص الرواية فان الكاتب يقدم لنا شخصية الأستاذ الجامعي (أمير مسلم) وما مرّ به من المعاناة والألم جراء التعامل الاستفزازي القاسي من قبل رجال الأمن وإذلاله على أيديهم بسبب مقالة كان قد كتبها عن حقوق الإنسان وفيها استثناء لبلاده من بين الدول التي أشار إليها، أو تحدث عن انتهاكها لحقوق البشر. رجل الأمن ترك كل شيء في المقالة وتمسّك بهذا الاستثناء مستنتجاً خيانة أستاذ أمير لبلده. هذه الصورة نجحت في إعطائنا توضيحاً مبيناً على ما جري ويجري في تلك البلاد بالضبط. من هنا يبدو أن هاشم مطر نجح لحد هذه اللحظة في تركيب سيناريو الرواية الذي حفظ تسلسل أحداثها، وتوقيتات أفعالها، وجمال إدارتها. وارتباط الشخوص بينياً بخيط درامي لا يسمح بابتعادها عن جوهر فكرة الرواية. وكان للاسترجاع المكرر للشخوص (فلاش باك) أثراً مميزاً في بلورة أحداث الرواية، واستذكار الأفعال التدميرية التي أثرت بشكل أو بآخر على سيرها ومسارها ونأتي بمثال على ذلك موت شخصية (جميلة) وتحرر أحد العسكريين من قيود الأوامر العسكرية أثناء عملية التهجير ووقوفه الى جانب المهجرين وتهديده لآمر الحظيرة بإطلاق النار عليه إنْ لم يرم سلاحه مع بقية أفراد الحظيرة. وفي النهاية يُقْتَلُ هذا العسكري برصاص الجند المكلفين بمهمة قتله إن لم يسلم نفسه لهم. وخلال هذا الاسترجاع العام يبرز لنا استرجاع خاص أذ يتذكر العسكري وهو خريج جامعي سابق حادثة لقائه بحبيبته الجامعية أيضا في المقبرة الملكية وكيف ألقت الشرطة القبض عليهما وتوقيفهما ومن ثم تعذيبه واتهامه بالانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي باعتباره حزبا معاديا لسلطتهم. ودعونا نتوقف عند موت جميلة المرأة الثاكل التي شكلت بداية المصير المجهول للمهجرين. يقول الكاتب واصفا ذلك المصير:
(تشكل المصير بأول فصوله البليدة، بأحجار سوره الفاصل بين حياتين: الأولى من ذكريات بعيدة مرتبكة والثانية ولادة لزمن كسيح كئيب مر، وجاذبية تجرّهم نحو مجهول، حتى تمنوا أن تأخذهم الأرض الى جوفها فهي أرحم من قدرهم هذا الذي يعيشون. لا شيء على سطح الأرض سوى شعاع شمس آفلة نحو غروبها، تخلف نسيجاً عنكبوتياً ذاوٍ ينكفئ بإهمال على وجوههم.)
ويظل السؤال مرافقا للقارئ وهو يتقدم على صفحات الرواية ما مصير من لم يمت حتى هذه اللحظة، ولبيان ذلك يقودنا كاتب الرواية مع المهجّرين حتى نشعر أننا الجزء الخفي منهم الجزء الذي لم تتمكن منه التضاريس الجبلية الوعرة، ولا ألغام الحرب المزروعة على الطرق بهندسة لا يمكننا التعرف عليها، وحل الغاز مساراتها العجيبة. ونجح في جعل أنفاسنا تشهق معهم، أو تزهق مع من يموت ساقطاً من على قمة الجبل الى الوادي السحيق، أو مشظياً ومتناثراً فوق لغم هائل الانفجار.
ولا بد لي أن أشير الى أحداث الممرات الجبلية وما حدث للمهجرين أثناء عبورهم المخيف لها تحت رحمة العواصف الثلجية وانزلاق الجليد عن الممرات الضيقة المخيفة، أشير الى أن الكاتب كان بارعاً في وصف تحركهم الحذر المشوب بالمخاطرة المهلكة، والمغامرة الرهيبة بأرواحهم وكل ما يدل على أن الكاتب له دراية مفيدة بصناعة السينما فمشهد العبور لا يحتاج الى كبير جهد ليتحول الى سيناريو سينمائي مقبول فنيا إن لم أقل ناجحاً ومبهراً في السينما الواقعية. ومع مخاوف عبور الممرات الجبلية الضيقة لم يستبعد الكاتب استرجاع بعض الشخوص لمسيرتهم في الحياة وحكاياتهم الأـكثر التصاقا وتشبثا بذاكراتهم الجافة. ليطري بذلك الاسترجاع مادة الرواية من جهة وليطلع القارئ على كم المعلومات التي يحتاجها للتعرف على حقيقة تلك الشخصيات وجوهرها. ومن ذلك الاسترجاع ما ذكره عن العقيد طارق وهو ضابط أمني كان يلاحق الشخصيات التقدمية وينتزع منها الاعترافات بأساليب شتى، وبهذا يلقي الكاتب ضوءاً ساطعاً على الطبيعة الإجرامية لهذه القوة الغاشمة. ولا تفوته الإشارة الى اختيار الهجرة الذاتية كطريق لخلاص الشخوص من ظلم السلطة وإرهابها المدروس. والى استغلالها بعض الشخصيات لأغراض دنيئة كما حدث مع شخصية (سمية) التي أراد نائب الوزير النيل متعمداً من عفتها ظناً منه انه القادر على مساومتها ببعض ما وهبه لها من الاهتمام. الكاتب لم يترك سمية عائمة على سطح الرواية، بل جعل منها شخصية رئيسة ومهمة فمنحها حجما كبيراً من مساحة الرواية وكأني به أراد كتابة رواية أخرى عن شخصية أخرى وان التصقت أفعالها بأحداث الرواية الأم، وربما هذا ما فسّر لنا ضخامة الرواية التي قاربت من 500 صفحة ذكرتنا بكلاسيكيات الرواية العالمية مثل الأخوة كرامازوف، والجريمة والعقاب، والحرب والسلام، والبحث عن الزمن المفقود.. إلخ. ومع انه جعلها بسفرين إلا أنها ظلت طويلة ومتحدية لروايات الحداثة وما بعدها ولو لا عنصر التشويق الذي أجاده هاشم مطر أيما إجادة لأصابنا الملل ولقمنا باختصار القراءة واقتصارها على عدد من الأحداث التي نظن أنها مهمة أكثر من غيرها وفي هذا مجازفة أكيدة لضياع ما يراه الكاتب مهماً أكثر منا.
ومع انه تناول العديد من الشخصيات ورواياتهم إلا أنه جمع تلك الروايات برواية واحدة بينها تناسق كولاجي فني واضح وأعطى مساحة لهم تكاد تكون متساوية للجميع وحتى الشخصية الرئيسة (مريم) وهي شخصية الرواية الرئيسة لم تحظ إلا بفارق صغير وحتى أن روايتها منحت الآخرين من مساحتها ما يدعم حجمهم ومكانتهم لارتباطها بهم بعدة روابط مختلفة. ثم يعود الكاتب الى رائحة الوقت ثانية وهو يقول:
(بعد قليل تسربت رائحة الوقت إليها مرة أخرى، ظهرت فجأة لعبة الأحجية التي لازمتها طوال رحلتها)
فتسترجع ما فاتها في المرة الأولى مع فارق أن الاسترجاع الأول كان يخصّها بشكل شخصي بحت كما مر بنا من أمر (كامل) الزوج الذي يريد امتلاك جسدها على الفور، والثاني يخص الآخرين ومعاناتهم وما بلغته من القهر والحيف. ووجدت أن التأكيد على رائحة الوقت له دلالة أراد الكاتب تأكيد أثرها على بطلة روايته التي جعلنا نتابع حياتها في مسيرة قد تكون منسابة أو متعرجة أو آخذة شكلها من طبيعة ما مر بها من أحداث جسيمة، واعتمد على تفاصيل مجريات الحياة اليومية وهذا وحده كاف ليدل على أمرين: الأول هو قدرة الكاتب على التقاط المهم في تلك المجريات، والثاني هو توسيع رقعة الرواية لتشتمل على أحداث كثيرة كان يمكن تجاوز بعضها من أجل التكثيف والإيجاز، وما يميز تلك الروايات أنها تتشابه من حيث المصير المشترك الذي تتقاسم آلامه ومعاناته ونتائجه بطلات تلك الحوادث المكررة بقصد أو بدون قصد أقول هذا نظرا للتشابه بينهن جميعا فكل واحدة منهن تمثل انعكاسا سلبيا لشخصية مريم (بطلة الرواية) من حيث المصير النهائي ويمكن إجمال تلك الحالات بالنقاط الآتية:
1. مريم (بطلة الرواية) فقدت حبيبها (علي) الى الأبد بعد تهجيرها القسري من وطنها الأم.
2. سمية عزام فقدت حبيبها عدنان.
3. ندى انفصلت عن زوجها بالطلاق.
4. سمر فقدت حبيبها سامر
5. أحلام فقدت حبيبها ضافر.
6. نور فقدت زوجها والتقت بحبيبها وليد.
7. نرجس ظل مصيرها مجهولا مع حبيبها كمال
8. شيرين حبيبها... ضابط الأمن من الحرس الوطني الإيراني (الباسدار) قضى منها وطرا ثم غاب أو اختفى من حياتها كلياً. هذا فضلاً عن (كيتا) التي فقدت عشيقها كامل بعد أن عرفت حقيقته التي حاول إخفاءها ليظهر بمظهر أجمل مما هو في واقع الحال بادعائه القيام بما لم يقم به على الإطلاق.
الخيبات إذن امتدت مع امتداد المكان وتنوعه، وهذا ما جعلها انعكاساً لحالات الشخوص المتباينة بين المشرق والمغرب وبوجه خاص أولئك الذين هاجروا أو هُجّروا وهم من خلفيات ثقافية مختلفة، ومتدنية في بعض الأحوال، وربما بسبب هذا جعل الكاتب بعضهم على حالة من التذبذب وعدم الاستقرار وضحالة الشعور بالمسؤولية، ولنا في شخصية (كامل) أنموذجا سلبيا للشرقي الذي لا يهمه من الدنيا سوى الحصول على ملذاتها فقد عشق (كيتا) وهو على ذمة (مريم) زوجته وخلّف منها بنتا وأهملها بنذالة وغدر. ورفض أن يطلّق (مريم) ليس لحبه لها أو تعلقه بها، إنما لقذارة في ذاته المضطربة. ومع وجود كامل في الرواية إلا أنها لم تخلُ من شخوص منضبطين وملتزمين ولهم ما ليس لغيرهم من الصفاة الإنسانية الراقية.
ثمة ملاحظة صغيرة في نهاية المطاف هي أن الرواية بدأت مع (مريم) وانتهت معها وظلّ مصير الكرد الفيلية الذين عبروا الممرات الجبلية المميتة كمهجرين من الوطن (من العراق الذي ولدوا فيه الى إيران التي تمتد جذورهم فيها) معلقا وكأن الكاتب اكتفى بمشهد عبورهم بلقطاته السينمائية المثيرة والمدهشة مع بيان حجم المعاناة التي ذاقوا مرّها أثناء الرحلة وبعدها حتى وصول بعضهم الى البلد الأجنبي الغريب (الدنمارك).
وعود على بدء نلاحظ أن الرواية بدأت مع رائحة الوقت وانتهت معها أيضا وكان لها في كلّ مرحلة اختلافاً بحسب طبيعتها، وتأثيرها، وفحوى أحداثها، ومرارتها. ومثلما تسللت رائحة الوقت لمريم في بداية الرواية فإنها تسللت إليها في نهايتها ليربط الكاتب نهايتها ببدايتها حيث يقول في جملة الرواية الأخيرة:
(لحظات تسللت إليها رائحة الوقت، وتركت قطع الأحجية تنزلق من بين أصابعها. استدارت ببطء نحو الشباك، ورتّلت لفيروز: يا سنين اللي رحتي ارجعيلي............
....................................................... وبكت).