بغداد ـ العالم
"ولد في غزة" فيلم وثائقي ملتزم بالجوانب الاجتماعية والإنسانية بطريقة حميمة. إنه يظهرها بشكل صارخ، دون تعقيدات، موثقة من قبل الأبطال. الأبطال هنا ليسوا أولئك الذين يحملون أسلحة الإبادة، بل أولئك الذين يعانون من العواقب. وكما يحدث دائمًا، فإن أولئك الذين يشنون الحرب هم بالتأكيد في مكان آمن، ويكسبون المال من مبيعات الأسلحة وربما أي شيء آخر. إنها دعوة للتأمل واتخاذ موقف ملموس. الواقع القاسي الذي يزعجك، يُنظر إليه من منظور الطفل ويرتبط به، والذي يعيش منذ ولادته في عالم ملغوم بالمجاعة والحاجة والتهديد بسبب الحصار البري والجوي والبحري، مثلما يعلق باسى احد الاطفال"هذه مو عيشة"، وكذلك بالقصف الوحشي الذي يستهدف الاحياء السكنية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس بلا سبب، بلا أفق، حيث الهشاشة التي تهرب منك الحياة هي واقع كل يوم ولا مفر منه.
لم يتعمد الكاتب والمخرج زين اي مخطط مسبق او سيناريو ملفق او اشراك اي ممثلة او ممثل، بل استند الى الحقائق والاحداث بكل مصداقيتها وترك الاطفال الضحايا يدلون بافاداتهم كما هي بلا تزويق او تهويل، يقولون ما عاشوه وما يعانوه حاليا.
يقول حمادة، 13 عاما، "كنا ثمانية أطفال على الشاطئ. جئنا للعب كرة القدم، ثم بدأ القصف. قُتل أربعة منا، تتراوح أعمارهم بين التاسعة والحادية عشرة. وأصيب معتصم، 11 عاماً، وأنا. يؤكد معتصم: "قد أحتاج إلى السفر إلى الخارج لإجراء عملية جراحية..لدي شظايا في ظهري ويدي ورجلي". لكن الأسوأ من الإصابات الجسدية هي تلك النفسية. يستطرد، معتصم، قائلا: "أقول لأمي كل يوم أنني أريد أن أموت". .منذ بضعة أيام، حاولت القفز من الشباك اردت الانتحار، لكن أختي أمسكت بي."
من بين الأطفال الآخرين الذين أصيبوا أثناء الحصار بيسان، طفلة جميلة وذكية تبلغ من العمر ست سنوات. تم قصف منزلها، مما أسفر عن مقتل والديها وتركها محروقة بشدة. وهي الآن بحاجة للسفر إلى الخارج لإجراء عملية جراحية لعينيها وحاجبها الايسر اذ يصعب عليها غلق جفنها، كما تعاني بيسان من اضطراب ما بعد الصدمة، وتجد صعوبة متزايدة في التواصل مع الآخرين. تقول إحدى صديقاتها: "إنها لا تتحدث إلينا عما حدث". "إذا سألها أحد، تغضب". ويكافح عدي، تسعة أعوام، ورجاف، 13 عامًا، أيضًا للتعامل مع وفاة أقاربهما. رأى عدي شقيقه الأكبر، 22 سنة، وقد تمزق بفعل قنبلة، يقول: " كان اقرب الناس لي والان فقدته كانت أكبر قطعة متبقية منه بهذا الحجم"، قال وهو يشير بيديه.ولم يفهم رجاف سبب قتل والده سائق سيارة الاسعاف الذي يناضل من اجل الوصول الى الجرحى وتقلهم الى المستشفى لانقاذهم من الموت. كان والد رجاف أحد سائقي سيارات الإسعاف الستة من اصل13 مسعفًا قتلوا أثناء إنقاذ الناس خلال الهجوم.يقول: "لم نعتقد قط أنه سيتعرض للقصف في سيارة الإسعاف"، ويتسائل :" هل سمعتم او عرفتم ان سيارات الاسعاف تستهدف في اي حرب في العالم؟..كان قريبا مني وتربطنا علاقة هي اكثر من علاقة اب بابنه".
"الوضع معقد حقًا.. لدينا حرب كل عامين"، يقول محمد، 13 عامًا. مستطردا:"كثيرًا ما أفكر في وضعنا ولا أرى النهاية أبدًا". ولا يجد محمد، الذي ترك مدرسته لاعالة اسرته عن طريق جمع العلب والقناني البلاستيكية من مكبات القمامة ليبيعها ويقبض 5 شيكل يوميا، وهو مبلغ بسيط للغاية لكنه يعين عائلته على مقاومة الجوع، اي أمل في تحسين واقعه او وضع عائلته، فهو يتمنى ان يعمل مع صيادي الاسماك، لكن هؤلاء غالبا ما يتعرضون للقصف من قبل البارجات الاسرائيلية، ولا تسمح للغزاويين سوى الصيد في مسافة 9 كيلومترات عن ساحل غزة، وهذه المنطقة البحرية لا تتوفر فيها الاسماك".