رشيد الضعيف: نعم لنقد الأيديولوجيا السائدة يمينا ويسارا
30-تشرين الثاني-2022
أنطوان أبو زيد
أصدر الروائي رشيد الضعيف رواية جديدة بعنوان "الوجه الآخر للظل" (دار الساقي)، بعد أكثر من عشرين رواية، وثلاث مجموعات شعرية، ومجموعة قصصية واحدة. والضعيف من أبرز الأسماء في الحركة الروائية اللبنانية والعربية، ترجمت أعمال عدة له إلى الفرنسية والإنجليزية وسواهما، وقدمت عن رواياته أطروحات أكاديمية، بالعربية والفرنسية. وفي مناسبة صدور الرواية الجديدة، هنا حوار معه عن تجربته عموماً ومعظم أعماله، وعن أهم شواغله الفكرية وموضوعاته، وخصائص أسلوبه، بالإضافة إلى آرائه في ما خص الرواية الأخيرة ونوعها الأدبي، وتناصها مع غيرها من الأعمال السردية في التراث العربي والأجنبي.
أسأل رشيد الضعيف عن كونه بدأ شاعراً، وأصدر ثلاث مجموعات شعرية هي "حين حل السيف على الصيف"، و"لا شيء يفوق الوصف"، و"أي ثلج يهبط بسلام"، ثم سرعان ما انتقل إلى كتابة الرواية، فيجيب: "كان ثمة ترحيب كبير بكتابتي الشعرية، حين صدور المجموعات الشعرية هذه، ولكن لا يسع المرء أن يعصى نداءه الداخلي إلى ما هو أكثر إلحاحاً وأقرب إلى التجسد في كتابة، أعني الكتابة الروائية". بدأ الضعيف مساره السردي برواية "المستبد". فهل من تفسير لهذه البداية؟ وهل كان الهاجس الجنسي محركاً للراوي، الشخصية الرئيسية في الرواية؟ يجيب: "في الواقع كنت قد أنهيت الجزء الأكبر من الرواية عام 1981، واضطررت إلى ترك المخطوطة في البيت بعد احتدام المعارك في العاصمة، وغارات الطائرات الإسرائيلية على بيروت، ومن ثم اجتياح أول عاصمة عربية، ناجياً بنفسي. ولما عدت إلى المنزل، عام 1982، نفضت الغبار عن المخطوطة واستكملت الرواية، إذ أدخلت إليها هذا المشهد المتخيل – أي الفعل الجنسي التلقائي بين الراوي الأستاذ الجامعي، وبين الطالبة الجامعية في غرفة الناطور تحت وابل قصف الطيران، ومن ثم اختفاء الطالبة. وأنا كنتُ ولا أزال على يقين من أن الهاجس الجنسي لم يكن أبداً هو المستهدف، بقدر ما كان مجرد رد فعل نوعياً للنجاة من الموت المحدق بالشخصين جراء الحرب المحتدمة فوقهما، وانتصاراً للحياة فيهما". المدينة المتهالكة: في رواية "تقنيات البؤس" اقترب الضعيف أكثر من واقع المدينة المتهالك، ومن وصف تهشم بنيانها وتقزم الفرد فيها. فما رأيه؟ يجيب: "قال لي الصحافي الراحل جوزيف سماحة، لما قرأ الرواية أنني "اختزلتَ الإنسان فيها، فجعلته متراً واحداً، بل لا يتعدى المتر، على سوية المرحاض: شرب، وأكل، ووسخ. أي يقضي حاجاته الأساسية فقط. هذا ما قاله جوزف". أقول له: ربما مثل حالنا اليوم! يقول: "طبعاً. كنا نحفظ الماء، لا نهدره حتى لو كان وسخاً بعد الغسل، لأغراض أخرى. هذا ولم أحدثك عن معاناة التنقل من بيروت، حيث سكني، إلى زغرتا وإهدن، إذ كنتُ اضطر للسفر إلى قبرص من أجل بلوغ شاطئ طرابلس للعودة إلى بلدتي إهدن. الرواية، إذاً، كتبت في هذه الأجواء الضاغطة، بل أكثر. ولكن ما بدا غاية في الأهمية، بالنسبة لي، وما تكشفه الدراسات لاحقاً، أن اللغة التي كتبت بها الرواية كانت شديدة الدقة، إذ لم أستعملْ فيها أفعالاً مجردة، أو يستحيل رؤية حركتها، من مثل (فكر، تذكر، أحس...)، وبالمقابل استخدمتُ أفعالاً تدل على سلوك. وصنعتُ مشاهد يدل كل منها على سلوك. وكنتُ لطالما دعوتُ طلابي وطالباتي إلى الحديث عن الخائن، والمحب، وليس عن الخيانة، والحب، وغيرهما. وأنتَ، كيف لك أن تفهم مخططات العدو إن لم ترصدْ أفعاله! إذاً، السلوك ينبغي أن يتجسد في أفعال. وفي ما خص هذا الأسلوب الذي اعتمدتُه في "تقنيات البؤس" قول للناقد المصري صبري حافظ، في أن لغة الرواية هذه يمكن أن تكون تأسيساً لرواية عربية جديدة". في رواية "ناحية البراءة" تمثيل رمزي أو تجسيد رمزي مرعب لتدخل الميليشيات اللبنانية أو الأحزاب المسيطرة على المدينة في حياة البشر، واتهامهم بسوء الظن من خلال حادثة تمزيق صورة الزعيم. المناخ يبدو كافكاوياً بل أعنف منه، فما رأيك؟ يوضح الضعيف هذا الأمر: "ليس اتهاماً بسوء الظن فحسب، بل بالعداء أيضاً! أنت محق ثمانين في المئة. وهذا رأي قال به أحد النقاد التونسيين، منذ زمن في أن لهذه الرواية طابعاً كافكاوياً. ولكن الفارق هنا أن البطل رافض للواقع. ذلك أن الاتجاه الذي يمثله كافكا مأساوي لا خلاص منه، في حين أن اتجاه الرواية عندي درامي، لأن ثمة كوة خلاص تتمثل في التعبير عن رفضه فيها".
الحرب اللبنانية: أسأله عن رواية "غفلة التراب" التي تحكي عن فترة ظهورات عجائبية، لدى المسيحيين اللبنانيين بعامة، وفي بلدة إهدن بخاصة، بالتزامن مع احتدام المعارك الطاحنة بين أفرقاء لبنانيين (حرب الجبل، حرب التحرير أو الإلغاء، وحروب المخيمات). وتقوم حكاية الرواية على خلطة من السيناريوات والقصص الجانبية، والخوارق، إلى جانب مأساة مقتل اثنين من الشبان الإهدنيين من عائلتين مختلفتين ومتخاصمتين سياسياً، إذ انهالت عليهما الردميات بينما هما يحفران خندقاً لبناء منزل أحدهما، وقد ضمنتَها رؤيتك للحرب الأهلية في لبنان. يتحدث الضعيف عن هذه القضية قائلاً: "يقول ماركس بما معناه "إننا نقاتل بذاكرتنا". أي بما اختزناه في ذاكرتنا الفردية والجماعية. والحال أن الناس لدينا يعودون إلى رموزهم القديمة حالما يُسد الأفق في وجههم. وأقول في موضع ما من كتابي الشعري "حين حل السيف على الصيف" فلتسقط الذاكرة التي تتذكر".
رواية "أهل الظل" الموجزة (76 صفحة) هي محاورة شعرية ووجدانية ورمزية في آن واحد بين رجل وامرأة، ينوي الأول بناء منزل له على الصخر، فيتهيأ للمرأة أن ثمة أفعى في أحد شقوق المكان. هل هي حول أسطورة البيت؟ أم حول المنزل الزوجي؟
يجيب: "في هذه الرواية التي أعدت إحدى الطالبات عنها أطروحة دكتوراه، أجمع فيها كائنات الظل، والأفعى من كائنات الظل. العقرب من كائنات الظل. وهذان الكائنان مؤذيان للإنسان. وأنا إذ جعلت الرجل والمرأة يتحابان، ويحلمان بأن يسكنا في ظل منزل يؤويهما، يصيران كائنين مؤذيين، أحدهما للآخر، حالما يصيران معاً تحت ظل المنزل. وقد بات كل منهما على يقين بأنه كلما تقدمت أعمال بناء المنزل، ازدادت المخاطر في تهدم هذا المنزل".
هل يعني هذا أن الضعيف ضد مؤسسة الزواج التي رمز إليها المنزل؟ يجيب: "لا أقول ذلك. أنا مع علاقة الحب، وأتمنى أن يكون لي امرأة آنس إليها، ولكن هذا ما أعرف به المنزل، أي حقيقته من دون مواربة. ذلك أن غاية الأدب تسمية ما لا اسم له، بحسب رولان بارت. أنا ألقي ضوءاً على الزمن، متجنباً كل ملمح من غنائية".
علاقات شائكة: رواية "أوكي مع السلامة" تحكي عن علاقة الراوي الستيني بامرأة تدعى "هامة"، مطلقة حديثاً من أميركي، وعائدة لتوها من بلادها. ولكنها سرعان ما تنفصل عن الراوي، وبغرابة. أسأله هل يعتبر أن فكرة اللحظة الجنسية عند المرأة هي المحور؟ أم أن الراوي كان أعجز عن تلبية متطلبات المرأة المعنوية؟ يقول: "إنها رواية تتحدث عن إمكانية تحقيق الحلم، وتحقق الإنسان من عجزه عن ذلك. بل قل هي صدمة الفشل في تحقيق هذا الحلم. إنها دراما أو مأساة شأن أي مأساة إنسانية أن يكون المرء عاجزاً عن الحب. وهذا معروف في الأدب، من جلجامش ونبتة الخلود، إلى القائد الروماني العائد منتصراً في الحرب إلى روما، وينتبه فجأة أن قلبه صار خاوياً من الحب... وصولاً إلى تحفة كواباتا في "الفتيات النائمات" وغيرها". في رواية "انسي السيارة" يحضر هاجس تزويج الأب، بعد موت الأم، والعلاقات الجنسية المضطربة بين الرجل المتزوج والفتيات العزباوات، والعشيقات. هل الخشية من البنوة (الحمل) سواء بنوة الأب الأرمل، أم الابن الخائف من المسؤولية المترتبة عنه، تبلغ حد الهستيريا؟ أم هي براعة الأنثى، جميلة كانت أم قبيحة، هي المقصود إبرازها؟ يتحدث الضعيف عن مثل هذا الهاجس المزدوج قائلاً: "كتبتُ هذه الرواية وأنا متخفف من كل خلفية فكرية أو أيديولوجية. على كل، لا تخلو رواية مما كتبتُ من لطشة ضد الأيديولوجيا السائدة، يميناً ويساراً. والخفة المقصودة هي الحرية من كل قيد فكري مسبق.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech