د. أسعد كاظم شبيب
رغم تحديات الداخل وصراعات الخارج لكن ما تريده حكومة السيد السوداني من واشنطن قد تحقق، بمعنى ان حكومة السوداني كانت حريصة على استمرار الدعم الأمريكي، وهذا قد لا يبدو موضوعاً جديداً اذ استمرت السفيرة الامريكية في بغداد الينا رومانوسكي طوال الأشهر الماضية بإيصال رسائل سياسية...
بعد أشهر من التحضير لها، زار رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني عاصمة الولايات المتحدة الامريكية واشنطن في الثالث عشر من نيسان/ابريل 2024، وتضمن برنامج الزيارة عدة لقاءات منها لقاء مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض، رافقت زيارة السوداني مع نزول طائرته في احد مطارات ولاية واشنطن العاصمة رد إيراني مكثف بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة باتجاه الكيان الإسرائيلي كرد فعل على استهدافه للقنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وما تلاه من رد إسرائيلي على بعض المواقع المهمة داخل ايران وخارجها، وقد عد هذا الهجوم والهجوم المضاد رد فعل مدروس ومحسوب حتى لا تخرج قواعد الاشتباك باتجاهات خطيرة وقد يكون لها تداعيات كبيرة على المنطقة، وهذا ما ادركه الطرفان الإيراني والإسرائيلي في الاكتفاء بردود فعل عسكرية محدودة ومعلومة للطرفين مع انها مثلت حالة خطيرة وغير مسبوقة في تاريخ الصراع والاشتباك بين الجانبين وربما لعب الجانب الأمريكي دورا مباشرة في ضبط إيقاع قواعد الاشتباك بينهما.
عموماً أتت زيارة السيد السوداني الى واشنطن بعد ان شهدت الساحة السياسية العراقية الداخلية أيضا سجالات كبيرة حول شرعية وطبيعة الوجود الأمريكي في العراق خاصة مع استمرار العمليات الخاصة التي تستهدف مواقع وشخصيات تابعة الى الفصائل المسلحة المنضوية تحت هيئة الحشد الشعبي والقريبة من ايران، من هنا كانت هناك اكثر من علامة استفهام حول ما الذي حققته زيارة السوداني الى واشنطن ومستقبل العلاقة بين واشنطن وبغداد وطبيعة الوجود الأمريكي في العراق؟
اذ من المعلوم ان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء اعلن في بيان له، أن السوداني أكد فيه أن هذه الزيارة تأتي في ظرف دقيق وحساس على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة، وعلى مستوى التطورات التي تشهدها المنطقة وما يحصل في الأراضي الفلسطينية تجاه المدنيين والمخاوف من اتساع نطاق الصراع، وان هدف الزيارة هو الانتقال بالعلاقات مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة، تتضمن تفعيل بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وأكد أن لقاءه بالرئيس الامريكي بايدن يبحث ظروف المنطقة وما تشهده من تصعيد، والدور المشترك في العمل على التهدئة ومنع الصراع من الاتساع بما يؤثر على الاستقرار، كما استعرض اللقاء عمل اللجنة العسكرية العليا بين العراق والتحالف الدولي، للوصول إلى جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف والانتقال إلى علاقات ثنائية مع الدول المشاركة في التحالف.
ومن الدلائل، ان الزيارة لم تكن مقتصرة على بحث ملف محدد مثلما ارادت وسائل الاعلام ان تصور من ان زيارة السوداني هي محاولة لوضع نهاية للوجود الأمريكي في العراق فقد اصطحب السوداني وفداً كبيراً ضم العشرات من الوزراء وكبار الموظفين والمستشارين ورجال الأعمال والمعلقين الإعلاميين وغيرهم، وقد وجهت انتقادات كبيرة للوفد السوداني كونه ضم أعضاء للمجاملة والمحسوبيات ليس الا، عموماً بدأ لقاء القمة بين السوداني والرئيس الأمريكي بايدن ودياً والاهم من ذلك قد تبدو المسألة الأهم المتمثلة بالوجود الأمريكي في العراق، وبدا هذا الموضوع ليس ضمن الأولويات لكل الجانبين.
العنوان الآخر الذي استبق وصول السوداني إلى واشنطن إعلامياً كان فكرة الانسحاب الأمريكي من العراق، إذ يقع رئيس الوزراء العراقي تحت ضغط القوى العراقية القريبة من إيران والتي تريد انسحاباً شاملاً للقوات الأمريكية. لذلك ركزت بعض عناوين التغطيات الإعلامية على فكرة أن السوداني قادم لمناقشة الانسحاب، فالولايات المتحدة لا تستخدم أبداً مصطلح الانسحاب، إذ يشكّل الوجود العسكري الأمريكي ضماناً لواشنطن على استمرار الوضع العسكري الراهن في العراق وسوريا والذي تحقق بعد الحملة على تنظيم الدولة، وتعرض السوداني لوابل من الأسئلة الصحفية عن الانسحاب الأمريكي وتفاصيله وعن كونه أمراً تريده إيران أو القوى العراقية المدعومة من إيران، وكان جوابه دائماً يتمثل في القول إن الانسحاب الأمريكي مطلب عراقي أولاً وليس مطلباً إيرانياً.
وقد حرص الجانبان على تأكيد الدور الاستثماري والدعم المقدم من قبل الولايات المتحدة للحكومة العراقية، وهذا ما كانت تنتظره الحكومة لاسيما في ظل تخوفات وهواجس كثيرة كانت تدور حول موقف الولايات المتحدة من اطراف داعمة لحكومة السوداني وربما ينعكس ذلك عليها مع ان زيارة السوداني جاءت في ظرف مزعج لأجندات الزيارة، اذ حسب التقارير الإعلامية من ان موضوع الهجوم الإيراني على الكيان الاسرائيلي خيم على أجزاء كبيرة من اجندات الزيارة خصوصاً وأن الهجوم مَر عبر الأجواء العراقية التي دخلت منها الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية في طريقها إلى الكيان الاسرائيلي، وقد تلقى رئيس الوزراء العراقي أسئلة كثيرة عن ذلك أجاب عنها موازناً بين ثوابته وبين ما يقتضيه المنهج الدبلوماسي الذي تطورت على أساسه علاقته بأمريكا ليصل إلى زيارتها.
ألقى اللوم على الكيان الاسرائيلي ولم يوجه اللوم أو الإدانة بوضوح لإيران لاختراقها المجال الجوي العراقي أثناء الهجوم وحاول السوداني ان يؤكد أكثر من مرة إن الأراضي العراقية لم تكن منطلَقاً للهجوم، يأتي ذلك في ظل اتهامات وجهت من قبل إدارة بايدن الى جماعات عراقية مسلحة مدعومة من إيران بالمشاركة في الهجوم.
رغم تحديات الداخل وصراعات الخارج لكن ما تريده حكومة السيد السوداني من واشنطن قد تحقق، بمعنى ان حكومة السوداني كانت حريصة على استمرار الدعم الأمريكي، وهذا قد لا يبدو موضوعاً جديداً اذ استمرت السفيرة الامريكية في بغداد الينا رومانوسكي طوال الأشهر الماضية بإيصال رسائل سياسية وحتى امنية، وقد كانت تتلقى استجابة سريعة من قبل القوى المشكلة لحكومة السوداني، وهذا ما ازعج حلفاء هذه القوى التي ارادت ان تضمن استمرار حكومة السوداني والتعويل على نجاحه ومن ثم تحاول جاهدة إرضاء طهران، من جانبها ادركت إدارة بايدن أهمية وجودها العسكري والسياسي والاقتصادي في العراق في ظل تحديات باتت تحرج النفوذ الأمريكي في العراق ولعل ابرزها النفوذ الإيراني والصيني.