زيلينسكي يعلن الحرب على «الكيريلية» ويقر الإنجليزية لغة ثانية
26-تشرين الأول-2022
العالم - وكالات
على رغم فوز الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على خصمه الرئيس السابق بيتر بوروشينكو، استناداً إلى شعارات يرفض فيها ما انتهجه سلفه من سياسات معادية لروسيا، فقد استهل سنوات حكمه بالعديد من القرارات التي يلاحق بموجبها كل رموز العلاقة مع "جارته السلافية".
فبعد إقرار الكثير من القوانين التي حظر بموجبها التعامل باللغة الروسية، إلى جانب منع إذاعة وبث المسلسلات والأفلام والبرامج التلفزيونية باللغة الروسية، معلناً إعلاء اللغة الأوكرانية التي أصبحت إلزامية بوصفها لغة الدولة، في كل برامج التلفزيون الأوكراني والحفلات الموسيقية والعروض الترفيهية والمعارض والجولات والمسارح والمتاحف، يعود اليوم ليطالب أبناء بلاده التوقيع على "مناشدته" التحول إلى الأبجدية اللاتينية بديلاً للأبجدية الكيريلية.
الكيريلية
ومن المعروف أن الكيريلية (نسبة إلى كيريل البلغاري الأصل أحد مؤسسي اللغة السلافية القديمة مع شقيقه ميفودي)، هي الأبجدية السلافية التي اشتقها الأخوان البلغاريان عن اليونانية القديمة، وتستند إليها اليوم لغات الكثير من بلدان الفضاء السوفياتي السابق ومنها الروسية والبيلاروسية وكل لغات بلدان آسيا الوسطى وعدد من الجمهوريات ذات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية ومنها التترية والشيشانية ولغات كل أقاليم ومقاطعات شمال القوقاز.
واعتبر زيلينسكي ضرورة أن يوقع نحو 25 ألف شخص على أقل تقدير، على "العريضة"، وهي الفكرة التي كان ألكسي دانيلوف أمين مجلس الأمن القومي الأوكراني أول من أفصح عنها العام الماضي على ضوء ما أطلقته الموجة الثالثة من الثورة البرتقالية في عام 2014، من شعارات.
ويذكر المراقبون أن ذلك لم يخرج في مضمونه عما سبق وشنه زيلينسكي وسلفه بيتر بوروشينكو من حملات واسعة النطاق لمحاربة كل ما ترتبط به أوكرانيا من "رموز" تجمعها مع "الشقيقة السابقة" روسيا على مدى ما يزيد على 350 سنة.
وقد جاء ذلك في الوقت الذي صدق فيه زيلينسكي على قانون مماثل يحظر بموجبه توزيع الأفلام الروسية وتداول الأدب والكتب الروسية، وإعلان اللغة الإنجليزية لغة ثانية في البلاد بعد الأوكرانية، يتوجب تدريسها اعتباراً من مدارس ورياض الأطفال، باعتبارها "لغة التواصل الحضاري"، على حد تعبير دانيلوف، أحد أهم أنصار التحول إلى اللاتينية أبجدية للغة الأوكرانية.
وننقل عن دانيلوف تصريحاته حول ضرورة فرض الأوكرانية "لغة إلزامية"، "يجب أن تصبح وسيلة دفاع ضد الهجمات من روسيا".
مغازلة اللغة الروسية
وكان دانيلوف أغرق في اتهاماته لكثير من السياسيين الأوكرانيين والرؤساء السابقين، فيما راح يميط اللثام عما وصفه بـ"حقيقة أنهم يغازلون اللغة الروسية" بلا داع، مؤكداً "ضرورة أن تصبح اللغة الإنجليزية لغة رسمية ضماناً لاستقلال أوكرانيا"، وأن اللغة الروسية "يجب أن تختفي من كل أراضي أوكرانيا بشكل عام".
ومن المعروف أن "المادة 10 من دستور أوكرانيا تنص على أن لغة الدولة هي الأوكرانية". وعلى رغم ما نص عليه الدستور الأوكراني على أن البلاد "تضمن التطوّر الحر للغة الروسية واللغات الأخرى للأقليات القومية واستخدامها وحمايتها"، فقد اعتمد البرلمان الأوكراني في أبريل (نيسان) 2019 قانوناً ينص على "أن قادة البلاد والبرلمانيين والقضاة والمدعين العامين وموظفي البنك الوطني وموظفي العقود وكذلك المعلمين والأطباء في مؤسسات الدولة مطالبون بمعرفة اللغة الأوكرانية واستخدامها في أداء واجباتهم".
وينص القانون أيضاً "على أن جميع مقدمي الخدمات مطالبون بخدمة وتوفير المعلومات حول السلع والخدمات للمستهلكين حصرياً باللغة الأوكرانية".
وتذكر الأدبيات التاريخية أن بولندا كانت أول من رفع لواء الحرب ضد "الكيريلية" وهي التي تنتمي لغتها أيضاً إلى اللغات السلافية مع البيلاروسية والروسية، حيث بادرت آنذاك إلى تبني الأبجدية اللاتينية بديلاً للكيريلية، لتعود وتفرضها على كل الشعوب التي انضوت تحت رايتها إبان سنوات احتلالها لكثير من أراضي شرق أوروبا اعتباراً من القرن السادس عشر، وهو ما أشار إليه السيناتور ألكسي بوشكوف عضو مجلس الاتحاد الروسي.
صراع اللغة
وفي هذا الصدد، نشير إلى أن قضية التحول من الكيريلية إلى اللاتينية لطالما كانت إحدى أهم أسلحة الصراع بين القوميتين الروسية والأوكرانية على رغم أصولهما المشتركة في إطار ما كان يسمى بـ "سياسة الأكرنة"، مثلما حدث في عشرينيات القرن الماضي بعد انضمام أوكرانيا إلى روسيا وبيلاروسيا ليكوّن ثلاثتهم مجموعة مؤسسي الاتحاد السوفياتي في عام 1922.
وإذا كان هناك اليوم، من يدعم التخلي عن الكيريلية والتحول إلى اللاتينية، بوصفها أحد رموز "التحرر الوطني"، فإن هناك من يتخذ موقفاً مغايراً انطلاقاً من الانتماء والتاريخ المشترك مع "الشقيقة الكبرى" روسيا.
وفي هذا الصدد، نشير إلى أن قضية التحول من الكيريلية إلى اللاتينية لطالما كانت إحدى أهم أسلحة الصراع بين القوميتين الروسية والأوكرانية على رغم أصولهما المشتركة في إطار ما كان يسمى بـ "سياسة الأكرنة"، مثلما حدث في عشرينيات القرن الماضي بعد انضمام أوكرانيا إلى روسيا وبيلاروسيا ليكوّن ثلاثتهم مجموعة مؤسسي الاتحاد السوفياتي في عام 1922.
وإذا كان هناك اليوم، من يدعم التخلي عن الكيريلية والتحول إلى اللاتينية، بوصفها أحد رموز "التحرر الوطني"، فإن هناك من يتخذ موقفاً مغايراً انطلاقاً من الانتماء والتاريخ المشترك مع "الشقيقة الكبرى" روسيا.
ومن هؤلاء تاراس كريمين، مفوض حماية لغة الدولة في أوكرانيا الذي نقلت عنه صحيفة "آر بي كا -أوكرانيا" تصريحاته حول "أن رفض الأبجدية الكيريلية يشكل تهديداً للأمن القومي لأوكرانيا".
وأضاف كريمين "أن الأبجدية الكيريلية هي رمز للدولة الأوكرانية، فقد ولدت وازدهرت مع الأوكرانيين"، فيما أشار إلى أن "قضية" قتل الأبجدية الكيريلية "هي خطوة نحو تدمير الأوكرانيين وهذا خيار مناهض لأوكرانيا"، على حد تعبيره. ولم يقتصر الأمر على كريمين، حيث كان من الغريب أيضاً أن ينضم إليه بافيل كليمكين وزير الخارجية الأوكراني السابق الذي قال "إن الانتقال إلى الأبجدية اللاتينية لن يساعد كييف على الابتعاد عن موسكو، ولكنه سيؤكد فقط منطق الرئيس فلاديمير بوتين حول تحويل أوكرانيا إلى "معادية لروسيا". وفي إطار ما صدر عن موسكو من تعليقات رسمية وشبه رسمية، ننقل عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما قاله حول "إن التمييز ضد اللغة الروسية في دولة مجاورة وصل إلى أبعاد كارثية".
ومن اللافت بهذا الصدد أن موجة مماثلة "معادية" للأبجدية الكيريلية كانت ظهرت في روسيا والفضاء السوفياتي السابق إبان تسعينيات القرن الماضي، ضمن الأدوات التي حاولت الدوائر الغربية استخدامها لضرب روسيا من الداخل، في إطار المخطط الذي كان يستهدف تقسيمها وانفراط عقدها على غرار ما سبق وحدث مع الاتحاد السوفياتي السابق.
ويذكر المراقبون محاولة تتارستان في عام 2000 التخلي عن الكيريلية في غضون عشر سنوات، وتبني اللاتينية على غرار ما فعلت تركيا إبان عهد زعيمها مصطفى كمال أتاتورك في نوفمبر (تشرين الثاني) 1928 حين أقر الانتقال من الأبجدية العربية إلى اللاتينية.
وهو موقف سرعان ما تلقفته كازاخستان التي أعلنت عن رغبة مماثلة، إبان سنوات حكم الرئيس السابق نور سلطان نزاربايف، وهو الذي لطالما كان معروفاً بعلاقاته الوثيقة مع روسيا.
اللغة القزاخية
ومن المفارقات في هذا الشأن ما يقال حول أن نزاربايف كان يمكن أن يكون مُحِقاً في توجهاته، انطلاقاً من أن اللغة القزاخية وشأن اللغة التتارية ولغات البلدان الناطقة بالتركية، إحدى اللغات الطورانية (التركية القديمة)، ولا علاقة "لغوية" تربطها بالسلافية، على النقيض مما تفعله أوكرانيا ذات الأصول التاريخية المشتركة مع روسيا على مدى قرون طويلة.
وذلك فضلاً عن أن كثيراً من القرائن والأدلة تقول بالأصول الواحدة للغات السلافية التي تندرج ضمن مجموعة اللغات الهند أوروبية لسكان أوروبا الشرقية وسيبيريا وبلدان آسيا الوسطى، وإن كانت هذه المنطقة تأثرت كثيراً باللغتين العربية والتركية. وتنقسم "اللغة السلافية القديمة" إلى شرقية وغربية وجنوبية ومنها اللغات الروسية والبيلاروسية والأوكرانية، والبولندية والبلغارية والسلوفاكية والتشيكية، والصربية، ولغات مقدونيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وغيرها تشكل ما نعرفه ضمن مجموعة اللغات السلافية الجنوبية.
ولما كانت روسيا التاريخية اعتمدت الكيريلية أحد أبرز رموز الدولة، شأنها في ذلك شأن العلم والنشيد القومي وشعار الوطن، فإنها لطالما اعتبرت ومنذ سنوات حكم بطرس الأول، أن أي خروج عن هذه "الأبجديات"، تطاولاً على مقدسات الوطن. ومن هنا كانت احتفالاتها القومية بيوم الأدب والثقافة السلافية، إلى جانب ما استهل به الرئيس فلاديمير بوتين سنوات حكمه بإصداره قانون "لغات شعوب الاتحاد الروسي.