سانت ليغو وانتخاب مجالس المحافظات 2023
8-نيسان-2023
د. أسعد كاظم شبيب
تعتمد العملية السياسية في العراق بمجرياتها السابقة والحالية على تشريع او قانون او طريقة انتخابية لا يمكن الفصل بينهما، بل ان أي نظام ديمقراطي لا يكون نظاماً ديمقراطياً ما لم يعتمد على الانتخابات، والأخيرة لا بد من طريقة او آلية تتنافس بها القوى والكيانات السياسية، لذا فان عماد الديمقراطية هو الانتخابات، وعماد الانتخابات هي الطريقة الانتخابية.
ومن المعلوم ان الحراك السياسي داخل وخارج البرلمان يدون الآن بعد ما يقارب عامين على انتخابات تشرين الأول 2021 التي افرز نظامها الانتخابي مخرجات سياسية مختلفة من حيث القوى السياسية، ومن حيث المشاريع السياسية، فمن حيث القوى السياسية كان من مخرجات انتخابات تشرين الأول التي أجريت بموجب نظام الانتخاب الفردي فوز واضح وكبير للتيار الصدري بواقع 73، في حين شهدت هذه الانتخابات تراجع ملحوظ للقوى الشيعية التقليدية التي انضوت فيما بعد تحت تجمع سياسي ما يسمى بـ(الاطار التنسيقي).
ومن حيث المشاريع السياسية طالب التيار الصدري بعد انتخابات تشرين الأول ان تحكم الدولة بمعادلة سياسية قائمة على أساس فريق يحكم بالأغلبية الوطنية، وفريق آخر في المعارضة، وهو الامر الذي لم يتمكن التيار الصدري وحلفائه آنذاك من الكرد والسنة من تحقيقه في حين تمكنت قوى الإطار التنسيقي من خلال تحريك مجموعة فواعل ومن ضمنها الفاعل الخارجي من افشال مشروع التيار الصدري والمضي بتشكيل الحكومة وفق الأعراف السائدة كالمحاصصة والتقاسم على أساس الكتل والقوى السياسية.
تخوض قوى الإطار التنسيقي حراكاً سياسياً فيما بينها وبين القوى الأخرى من اجل خوض انتخابات لمجالس المحافظات بعد تجميد عملها من قبل مجلس النواب العراقي 2019، من هنا هناك عدد من التساؤلات تعرض في هذا المجالات منها: لماذا تريد هذه القوى خوض انتخابات مجالس المحافظات؟، الا كان من الاجدر دمج انتخابات مجالس المحافظات مع الانتخابات البرلمانية لاسيما وان الاثنين وردا معاً في البرنامج الحكومي؟، ما هي الطريقة التي تريد هذه القوى خوض الانتخابات بها؟ الم تجرب هذه القوى الطريق التقليدية السابقة مثل طريقة سانت ليغو؟ وماهي أبرز إشكاليات طريقة سانت ليغو؟ وما هي بدائله؟
جدلية انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية
تعتزم القوى السياسية المشكلة للحكومة اجراء انتخابات مجالس المحافظات في عام 2023 فقط لحسابات سياسية تتعلق عادة برسم خارطة المحافظين من جديد وقياس اوزانها الانتخابية بعد ان منيت اعظمها بخسائر كبيرة في الانتخابات البرلمانية في تشرين الاول 2021، وكان الاجدر والأفضل بهذه القوى ان تجري انتخابات مجالس المحافظات بصيغة جديدة أولا وليس كما كانت عبء على المحافظات، وبذات اليوم ينتخب مجلس نواب جديد على اعتبار ان الحكومة الحالية احدى اهم أولوياتها اجراء انتخابات مبكرة، لكن يبدو ان القوى السياسية المشكلة للحكومة ورئيس الحكومة نفسه قد تنصل عن هذه القيود ويريد ان يستهلك الوقت بإجراء انتخابات مجالس المحافظات ومن ثم بعدها بعامين او أكثر ينظم اجراء انتخابات مجلس النواب.
وهذا ما لا تتحمله الساحة السياسية ولا الشعبية فضلاً عن التكاليف المالية الباهظة إذا ما أجريت كل انتخابات على حده. لذا فالأجدر ان تكون هناك انتخابات شاملة لانتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب معاً.
ما هي الطريقة التي ستجري بها انتخابات مجالس المحافظات؟
ان القوى السياسية تعتزم اجراء انتخابات مجالس المحافظات في نهاية عام 2023 وتفضل الطريقة التي تجرى بها الانتخابات هي طريقة سانت ليغو التي جربت بأكثر من انتخابات برلمانية ومحلية، وهي طريقة اكتشفت عام 1910 وتعود لعالم الرياضيات النمساوي سان لاغو، وقد عرفت عندنا في العراق باسم (سانت ليغو)، تقوم طريقة سانت ليغو بطريقتها الأصلية على الاعداد الفردية (1، 3، 5، 7...) وفي مثال الدائرة التي يفترض عدد مقاعدها (6) ستكون القواسم (6)، أي بعدد مقاعد الدائرة، ويكون التوزيع كما يلي: الكيان أ عدد الأصوات 27000، الكيان ب عدد الاصوات 23000، الكيان ج عدد الاصوات 15000، الكيان د عدد الاصوات 7600، الكيان هـ عدد الاصوات 7400، وبالقسمة على العامل القاسم الأول والذي هو (1) يكون الكيان أ هو الأول ويحصل على مقعد واحد ونفس الحالة للكيان ب الذي يحصل على المقعد الثاني والمقعد الثالث للكيان ج والرابع للكيان أ وذلك لأنه بجدول القسمة على (3) يكون الناتج 9000 للكيان أ في حين الكيان د وهـ بجدول القسمة على (1) لم يحصل إلا على 7600 و 7400 على التوالي والمقعد الخامس للكيان ب الذي بحسب جدول القسمة على (3) حصل على 7666 لكن المقعد السادس يكون من حصة الكيان د، وهكذا سيحصل الكيان (أ) على مقعدين والكيان (ب) على مقعدين والكيان (ج) على مقعد واحد، والكيان (د) على مقعد واحد، في حين لم يحصل الكيان (هـ) على أي مقعد.
الا ان هذه الطريقة قد شوهت في العراق وبات العدد الفردي 1 يقسم على 1,7 او 1,9 وهو فارق بسيط بالمجمل لأنه بالنتيجة يؤدي الى هيمنة القائمة ويعتمد على القوائم الكبيرة التي تحصد على عدد أكبر من الأصوات. لاسيما في ظل المقاطعة الشعبية للانتخابات والتي وصلت الى أكثر من 70%. وربما ستكرر مع الانتخابات المحلية القادمة.
ما إشكاليات طريقة سانت ليغو
هناك الكثير من الإشكاليات النظرية والعملية التي تفرزها طريقة سانت ليغو، ابرزها ان هذه الطريقة تحتاج أموال كبيرة لأنها اما ان تقوم على الدائرة الواحدة لكل العراق او تعد كل محافظة دائرة واحدة فبالنتيجة يحتاج المرشح داخل الكيان او القائمة الى أموال طائلة حتى يغطي كل الدائرة الانتخابية، وهذا ما يجعل المال السياسي والنفوذ داخل بقوة في الانتخابات، اما الإشكالية الثانية مثل هكذا طرق انتخابية تنسجم ربما مع الحالة الوطنية اما في الانتخابات المحلية او البلدية فيحتاج الناس من يمثلهم مناطقياً ومن هو اعرف باحتياجات الناس فبالتالي هذه الطريقة لا تنسجم بالمرة مع انتخابات مجالس المحافظات، والإشكالية الثالثة تؤدي الى هيمنة الكتل السياسية مرة بعد أخرى على المشهد السياسي، وهذا السر في تمسكها واصرارها على هذه الطريقة رغم انها مجربة ومرفوضة فيما سبق من قبل عدة شرائح وابرزها منظمات المجتمع المدني والمرجعيات السياسية وبعض القوى السياسية الشعبية، فضلا عن الأحزاب والقوى الجديدة والناشئة.
بدائل سانت ليغو
بما ان العراق جرب طريقة سانت ليغو وجرب طريقة الانتخاب على أساس فردي القائم على دوائر متعددة وبالقياس الى عدد سلبيات واشكاليات طريقة سانت ليغو فإن الانتخاب على أساس فردي اكثر انسجاما مع الانتخابات المحلية واكثر تمثيلا للناس والمناطق واقل كلفة واكثر فعالية في التغيير السياسي وهذا ما هو ملاحظ مع انتخابات تشرين الأول 2021 فإن الاجدر بالقوى السياسية تعديل وتجاوز سلبيات طريقة الانتخاب على أساس فردي القائمة على الدوائر المتوسطة بدل العودة مرة أخرى الى طريقة تكرس هيمنة الكتل النافذة ولم تجدي املا بالتغيير السياسي الذي سأمه الجمهور وأبناء الشعب العراقي في التغيير من الداخل. او إيجاد طريقة أخرى تنتمي الى عائلة انتخاب الاغلبية بدل من الرجوع الى عائلة التمثيل النسبي خصوصا طريقة سانت ليغو.