عامر بدر حسون
في اوائل الثمانينات وفي عز الحرب العراقية الايرانية، زارني في بيتي بدمشق "مسؤول" بحزب معارض لصدام.
كانت الزيارة غريبة.
فهو جاء ليقنعني بضرورة اتخاذ موقف "جديد" من الحرب العراقية الايرانية!
وحدثني عن اهمية دور الكتاب والصحفيين في تنوير الراي العام وانه اهم من موقف الاحزاب.
لم يكن يصغي لي وانا اتحدث، فكل همه كان ان يقرأ عليّ شروط الوطنية العراقية الجديدة التي تقضي بالوقوف مع "الوطن" ضد ايران.
ولأنني كنت غشيما في السياسة، وصغيرا في العمر والتجربة، فقد اكتفيت بالرد:
انا هربت من العراق بسبب صدام وليس بسبب ايران..
وان عودتي لوطني واهلي مرتبطة بسقوط حكم صدام وليس بسقوط حكم ايران..
كان في منتهى اللطف والصبر معي، لكنه لم ينظر مرة في عيني وهو يحدثني، بل كان يحدق في الفراغ كانه اعمى يتلمس الضوء في مكان ما خارج وجهي.
وغادر بعد ان اخبرته بانني، ولأسباب عائلية واجتماعية، لن افكر بكلامه مرة اخرى كما اقترح، إذ انني لا اعرف ما سأقول لأهلي واصدقائي عندما يقرأون ما اكتب ويسالوني:
لماذا هربت من العراق إذن؟
ولماذا لا تعود ما دامت هذه هي قضيتك؟!
حصل هذا في وقت مبكر من الحرب وقبل ان تنشغل المعارضة فيما بعد في اي شعار يجب ان يتقدم اولا:
الدفاع عن الوطن؟ ام اسقاط النظام؟
وهو امر خطير ومدمر انشغلت به المعارضة في تلك الحرب..
وانشغلت به عندما تم غزو الكويت واقتربت حرب تحريرها..
وانشغلت به اكثر عند اقتراب موعد اسقاط النظام في 2003..
ولا ملامة على المعارضة في اضطراب مواقفها وشعاراتها في تلك الفترة، فهذه المعارضة هي نتاج ثقافتنا السائدة والمتوجّة بشعار:
"انا واخي على ابن عمي، وانا وابن عمي ع الغريب"!
صاحبي او حامل شروط الوطنية الجديدة.. لم يعد للعراق حتى اليوم.
وهو ما زال موضع حفاوة من اصدقاء اخرين يعيشون معه في اوروبا، وله مساهمات خفيفة في السياسة لا اعرف فحواها لأني لم اتابعه.
غير ان الاكيد هو انه اصبح الان في ارذل العمر (ربما 78 سنة) وله عائلة وابناء واحفاد.
وقبل فترة شاهدت برنامجا سياسيا عرض بعض اسماء من كانوا يشتغلون مع مخابرات صدام.
وهم كانوا في الظاهر من المعارضة.. لكنهم كانوا يتجسسون عليها وينقلون اخبارها اولا بأول للنظام، اضافة الى محاولتهم التأثير في قرارات ونقاشات وشعارات المعارضة بما يخدم النظام.
وكانت المفاجأة ان اسم هذا "الصديق" كان من هؤلاء الجواسيس!
وعرفت بعد فوات الاوان انه زارني، وزار غيري، ليعرض علينا الوطنية الجديدة ميدانيا.. وليقدم، من بعدها، تقريره للمخابرات!
ومنذ مشاهدتي لتلك الوثائق وحتى الان لا اعرف ما الذي علي فعله؟
هل اذكر اسمه واسماء من عملوا معه من مثقفين وسياسيين في المخابرات؟
ام "استر" عليه ما دام في ارذل العمر ومادام من جنّده قد دخل في الحفرة مرتين؟!
هل مر عليكم جواسيس وكتبة تقارير بصفة اصدقاء في "ايام الخير"؟!
وكيف تعاملتم معهم؟
وهل ثمة من جدوى من فتح الدفاتر القديمة مع ما فيها من الام تطال ابناء واحفاد لا ذنب لهم او معرفة بما ارتكبه الاباء؟
ولا بد من التذكير:
لا وجود لنص في القانون يسمح بمحاسبة هؤلاء الجواسيس الذين اذونا وسمموا حياتنا داخل وخارج العراق، إذ لا جريمة دون نص عليها في القانون.
فما العمل؟
وسترك يا رب!