عامر بدر حسون
هنا بعض المعلومات الخاطئة، ولكن الشائعة جدا التي يطلقها مؤيدو ثورة 14 تموز 1958 لتبرير قيامها وتبرير افعالها.. وبحكم تكرار تلك المعلومات الخاطئة بدت وكأنها حقائق لمن لا يعرف شيئا عن تلك الايام.
ومن تلك المعلومات قصة الزعيم عبد الكريم قاسم عندما زار فرنا للصمون فوجد صورة كبيرة له في الفرن فقال للفران او الخباز: كبّر الصمونة وزغّر الصورة!
وهذه القصة من الفها الى يائها كذبة وتلفيقة فيسبوكية حديثة.. ولم نقرا عنها في صحافة واعلام ذلك الزمن، وكان معنيا بتسجيل كل صغيرة وكبيرة من خطوات وكلمات الزعيم، ولم ترد عنها ولو اشارة في مذكرات وكتب الاولين من الضباط الاحرار. لكن بريق الاشاعة والكذبة في ثقافتنا يخطف الابصار والعقول!
ويقال في النقاش لتبرير قيام العسكر بالثورة ان مفاهيم وقيم ذلك الزمان كانت مختلفة وانه لا يجوز الحكم على ذلك الزمن بمعيار هذا الزمن. وتلك سخافة خالصة! فالواقع ان الصراع بين الخضوع المطلق وبين الحرية هو صراع ازلي بدأه ابونا ادم وواصله "الاوادم" حتى يومنا هذا. وتاريخ البشرية في جزء منه هو ثورات حريات وعبيد ضد الظلم والاستعباد منذ سبارتكوس وحتى يومنا هذا. واذا كان من قاموا بالثورة لا يعرفون هذه الامور البديهية فنحن جميعا في ورطة تصل حد الفضيحة.
ومن السخافات الشائعة القول ان اغلب السياسيين في العهد الملكي كانوا ضباطا وهذا يعني ان الحكم كان عسكريا وليس مدنيا..
وثورة تموز والحالة هذه استمرار لتلك السلطة.
وتلك مغالطة تافهة ومكشوفة.. فأولئك الضباط كان اغلبهم من قادة الثورة العربية التي ساهمت بتحرير العراق وبلدان عربية عديدة من الحكم العثماني الذي استمر قرابة 400 سنة.
وهم من اسسوا بالتعاون مع الانكليز الدولة العراقية.
اضافة الى ان هؤلاء الضباط خلعوا بدلاتهم العسكرية وتصرفوا كوزراء ومسؤولين في دولة مدنية.
وثمة سخافة تقول ان انقلاب 1958 هو حلقة في سلسلة انقلابات سبقته وان تلك الانقلابات هي المسؤولة عنه. ولا ادري ان كان بكر صدقي (قائد اول انقلاب عام 1936) او رشيد عالي الكيلاني والضباط الاربعة المتعاونين علنا مع النازية وهتلر في انقلابهم عام 1941 يمكن ان يكونوا حجة او قدوة للقيام بانقلاب اخر!
وثورة تموز 1958 اوقفت قائد هذه الثورة (رشيد عالي الكيلاني) في قفص الاتهام وحكمت عليه بالاعدام، وقال فيه العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة وفي ثورته اكثر مما قال مالك في الخمرة.
وكل الدول مرت بمحاولات انقلابية فاشلة من عسكريين طامحين في السلطة دون ان تعتبر تلك السوابق تبريرا لانقلاب جديد!
ويتم التذكير بان العهد الملكي قام بقتل الاف الاشوريين في سميل في الثلاثينيات لتبرير انقلاب 14 تموز1958 .. وان تلك الجريمة كانت احد اسباب ثورة تموز 1958.
ويتم تناسي ان الانقلاب لا علاقة له بالآشوريين الذين قاموا بحركة مسلحة من اجل الحصول على حكم ذاتي او انشاء وطن قومي لهم في العراق، وتعاون العنصريون العرب والكرد بقيادة بكر صدقي ورشيد عالي الكيلاني لإبادتهم بروح ونزعة عنصرية مكشوفة، مستغلين اخطاء قيادات الاشوريين السياسية، للتنكيل بهذا الشعب منكود الحظ.. وهي قضية معقدة ومؤلمة جدا وربما عدنا لها باستفاضة في يوم الشهيد الاشوري.
وانقلاب 14 تموز 1958 ربما كان مؤيدا لهذه المجزرة ضمنا، فهو دخل في حرب مع الاكراد لمطالب اقل مما طالب به الاشوريين!
ويتم تبرير الثورة بان حكومات العهد الملكي قتلت عشرات او مئات العراقيين في التظاهرات السلمية التي شهدها العراق في مناسبات مختلفة.
وهذا تبرير يضم الغباء الى السخافة.. فالتظاهرات وسقوط شهداء فيها تقدم دليلا على حيوية الشعب وشبابه ونخبه، وهي تقدم دليلا على وجود صراع سياسي في المجتمع يتم حله كما تفعل كل بلدان العالم المتحضرة.
فلماذا لا يمكن ان تحل عندنا هذه المشكلة الا بتقدم العسكر للسلطة والاستيلاء عليها ويكون اول واخر قرار لها هو منع التظاهرات ضد الحكومة؟!
وبعد هذا اقول ان نظام الحكم الملكي قد يكون اسوأ مما يقوله عنه مؤيدو ثورة 14 تموز 1958 لكن الاكيد ان الانظمة العسكرية والديكتاتورية التي جاءت من بعده لم تكن افضل منه اطلاقا.