سردية رومانسية تمجّد حرية المرأة وتستدعي قصص الحُب والأساطير الخالدة
21-حزيران-2023
عدنان حسين أحمد
تستلهم المخرجة الكوردية ڨيان مايي قصة فيلمها الروائي الأول Doz أو "القضية" من أغنية تاريخية يغنّيها المطرب المعروف حسن سيساوي التي تدور حول "سُرمَي"، وهي فتاة آسرة الجمال تهرب من قرية Sêirtê إلى بلدة "باعذرا" الإيزيدية لأن والدها يجبرها على الزواج من أمير فارسي بينما هي تحب سائس الخيل خورشيد فتضحي بكل غالٍ ونفيس من أجل هذا الحُب العميق الذي لا تستطيع أن تفسّره ولكنها تبوح به في السر والعلن.
تتعالق قصة هذا الفيلم الروائي المرصّع بلمسات رومانسية رقيقة مع قصص التراث الكوردي وملاحمه وأبرزها قصة "مِم وزين" و "فرهاد وشيرين" و "ابنة التبّان" التي تُحاكي قصة "بنت المعيدي" التي أضافت لها الذاكرة الجمعية العراقية الكثير من الرتوش التي عمّقت هذه الحكاية وقدّمتها للناس بشكل أسطوري يروي كل ما يتوقون إليه، ويحبِّذبون سماعه. وهذا التعالق هو شكل من أشكال الميتاسرد الذي يمنح الفيلم الروائي سمة تخيّيلية مُضافة تتعشّق فيها قصة الفيلم مع ثيمة الأغنية التي كانت المحفِّز الأساسي لكتابة سيناريو الفيلم من قِبل المُخرجة نفسها بالاشتراك مع "ليوه بيوار". فالذي يعرف ڨيان من كثب سيكتشف بسهولة أنها تريد أن تُضمِّن أفكارها في نسيج القصة البَصَرية التي يرويها الفيلم الذي تشكّل بالأساس في ذهنها على مدى السنوات الثلاثين الماضية سواء من سماع القصص في منزل الطفولة والصبا أو من مشاهدة الأفلام في صالات السينما في نينوى أو في بعض محافظات الإقليم الذي لم يتشكّل آنذاك.
ثمة أفكار ومفاهيم عديدة ينطوي عليها فيلم "القضية" مثل حرية المرأة، والدفاع المستميت عن حقوقها الخاصة والعامة، والتعاطي مع النفس القَبَلي أو العشائري الذي تمثّلة سلطة الأغوات والبَگَوات الذين كانوا، ومازالوا ربما، يعتاشون على عرق الفلاحين، وجهود رُعاتهم، وخدمهم، وسائسي خيولهم. كما تحفّز ثيمة الفيلم على التمرد والعصيان والثورة على كل قامع وظالم ومُستبَد. يزرع هذا الفيلم روح الأمل في أذهان المتلقّين الذين يشاهدونه ويستمتعون بالقصة السينمائية، وأداء الممثلين والممثلات، ويستفيدون من عِبره ودروسه، ويتطلعون إلى المستقبل من خلال نافذة الأمل التي تغلق في كثير من الأحيان كوّة اليأس والإحباط والقنوط لأن "في كل واحد منّا لسان لهيب وعمود دخان".
تتوفر القصة السينمائية الناجحة بما تنطوي عليه من سيناريو وحوار مُشذّبين على ثيمة شائقة ينشدُّ إليها المتلقي، ويتعاطف معها، ويتماهى في الكثير من تفاصيلها. كما أنّ عنصر نجاح هذه القصة يتمثّل بالمفاجآت التي تنطوي عليها تباعًا، وانتقالها من فضاء كوردي واسع إلى مكوّن عِرقي وديني وفرعي، إن صحّ التعبير، وهو المكوِّن الإيزيدي المعروف بعاداته وتقاليده ومنظومة قيمه الأخلاقية والاجتماعية والدينية.
الاحتفال بعيد الربيع
تبدأ المخرجة فيلمها بداية موفقة حين تقوم بتجميع أبناء القرية في منطقة "ميرگا دريژ" للاحتفال بعيد نوروز الذي دأبوا على الاحتفال به في 21 مارس/ آذار من كل سنة. ويمثل هذا التاريخ ذروة الربيع حيث ترتدي كوردستان برمتها رداءً أخضرَ مُطرّزًا بالزهور الجميلة المتنوعة الألوان الأمر الذي يمنح أعين المُشاهِدين فرصة نادرة للاستمتاع بجمال الطبيعة التي حباها الله للكورد العراقيين ولباقي مكونات بلاد الرافدين الذين يحجّون إلى تلك المضارب المخملية الساحرة في فصل الصيف اللاهب على وجه التحديد. لكن ما إن يسمع الأغا "صلاح ريكاني" بهذا الخبر من "حسّو" حتى يبعث أربعة من أزلامه لينغصوا الأجواء على المحتفلين ويقتادوا خورشيد إلى بيت الآغا لأنه ضرب رجاله وأهانهم أمام أعين المُحتفلين ولم ينس خليل آغا بأن يُذكِّر خورشيد بأنه ليس أكثر من سائس لخيله وجياده وأن لحم كتفيه هو من خيرات الآغا وبركاته. ينتهي الاحتكاك الأول بهذه الاستفزازات التي تتعلّق بالأصل والفصل والعمّال الذين يقدّمون خدماتهم للآغا منذ سنواتٍ طوالا لكن خورشيد لا يجد حرجًا في القول بأنه يعرف مذ كان طفلاً بأنّ هذه الأرض تعود للقرويين أنفسهم، وكل سنة يذهبون إليها للقيام باحتفالات الربيع ولم يمنعهم أحد من ذلك.
في المشهد الافتتاحي الذي حضرت فيه "سُرمَي" ابنة خليل آغا كانت تنظر بوله وحسرة إلى خورشيد الذي تمحضهُ حُبًا من نوع خاص لكنه لم يلتفت إليها كثيرًا لاعتقاده بأنه مجرد سائس خيل كما يُعيّره الآغا بين أوان وآخر. وقد تقدّمت إليه لتسأله سؤالاً واضحًا وصريحًا مفاده:"لماذا تهرب مني؟" وحينما ينفي فكرة التهرّب جملة وتفصيلاً تصارحه بطريقة لا تخلو من الشجاعة والاستفزاز:"هل تعرف كم أحبّكَ؟ أنا الشخص الذي يلهثُ خلفكَ. لماذا لا تفتح لي قلبكَ؟" وحينما يتطور النقاش يخبرها باستحالة وقوع هذا الحُب بينها وبينه لأنه مجرد رجل إسطبل وهي الابنة الوحيدة للآغا التي لا تخرج حتى للتنزّه من دون وصيفة أو حراسة في بعض الأحيان. ويسفر هذا النقاش إلى نتيجة محددة ترسم ملامح الثيمة الرئيسة للقصة السينمائية "بأنها تحبهُ وتريدهُ حتى لو كان سائسًا للخيل"! وهي لا تعرف سرّ هذا التعلّق والانقياد العاطفي الذي يحرّك مشاعرها ليل نهار! وكأنّ المخرجة تريد أن تضعنا عن قصد أمام السؤال الوجودي الذي يُشبه الصعقة الكهربائية الخفيفة التي تهزّنا في لحظة الحب الأولى من دون أن نعرف الأسباب المنطقية التي دفعتنا للسقوط في بِركة الحُب والتعمّد بمياهها العذبة الصافية. وفي خضمّ هذا الجو العاطفي الغامض تؤكد "سُرمَي" "بأنها لا تساوي شيئًا من دونه"! حتى لو كانت ابنة الآغا المتحكِّم بحياة القرويين ومصائرهم. فقد بدأ القرويون يتمردون عليه ويصعدون إلى الجبال بسبب ظلمه وجشعه واستبداده. كما أنّ "الأنصار" يتهمونه علنًا بالعمالة وتنفيذ رغبات العدو فلاغرابة أن يَلقى مصيرًا مأساويًا مُفجعًا مهما تقادمت الأعوام.
نتعرّف على شخصيات الفيلم حين نلتقي بـ "ـشخيو" الذي بدا في مستهل الفيلم مريضًا تعاف نفسه الطعام، ويبدو أن مرضه يتفاقم فلاغرابة أن يتحدث عن اقتراب الأجل أو الموت الذي لا يفرّق بيت غني أو فقير ورغم تمنيات خورشيد بالصحة والعمر المديد للعم شيخو إلاّ أن هذا الأخير يشعر بدنو أجله لذلك قرر أن يبوح بالسر الذي احتفظ به لأعوام طويلة وبات يخشى عليه من الضياع في مدارج النسيان. ومع ذلك فإن المخرجة ڨيان مايي تُزيد من جرعة الترقّب والتوتر والتشويق فتؤجِّل مسألة البوح قليلاً وتترك شيخو يتحدث عن الكلبة وجرائها الستة التي طلب الآغا من شيخو أن يقتلهنّ جميعًا ويحتفظ بأنثى واحدة فقط، ثم ينصحه بالذهاب إلى النوم لكي يستيقظ صباحًا ويعتني بالجياد.
جشع الأغا وقسوته المُفرطة
تمنحنا المخرجة فرصة لكي نتعرف على ذهنية الآغا خليل وطريقة تفكيره التي تخلو من الرحمة والرأفة والإنسانية حينما يلتقي بالفلاحين الذين يزرعون أراضيه ولا يعطيهم إلاّ النزر القليل من غلّة المحصول التي لا تسدّ رمق أطفالهم. ومع ذلك فإنّ قلب الآغا كالحجر الأصمّ لا يرقّ أمام شكاواهم ومظالمهم ويصرّ على أن يلتزموا بالاتفاق الجائر مثلما كان يفعل آباؤهم وأجدادهم. كما تكشف لنا جانبًا آخرَ من نزعته الأنانية حينما يزوره أحد الأمراء الفرس بهدف الزواج من كريمته الحسناء سُرمَي لكي يضمن لنفسه القوة والجاه والمال ويكون أحفاده أحفاد العائلة الملكية بعد أن تجري في عروقهم وشرايينهم الدماء الزرقاء!
تزور سُرمَي ووصيفتها غرفة خورشيد وتعرب عن رغبتها في المبيت بها وحينما تتهمها الوصيفة بالجنون لا تجد حرجًا في القول بأنها "مجنونة بخورشيد". ثمة قرويون يهربون من القرية ويلتحقون بالأنصار في الجبال لأنهم لم يتحملوا ظلمهُ وجشعه واستبداده فآثروا معارضته ومقاومته بالسلاح هذه المرة بعد يئسوا من لغة الحوار.
يستعطف الآغا ابنته ويحاول أن يحرّك مشاعرها بدعوى إحساسه بالوحدة، والضعف، وتخلّي الأصدقاء، وكثرة الأعداء، بينما تبدو سُرمي كائنة اجتماعية لا تأبه بمظاهر الثراء الفاحش سواء عند والدها أو لدى الأمير الفارسي الذي جاء بقدميه وطلب يدها للزواج. ما تريده شيء بسيط ومتواضع وهو الاقتران بخورشيد الذي أحبّته من دون أن تعرف سبب هذا الحب أو دوافعه الخفيّة. تتمادى سُرمَي في كسر الأعراف الاجتماعية حينما تخرج مع نساء القرية وفتياتها لترعى الأغنام وتحلب الماعز ولكنها ما إن ترى الفتيات يتجمعن حول شاهين وخورشيد حتى تأخذ دلوها المعدني الصغير وتملأه بالماء وتسكبهُ على رأس خوشيد فيأخذها بين أحضانه ويُغطّسها أكثر من مرة في ماء النهر في لوحة بصرية غاية في الرهافة والجمال وكان على المُخرجة أن تُطيل هذا المشهد لتوَفرِه على كل المعطيات الجمالية والإنسانية التي يتعاطف معها المتلقي ويتمناها ألا تنتهي بوقت خاطف وسريع.
يقتنع خورشيد بأن هذا الحب المحموم الذي تفجّر في أعماقه لابد أن يفضي إلى الزواج بسُرمَي فقبل هذا التاريخ لم يكن حيًا، على حد وصفه، ولا يشعر بفرق بين الليل والنهار، وأنه الآن فقط يستطيع أن يتنفّس بحرية واسترخاء. ربما يكون مشهد الاستلقاء على الأعشاب الطويلة من المَشاهد الحميمة والجميلة التي كان يجب أن تتوّج بقُبلة طويلة واحدة في الأقل كي تُضفي مصداقية لهذا الحب الكبير الذي ينمو بين عاشقين حقيقيين يضحيان بحياتهما من أجل هذا الحب النقي الصادق.
مناصرة حقوق المرأة
أشرنا سلفًا بأن المخرجة ڨيان مايي قد نثرت الكثير من أفكارها التحررية والمناصرة لحقوق المرأة في هذا الفيلم ولكن ما يوازي هذه الأفكار الحضارية في أبسط توصيف لها هو رغبتها الجدية في التعالق مع القصص والأساطير والملاحم الشعبية الكوردية ويكفي أن نشير إلى هذا الحوار المُقتضب الذي يتمحور على سؤالين لا ثالث لهما يرِدان على لسان سُرمَي وهي تتحدث إلى وصيفتها حيث تقول:"هل تعتقدين أنه يحبني كما أحبه؟ وهل تظنين أنّ حُبّنا سوف يُصبح مثل قصة مِم وزين؟" ثم تنتقل بنا فجأة إلى العم شيخو قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة حيث يُخبر خورشيد بالسرّ الذي خبأه كل هذه السنوات ويقول:"أبوك، وخليل آغا عمك، واثنان من الحرّاس، وأنا . . ذهبنا جميعًا إلى الجبل. وهناك قام عمكَ خليل آغا بقتلِ أبيك بسبب السلطة والنقود. وأنتَ لستَ ابن حمّو الراعي، وإنما ابن آغا زيدين، شقيق آغا خليل".
على الرغم من أنّ قصة الفيلم تنطوي على جريمة قتل نفّذها والد "سُرمَي" في الماضي وسوف تتكشّف خيوطها لاحقًا إلاّ أن المتلقين سيشاهدون جريمة ثانية يرتكبها خليل آغا أمام أعيننا هذه المرة حينما يفشل في الحصول على إجابة واضحة من شاهين عن مكان تواجد صديقه الحميم خورشيد الذي توارى عن الأنظار من دون سابق إنذار، حيث يستل الآغا خنجره المدبّب ويطعن به شاهين الذي يفارق الحياة من فوره.
تندهش سُرمَي من العداوة التي نشأت بين أبيها وحبيبها خورشيد الذي ترك القرية وذهب إلى الجبال ملتحقًا بالأنصار من دون أن يُحيطها علمًا بهذا القرار المفاجئ. كما أن أترابها من فتيات القرية يستغربن أن تتزوج سُرمَي من الأمير الفارسي الغريب عن هذه الديار. وبينما تُنظّم استعدادت الزفاف أمام أعين المتلقين تهرب سُرمَي إلى جهة مجهولة أول الأمر فتثور ثائرة الوالد ويفشل في كبح جماح نفسه خاصة وأنه فقد ابنته من جهة، وخسر السلطة والمال من جهة أخرى ولم يحظَ إلاّ بخفّي حُنين. يعود خورشيد ليخبر وصيفة سُرمَي بالقصة كاملة وأنّ شيخو هو الذي أحاطه علمًا بالتفاصيل قبل أن تخرج روحه من جسده. فتنصحه أن يُخبر سُرمي بالقصة كاملة وحينما ذهبت إلى غرفتها عرفت بأنها هربت وغادرت إلى جهة مجهولة.
حسناء متنكِّرة بثياب الراعي
تلتقي سُرمَي بأحد الرعاة وتأكل من زوّادته، وتطلب ملابسه مقابل أن تعطيه حُليّها الذهبية، وتسأله قبل أن تغادر عن الطريق المؤدية إلى بلدة "باعذره" التي يشكّل فيها الإيزيديون غالبية عظمى وفيها مقر الأمير وأتباع ديانته الذين يحترمونه وينصاعون لأوامره حيث تستجير به وتطلب حمايته من رجال والدها فيوفر لها الحماية والأمان، ويرحب بها في بيته وبين أهله وذويه، ويعتبرها مثل ابنته، ويعدها بتلبية كل احتياجاتها طوال مدة إقامتها في هذه القلعة الإيزيدية الحصينة. تتواصل مفاجآت القصة السينمائية فبينما كان خورشيد متواجدًا مع مجموعة للأنصار سمع الراعي وهو يذكر اسم سُرمَي على لسانه وأنها شربت من إنائه، وأخذت ثيابه، وسألته عن الطريق المؤدية إلى بلدة "باعذره" التي ستكون مسرحًا لأحداث جديدة. ورغم أنّ الأمير الإيزيدي وزوجته يوفران كل ما تطلبهُ الفتاة المُستجيرة إلاّ أن ابنهما الوحيد يهتز قلبه لهذه الفاتنة التي اقتحمت حياته على حين غرّه وراح يعرب عن إعجابه بطريقة تفكيرها التي أفضت بها إلى الهروب من والدها الآغا من أجل الحصول على حريتها ولكنه انتقد تكتّمها وصمتها الدائم وطلب منها أن تفتح قلبها، وألاّ تخاف من أي شيء لكنها اعتذرت وأخبرته بأنها لا تريد أن تشارك الآخرين بما يعتلج في صدرها، فهذا أمر خاص وحميم جدًا وتريد أن تحتفظ به لنفسها. ومع ذلك فهي تخرج معه في أرجاء المدينة، وتشاركهم أفراحهم، وتزور معبد لالش برفقته، وتكتفي بمراقبة الشعائر الدينية التي يقوم بها الإيزيديون في معبدهم المقدّس. تنتبه أمه لمحاولة ابنها في استمالة قلب سُرمَي لكنها تحذّره من مغبة هذا السلوك، فهذه ليست فتاة ذكية وجميلة وأنيقة حسب وإنما تمتلك ماضيًا معقدًا تنوء بأحماله الثقيلة، وأكثر من ذلك فهي ضيفتهم التي استجارت بهم ويتوجب عليه مراعاة الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والدينية التي تُحتّم عليه احترامها وعدم تشويه سمعتها، وجلب الخزي والعار لعائلة الأمير الموقّرة. وما إن يمرّ الأمير بالمصادفة ويتناهى إلى سمعه هذا الكلام حتى ينادي على زوجته ويستفسر منها عن المحادثة التي سمع أهم ما فيها ويطلب منها ألا تجبره على قتل ابنه الوحيد إن هو تجاوز الحدود الأخلاقية التي رسمتها العادات والتقاليد الاجتماعية.
النأي عن فكرة القتل والانتقام
يعود خورشيد ليقاصص عمه على جريمة القتل التي ارتكبها بحق والده من أجل السلطة والمال، وقتله لصديقه شاهين الذي كان بريئًا من كل ذنب، كما يوبّخه لأن أراد أن يبيع ابنته لغريب حتى وإن كان من سلالة الملوك والأمراء. وفي خضّم هذه المواجهة القاسية يعرف الأغا بأن شيخو قد خانه حينما أباح بهذا السر الخطير لخورشيد الذي علِم في نهاية المطاف بأنّ سُرمَي هي ابنة عمّه التي أحبّها إلى درجة الجنون. حسنًا فعلت المخرجة حينما تركت خورشيد يتخلى عن فكرة القتل والانتقام من عمه الذي أعرب عن شعوره بالندم الكبير لما اقترفته يداه من جرائم وحشية يندى لها جبين الإنسان السويّ حيث يخاطبه قائلاً:"لا أريد أن ألطخ يدي بدمائك لأنك ميت منذ الآن"! الأمر الذي يدفع هذا العم الظالم لأن يتوسل بخورشيد كي يقتلهُ ويحرر روحه من سجن الجرائم التي اقترفها طوال حياته.
يجمع الأمير الإيزيدي مقاتليه ويخبرهم بأنّ رجال الأغا خليل سيهاجمونهم هذه المرة بذريعة سُرمَي، وحجة استرجاعها بالقوة لكن أعراف الإيزيدين لا تسمح بتسليم فتاة حرة شجاعة أخلصت لحبيبها خورشيد وتركت كل شيء من أجله . . . المال والجاه والسلطة ولبّت نداء قلبها الوفيّ المخلص الذي تعلّق بسائس الخيل وتبيّن لاحقًا أنه ابن عمّها ورفيق طفولتها الذي أحبّته من الوريد إلى الوريد. لم يرغب الأمير باتخاذ قرار الحرب الخارج عن إرادته لأن الإيزيديين لن يسلّموا سُرمَي مهما كلّفهم الأمر من تضحيات جسيمة. كما أنّ الأمير يعرف جيدًا بأنّ الأعداء إذا أخذوا سُرمي هذا اليوم فإنهم سيأخذون أرض الإيزيديين غدًا.
لم تلجأ المخرجة إلى عشرات أو مئات المقاتلين لأن ذلك يحتاج إلى ميزانية كبيرة لذلك اختارت عددًا محدودًا من المقاتلين الأشدّاء الذين ذهبوا بصحبة الأمير وعاد بعضهم ميتًا أو مُصابًا كما هو الحال مع الأمير وخورشيد وغيرهما وحينما استقبلت سُرمَي المقاتلين العائدين من جبهة الحرب انخرطت في البكاء لأنها رأت الأمير جريحًا وبكت بين يديه لكنه واساها بالقول بأنه مستعد لأن يُجرح ألف مرة على أن ينتزعها الأعداء من بين يديه فهي ثمينة جدًا وتمثل الحياة الكريمة التي تستحق التضحية بالأرواح.
ترفع سُرمَي بصرها لتبحث عن حبيب القلب الذي عاد مطرزًا ببعض الجروح بعد أن هزم الأعداء، وحافظ على ثنيّة روحه شاكرًا الأمير على موقفه الكبير الذي لن ينساه أبدًا. وطلب منه السماح بالعودة إلى أرضه ودياره قبل أن يحلّ الظلام. فيخبره الأمير:"أنتَ حرٌ ياولدي في أن تأتي وتذهب كما تشاء. وإذا كان لدينا العديد من الرجال الأشداء مثلك فسنكون أقوياء بما فيه الكفاية لنهزم الأعداء في أي معركة قادمة". ويرد عليه خورشيد بحكمة مماثلة مفادها أنه سيكون أقوى إذا ساعده قائد مثل أمير الإيزيديين. أمّا سُرمَي التي نضجت كثيرًا بعد هذه التجربة القاسية التي عمّقت حكمتها فلاغرابة أن تقول:"هنالك آباء يضحّون بأرواحهم من أجل بناتهم وأوطانهم، وهنالك آباء يموتون من أجل السلطة والمال ولا يجدون غضاضة في بيع بناتهم وفلذّات أكبادهم إلى الغرباء". وربما تكون الجُملة الأكثر أهمية التي هيمنت على القصة السينمائية هي الجملة الختامية التي وردت على لسان سُرمَي وهي تقول:"لا شيء سيكون حُرًا ما لم تأخذ النساء حريتها". فيوافقها خورشيد الرأي ويخبرها بأنه يراها حُرة منذ هذه اللحظة.
مجاراة ملاحم الحُب الأسطورية
نخلص إلى القول بأنّ المخرجة ڨيان مايي قد استثمرت ملحمة "مِم وزين" وحاولت أن تجاريها في قصة حب أسطورية جديدة يمكن أن نطلق عليها قصة "خورشيد وسُرمَي" التي انتهت نهاية سعيدة بخلاف سابقتها التي تنتهي بموت العشيقين في إمارة بوتان التي تقع في جنوب شرق الأناضول. تركز المخرجة في هذا الفيلم على الصراع الطبقي بين الأغوات والفلاحين الذين يشكّلون شريحة واسعة من الشعب الكوردي الذي ينتصر في خاتمة المطاف على قامعيه ومُضطهديه ويستعيد الفقراء والمظلومون حريتهم وكرامتهم المهدورة . استثمرت المخرجة فكرة الحرية خير استثمار وجعلت منها الثيمة الرئيسة للفيلم والعصب النابض فيه، وخاصة حرية المرأة التي تمثلت بالعاشقة الحسناء التي ضحّت بكل شيء من أجل أن تقترن بالشخص الذي أحبّتهُ وتعلّقت فيه. كما تسلّط المخرجة الضوء على المكوّن الإيزيدي وقيمه الأخلاقية والاجتماعية والثقافية، وأكثر من ذلك فقد نقلتنا إلى أجواء الأنصار الذين يقارعون الظلم في جبالهم الشمّاء ويسعون لتحقيق العدالة الاجتماعية في ربوع الوطن الجميل. ولابدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الفيلم يقدّم متعة بَصَرية فائقة، فالمتلقّي، من قبلُ ومن بعد، لا يشعر بالملل وهو يشاهد هذا الفيلم الذي يجمع بين التراجيديا، والنَفَس الرومانسي، والحِكم والأمثال المتناثرة على مدى 80 دقيقة من السردية البصرية الأخاذة الجمال وأنّ بعض المشاركين في الفيلم لم يمثلوا من قبل وأبرزهم خورشيد الذي جسّد دوره ببراعة "ديار درسيم". بقي أنّ نقول بأنّ ڨيان قد ولدت في قرية مايي بمحافظة دهوك سنة 1960م. هاجرت إلى السويد سنة 1993. درست الاتصالات والإعلام في أوپسالا سنة 2003، والقيادة والديمقراطية في جامعة يڨله Gävle في السويد. عادت إلى كوردستان سنة 2005، وساهمت مع سينمائيين آخرين في تأسيس مهرجان دهوك السينمائي الدولي. أخرجت خمسة أفلام قصيرة وهي: "الروضة والشرف" 2008م، " موعد بلا لقاء" 2008، "الحمامة البيضاء" 2009، "الفتاة الكوردية" 2012 ، و"رقصة الحياة" 2022،وفيلمًا روائيًا طويلا يحمل عنوان "القضية" 2012 ومازلنا ننتظر منها الكثير.
تسجيل 9 هزات أرضية داخل العراق في شهر نيسان
2-أيار-2024
رغم الإجراءات الأمنية في البتاوين.. نزيل يجهز على صديقه داخل فندق
2-أيار-2024
تركيا تضم صوتها في قضية "الإبادة الجماعية" ضد إسرائيل: نواصل دعم فلسطين
2-أيار-2024
ضخ فوق الحدود.. العراق يواصل الإخفاق بالالتزام بتعهدات أوبك
2-أيار-2024
وسط مخاوف من عودتهم.. العراق يستقبل ما يقرب من 700 مواطن مرتبطين بداعش من مخيم "الهول"
2-أيار-2024
العراق يشتري طائرات عسكرية بدون طيار من الصين
2-أيار-2024
أزمة الشرعية وتداعياتها في مواجهة أردوغان
2-أيار-2024
ليفركوزن للثأر من روما واختبار حقيقي لمرسيليا أمام أتالانتا في يوروبا ليغ
2-أيار-2024
محمد صلاح غير متحمس للتوجه إلى الدوري السعودي
2-أيار-2024
غرائب واختفاءات الموسيقي الفرنسي رافيل في سنواته الأخيرة
2-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech