سورة العلق (١٠)
2-أيار-2024

محمد عبد الجبار الشبوط

كتبت تسع حلقات حول سورة العلق لأن لهذه السورة اهمية كبرى. في الحلقات الماضية توصلنا الى عدة امور منها: ان النبي محمدا لم يكن اميا، بل يعرف القراءة والكتابة، وانه لم يتفاجأ بنزول الوحي على قلبه، كما لم يتفاجأ بمجيء جبرائيل، وان القران نزل على شكلين: النزول الدفعي والنزول التدريجي، وان النبي محمدا كان على علم بالاتجاهات العامة للقران والشريعة الاسلامية. زبدة الكلام في المقطع الاول من سورة العلق المؤلف من خمس ايات هي: ""اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ." ففي هذا المقطع القصير نستطيع ان نجد مفاتيح حضارة جديدة نزعم ان القران جاء ليبشر بها، ومن هنا نستطيع ان نصك مصطلح "المشروع الحضاري القراني". ويجب ان نثبت هنا ‏ان نزول سورة العلق هو إعلان ببداية المرحلة الأخيرة من عصر النبوات الذي بدأ منذ نوح وسوف ينتهي بمحمد صلى الله عليه واله وسلم الذي قال لعلي كما في الحديث الصحيح الذي اخرجه البخاري نقلا عن سعد بن ابي وقاص:"ألَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ، مِن مُوسَى إلَّا أنَّه ليسَ نَبِيٌّ بَعْدِي." فبموجب هذا الحديث لم تعد البشرية بحاجة الى انبياء، وعليها ان تعتمد على ما وصلها حتى الان من التعليم الالهي، اضافة الى ما منحها الله من نعمة العقل. ما نفهمه من سورة العلق ان الانسان اضحى قادرا على ان يشق طريقه الحضاري متكئاً على عكازتين: العقل وما جاء به القران باعتباره خلاصة التعليم الالهي. بالتأمل في الايات الخمس الاول من سورة العلق نستطيع ان نقول ان السورة تؤسس لنمط جديد من الحضارة يختلف عن الحضارات السابقة مثل الحضارة السومرية والاغريقية والصينية والرومانية وحضارة المايا، تلك هي الحضارة المؤمنة في مقابل الحضارة الوثنية. عناصر هذه الحضارة: الله، الانسان، القراءة، و العلم عن طريق القلم، اي الكتابة. هذا رغم اننا نعلم ان الانسان كان قد اخترع الكتابة قبل نزول القران بعدة الاف من السنين، لكنه لم يقم حضارة مؤمنة وموحدة، انما اقام حضارات وثنية. وجاءت الان سورة العلق لتقول للانسان:"اقرأ باسم ربك الذي خلق". واذا كان القراءة هي الكلمة المفتاحية في بناء الحضارة، فان هذه السورة توجه الانسان ان يبني حضارته باسم الله.
‏تتفق الحضارة المؤمنة مع الحضارات الوثنية في تحليل عناصر المجتمع، وهي الإنسان والأرض والعلاقة المزدوجة بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان والطبيعة، وذلك كما في الآية 30 من سورة البقرة التي تقول: "وإذ قال ربك للملائكة إني في الأرض خليفة." ‏لكن الحضارة المؤمنة تختلف مع الحضارة الوثنية في تفصيل عناصر هذه العلاقة المزدوجة. ففي الحضارة الوثنية تكون العلاقة المزدوجة ذات صيغة ثلاثية مؤلفة من الإنسان و أخيه الإنسان والطبيعة. في حين أن العلاقة المزدوجة في الحضارة المؤمنة تكون ذات صيغة رباعية مؤلف من الله والانسان واخيه الإنسان والطبيعة. ويسمى القرآن الكريم هذه العلاقة المزدوجة ذات الصيغة الرباعية بعلاقة "الاستخلاف"، كما في الاية: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً". وهي علاقة تستبطن أربعة أطراف هي الله والإنسان والأرض والخلافة. وبموجب هذه العلاقة يكون الإنسان خليفة الله الأرض أي المكلف من قبل الله باعمار الأرض وتدبير شؤونها وحكم نفسه بنفسه. وكان هذا قبل قيام الحضارات المعروفة بدأً بالحضارة السومرية. ورغم ان هذه الحضارات لم تنكر مبدأ الالوهية من اصله، الا انها اشركت مع الاله الاعلى الهة اصغر، مثل الاصنام التي قال عنها العرب: " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ". واضافة الله الى عناصر اقامة الحضارة ليست اضافة عددية وانما هي اضافة نوعية، فالله حاضر في الحضارة من خلال القيم الحضارية العليا التي تستبطنها صفاته مثل العلم والحياة والعدل والحرية وغير ذلك مما دعا النبي محمد الى التشبه بها. وهنا تفترق الحضارة المؤمنة عن الحضارة الوثنية في طبيعة المثل الاعلى لها. فالحضارة المؤمنة تتخذ من الله مثلا اعلى لها:"وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ"، وهو مثل اعلى مطلق، على خلاف المثل العليا للحضارات الوثنية، وهي مثل نسبية، تكرارية، محدودة، كما شرح السيد محمد باقر الصدر في تفسيره الموضوعي للقران. المثل الاعلى المطلق يغطي المستقبل كله فيمد الحركة الحضارية للانسان بطاقة لا تنفد، في حين تغطي المثل العليا المحدودة والتكرارية للحضارات الوثنية مساحة محدودة من المستقبل، بل منتزعة من الماضي بالنسبة للمثل التكرارية. وإذا كانت النبوة ظاهرة حضارية فإن نزول القرآن دشن مرحلة حضارية جديدة حددت أسسها الايات الأولى من سورة العلق. وهي حضارة قائمة على التوحيد والانسان والعقلانية والعلم بما في ذلك الوسائل العلمية المتطورة ورمزها القلم. وتختلف الحضارة الجديدة عن الحضارات السابقة وخاصة حضارة وادي الرافدين و الحضارة الإغريقية و الحضارة الرومانية من حيث أن تلك الحضارات كانت حضارات وثنية رغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها في حين يتضح من آيات سورة العلق أن الحضارة الجديدة لن تكون وثنية، كما انها لن تكون محايدة بين الله والشيطان؛ بل ستكون أول حضارة قائمة على أساس الإيمان بالله وتوحيده بالعبادة. دشنت سورة العلق ولادة الحضارة الإنسانية المؤمنة بالله وبالأنبياء والمستقبل السعيد للبشرية في اليوم الموعود وكذلك الإيمان بالآخرة وعالم الغيب.
تم

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech