حسين فوزي
أنا من جيل بصري عراقي استقبل السفينة السوفيتية البيضاء التي نقلت البرزانيين وبقية الكرد أواخر عام 1958، ممن شاركوا في الانتفاضة المسلحة بقيادة والدكم المغفور له الملا مصطفى، وهي تمخر شط العرب متوجهة إلى ميناء المعقل، هاتفين "زعيمنا الثاني ملا مصطفى البارزاني."
نحن جيل يكن كل الاحترام للكرد، ويؤمن، مع بقية العراقيين، بالقيمة الكبيرة للأخوة العربية الكردية، في ضمان فرص بناء مستقبل أفضل لكل أطياف الشعب العراقي، بلا استثناء.
وانت تحل في بغداد، بعد انقطاع عن العاصمة الاتحادية طال امده، وكل الأمل في تذليل الإشكالات التي تعكر صفو العلاقات بين الدولة الاتحادية وسلطات الإقليم، التي لحزبكم العتيد الدور الرئيس في صياغة سياستها، بالأخص ما يتعلق بـشروط "استخراج النفط وعوائده"، وحصة الإقليم من موارد البلاد، وحقوق السيادة على المنافذ الخارجية في الإقليم.
إن الأخوة العربية الكردية ليست شعاراً عاطفياً بين العراقيين، بل هو شعار يجسد الوعي العفوي بطبيعة الضرورات الاقتصادية والاجتماعية بالتالي السياسية الضامنة لمسار البناء والتقدم، ذلك أن الكثير من مرافق الحياة الاقتصادية في الإقليم تعتمد على بقية السوق العراقية:
- في المقدمة حجم السياحة من قبل ارجاء العراق إلى سفوح كردستان العراق. بكل ما يعنيه من موارد للخدمات السياحية القائمة والمنظورة، بجانب تسويق محلي قريب للكثير من منتجات الإقليم الزراعية لتغذية الحشد الكبير من اخوتهم السواح.
- كانت وستظل السوق العراقية الأقرب والاقل كلفة في تسويق غالبية منتجات الإقليم، بدون رسوم كمركية ولا معرقلات إدارية، بجانب ما توفره الدولة من منافذ اقتصادية، لعل مشروع طريق التنمية واحد من معالمها الواعدة الرئيسة.
- إن الوشائج التاريخية بين كرد العراق وبقية مكونات الإقليم عميقة، بحكم التعاملات السائدة حتى قبل قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1920. وهي وشائج صاغت مشتركات نفسية واجتماعية راسخة، بحكم شريان الاقتصاد وطريق المرور عبر سهول الرافدين إلى بقية العالم.
- بجانب طبيعة المعتقد الديني المشترك بين العراقيين جميعاً، ضمنهم الكرد، الاسلام، بغض النظر عن أي تخندق طائفي، حيث المشتركات تجسد عمق الدعوة إلى سلطة وطنية رشيدة تضمن حقوق المواطنين.
- إن خبرتكم السياسية المبكرة، جعلتكم تكتبون عن هاجس لازمكم أيام القتال ضد الحكومة العراقية بزعامة عبد الكريم قاسم ومشاعر التحفظ بشأن جدوى حمل السلاح في حينه ضد سلطة شخصت شراكة الكرد في الوطن، وهو القتال الذي اودى بكل العراقيين، دون قصد من قبل زعامة والدكم، ضمن عوامل أخرى، إلى منزلق التمهيد لمجيء سلطة 8 شباط الدموية. فالقتال ضد الزعيم عبد الكريم لم يؤدِ إلى ضمان حقوق الكرد المشروعة، إنما قاد إلى مذبحة لم تستثنِ الكرد. وهو المخطط الذي كانت تقف خلفه المصالح الامبريالية في نهب ثروات العراق والمنطقة، في مقدمتها شركات النفط الكبرى التي استهدفت وآد قانون رقم 80 لسنة 1961.
- إن خبرتكم السياسية المتراكمة، وتاريخ نضال كردستان وبقية الشعب العراقي، تستدعي تجسيد الوعي بحقيقة أن الغرب، ضمنه واشنطن وباريس وحاميتهم المتقدمة في المنطقة إسرائيل، ليسوا معنيين بالديمقراطية وحقوق الشعوب، إنما هم يسعون لتوظيف أي حراك لمنع اتحاد قوى حركة التحرر الوطني في امتلاك الثروات الوطنية وبناء اقتصادات وطنية منتجة، وليس مجرد مناطق تصدير الخامات واستهلاك منتجات صناعات وزراعة الدول المتقدمة.
سيادة الرئيس،
لكردستان العراق روابط وثيقة اقوى حتى من الروابط التي تشدها بالكرد في تركيا وإيران وسوريا، وهي روابط يمكن البناء عليها بحنكتكم وبقية القيادات العراقية، ليكون العراق والإقليم قوة جذب لإقامة إقليم تعاون عراقي عربي تركي إيراني وبقية المنطقة، لتكوين قوة اقتصادية متنوعة الموارد، قادرة على أنتاج وتسويق منتجاتها، الزراعية والصناعية، بما يواجه هجمة قوى إنتاج العولمة المتقدمة، التي تخنق فرص بناء اية اقتصادات تسعى إلى انهاء اعتمادها على ريع تصدير الخامات. والخطوة الأولى هي إقامة دولة المواطنة في العراق أولاً.
اهلاً بسيادتكم في عاصمة وطنكم العراق، وعسى يكون واضحاً ان النفط العراقي الذي ساهم بأكبر قدر في تطوير الإقليم، يمكن تضافره مع موارد الإقليم من الخامات مع بقية موارد العراق، ليكون الفرصة الأمثل لتحقيق طموحات الكرد، ضمن الطموحات الوطنية العراقية، وستظل مخططات اضعاف الدولة العراقية هدفاً لقوى دولية طامعة تريد الاستفراد بالأطراف المشتتة.
واسمح لي بترديد "هربجي كرد وعرب رمز النضال"...عسى نواصل مسيرة بناء وليس منازعات يتضرر فيها العرب والكرد وبقية العراقيين جميعاً.