علي الشرع
كل من كان يتصور محمد شياع السوداني على أنه رجل دولة وعاقل فتصوره هذا ذهب ادراج الرياح بعد ان خرج اجتماعه الاخير بإعلان مفاده تطبيق توقيتات الدوام الجديد بعد عطلة عيد الفطر. وها هي قد انتهت عطلة العيد، والإصرار لازال موجوداً عليه لدى الحكومة، فهذا اليوم الاحد سيتم تطبيق القرار الكارثة حيث أنه لا يستهدف سوى حل مشكلة واحدة وهي مشكلة الزحام المروري التي هي مشكلة آنية لا تؤثر على لا الإنتاج ولا الإنتاجية ولا على رفاهية المواطن مقابل مشاكل متعددة سيولدها توقيتات الدوام الجديد ونتائج وخيمة ستنجم عنه حيث سيزيد من وضع أداء القطاع العام المترهل سوءاً ويغطسه في الحضيض. ولنأخذ التوقيت الخاص بالتعليم العالي مثالاً على ذلك باعتباره نموذجاً صارخاً للحمق كون التعليم العالي يتأخر دوامه ساعتين عن بداية التوقيت العادي ويتأخر ساعتين عن نهايته فيبدأ من الساعة 10 صباحاً وينتهي عند الساعة 4 مساءً.
والمشكلة التي غابت عن ذهن السوداني ومن اشار عليه بهذه المشورة الحمقاء هو ان هناك دواماً مسائياً يدر اموالاً ضخمة لصناديق التعليم العالي (للكليات والجامعات) سيبدأ متأخراً وينتهي متأخراً، قسم من هؤلاء هم موظفون، وإن لم يكونوا موظفين فأن تأخير الدوام بعد الساعة الرابعة مساء سيؤدي الى انخفاض المستوى العلمي المتدني أصلا وسيكون وقعه على الاناث اكثر من الذكور حيث سيدفعهن هذا الى الانسحاب من الدراسة مما يفوت الفرصة ليس في خسارة الأموال التي تدفع لصناديق التعليم بل على الاناث وحرمانهن من الحصول على التعليم العالي الذي يمكن ان يساهم في رفع مستواهن الثقافي ويحسن وضعهن المالي ويزيد من فرص حصولهن على عمل.
واذا خطر ببال السوداني ان اتخاذ مثل هكذا قرار أنه سيساعد الموظفات بطبخ المرق والتمن واعداد الغداء قبل خروجهن من المنزل في الصباح (قبل الساعة العاشرة) في حين لم تكن هذه الفرصة متاحة لهن قبل اصدار وتنفيذ مثل هكذا قرار فهن كن يخرجن مبكرا من البيت ( الساعة السادسة او السابعة حسب بعد المسافة)، ولهذا كن يعتمدن على الطعام المعد قبل ليلة (البايت) يقدمنه لازواجهن والعائلة، الامر الذي كان يسبب مشاكل للعوائل فيكثر الطلاق وتتشتت الاسرة ويزيد من عدد الأطفال المتسربين من المدارس والمنتحرين والمتعاطين للمخدرات. فاذا كان هذا هو هدف هذا القرار فقد أصاب وجاء في محله وسيتم إعادة لم شمل الاسر وتنتهي المعاناة وستقل نسب تعاطي المخدرات في المجتمع وسيتناول الازواج طعاما تم اعداده في نفس اليوم (اقل سوءاً من البايت) وسيشعر الجميع بالسعادة وسيرتفع مؤشر السعادة في مجتمعنا التعبان. نعم هناك حالة واحدة قد تكون مفيدة لتطبيق هذا القرار لم يفطن لها حتى السوداني نفسه وهي ان الجلوس المتأخر من النوم سيكون مفيدأ للعازبات من النساء اللواتي مضى على تعيينهن في مؤسسات القطاع مثلاً اكثر من 12 سنة وذبلت وجوهن وصار شاحباً من الجلوس المبكر فيحاولن معالجته وإخفاء شحوبه من خلال استخدام مساحيق التجميل -المكياج- ( المتزوجات يفعلن ذلك أيضا ذلك، فقد اصحبت ظاهرة منتشرة وصلت لجميع اعمار البنات حتى في المرحلة المتوسطة بسبب المحاكاة) لكن إن حدث وقررن الزواج عندما تتاح لهن الفرصة المناسبة بالاقتران برجل مناسب فهن سيقعن أيضا وينقعن في متلازمة التمن والمرق وستخرب حياتهن الجديدة بسبب توقيتات الدوام الجديد.
والسؤال هو الم يفكر السوداني هو ومستشاروه للحظة واحدة ان فوائد مثل هكذا إقرار هي اقل بكثير من منافعه بل ليس له سوى منفعة واحدة فقط وهي تقليل الزحام في الشارع اما مساوئه فعيدة ومنها ذلك الملل الذي سيصيب الموظفين الناجم من تمديد الدوام بهذا الشكل الغريب حيت لا ينتفعون من التأخير في ابتداء الدوام وسيتضررون من تمديد نهاية الدوام ساعتين وهو ما يحرمهم من التفاعل الاجتماعي الذي سيعيد لهم النشاط والقوة عندما يبدأ الدوام في يوم جديد، وهذا الملل سيقود الى التذمر وهبوط انتاجيتهم الهابطة اصلاً وسيحدث التشنج مع الإدارات وسيكثر طلب الاجازات ويزداد التسرب من العمل فنكون خلقنا وضعا مزريا لا يمكن معالجته بسهولة حيث سيؤثر ذلك من دون شك على تغيير نمط سلوك الموظف باتجاهات غير مرغوبة.
وكان الاسهل على السوداني لو رجع الى تطبيق نظام الزوجي والفردي للسيارات فلا ضرر فيه الا على شريحة واحدة وليوم واحد فقط وهم أصحاب المركبات ( اترك جانبا التلوث والضجيج والتأخير عن الدوام فهي حجج واهية لا قيمة لها فما تطلقه المولدات من التلوث اكبر من ما تطلقه المركبات العالقة في الزحام، كما انه ليس كل الموظفين معرضين للتأخير) او يزيد من استخدام خطوط النقل العام عبر الباصات، بينما الضرر الذي سيلحق بالتعليم والموظفين فيه فهو كبير وشامل حيث سيصيب شرائح متعددة من التدريسيين الى الموظفين والطلبة انفسهم بل ونوعية التعليم وهو المهم.
ان التراجع عن تطبيق هذا القرار سيكون حكيماً من دون الحاجة الى التجريب وتقييم هذه التجربة اذا كانت نتائج هذه التجربة معلومة، فيكون من الحمق تماماً ان نعلم نتيجة الشيء المضر ثم نجربه. لقد كان من الاجدر بالحكومة ان تستطلع اراء العاملين في المؤسسات العامة قبل الاقدام على تبني مثل هكذا قرار مادام ضرره يفوق نفعه. فحكومة الخدمات لا يمكن ان تهتم بالخدمات وتنسى المواطن نفسه والالام والاذى الذي يسببه مثل هكذا توقيت غريب للدوام، فهو وإن نجح في بلاد أخرى فلا ينجح عندنا بسبب اختلاف العادات والارث المؤلم من القهر الذي سببه النظام السابق الذي جعل المواطن يكره القيود غير الضرورية مثل توقيت الدوام هذا ويجعله ينفر من الحكومة والامتثال لقراراتها في المستقبل وسيقل دعمه لها وسيضعف دفاعه عن النظام السياسي، وسيضع النظام السياسي الحالي مع النظام السابق في سلة واحدة.
ان على السوداني التراجع عن تطبيق هذا القرار الاحمق ولم يزل هناك متسع من الوقت للتراجع عنه والا سيضعه في خانة السياسيين الحمقى الذي افرزته الدكتاتورية،
ان من سوء حظ العراقيين، اننا لم نصل بعد الى وقت بزوغ فجر رجال قادرين على قيادة العراق واخراجه من محنته يستمعون القول فيتبعون احسنه اما هؤلاء الموجودين في السلطة فليسوا مؤهلين لقيادته.