علي الشرع
يدور جدل بين العراقيين حول سلامة سياسة السوداني إزاء القصف المتبادل بين ايران وإسرائيل المنتهك للأجواء العراقية، ومن المحتمل ان معظم العراقيين يؤيدون هذه السياسة كوننا لم نشهد احداً تظاهر ضدها. ولكن قبول الناس لهذه السياسة لا يعني انها صحيحة او مناسبة للعراق؛ لأن هذه السياسة ستكون مدخلاً لعدم احترام الشعب العراقي، وتعريضه للذل امام الشعوب، وسيقولون العراقيين شعب كريم لكنه اصبح جباناً بعد أن تمكنت الثقافة الغربية من خلال التك توك والفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي من التغلغل فيه والقضاء على اباءه.
ومهما كانت الاعذار التي قد يسوّقها السوداني للشعب العراقي تلميحاً او تصريحاً بعد ان فضحه مستشاره السياسي في الفضائيات، فأن سياسة السوداني في موضوع انتهاك سيادة العراق واجوائه قد جلبت له فعلاً الذل والهوان وليس للعراقيين فقط، وكان من الاجدر ان تخرج مظاهرات رافضة لهذه الانتهاكات حتى تلقي المسؤولية كاملة على السوداني. فالعراقيون قد اوكلوا له مهمة إدارة البلد، وهو لم تكن له رؤية واضحة وجاهزة لكيفية التعامل مع الازمات التي تهز المنطقة، ولم يسعفه في هذا الامر لا فيلق مستشاريه ولا مظلته من قادة الاطار كونهم نظروا الى الازمات بعين واحدة من خلال منظار المحافظة على السلطة لا اكثر، ومن تقلصت الاعتبارات عنده لتركز على جانب واحد مادي سيسهل عليه تقديم التنازلات.
وعذر السوداني الذي يختبأ وراءه هو: أنه مثلما سمح لأيران ان تضرب إسرائيل مرتين من خلال المرور بالاجواء العراقية، فقد سمح لإسرائيل ان تضربها بالمقابل من خلال الأجواء العراقية. والمبدأ الذي يرتكز عليه هذا العذر هو تجنيب العراق الدخول في الحرب بشكل مباشر. وماذا سيحدث اذا منع ايران رسمياً باعتبارها اول من بادر لقصف إسرائيل عبر أجواء العراق (وإن كانت إسرائيل هي المعتدية عليها)؟ لن يحدث شيء، سوف تقصف ايران إسرائيل من خلال أجواء العراق، وسيكون للسوداني حينها عذر لنفسه وامام العراقيين وسيوجه اللوم الى امريكا التي يرتبط معها باتفاقيات امنية، فهم الذين حرموا العراق من الحصول على أسلحة تجعله مستقلاً في الدفاع عن نفسه، كما لم يقوموا بالمساعدة في اصلاح منظومة الكهرباء حتى لا نحتاج لا الى استيراد الغاز الإيراني ولا الطاقة الكهربائية منها. فضلاً عن أن العراق لا يرتبط باتفاقية امنية استراتيجية مع ايران مثل تلك التي تربطنا مع امريكا، ومع ذلك فإسرائيل قد قصفت ايران من أجواء العراق تحت رعاية أمريكية التي تربطنا معها اتفاقية استراتيجية امنية للدفاع المشترك عن حدودنا، وهذا يعني انها ساعدت على انتهاك أجواء العراق وليس حمايته، وقد تزعم أمريكا انها وفّت في تنفيذها الاتفاقية الأمنية حيث انها لم تسمح لإسرائيل في قصف الفصائل المسلحة العراقية، ولكن على العراق ان يدفع ثمن ذلك من خلال السماح لاسرائيل باستخدام اجواءه. والاعتقاد هو أن هذا الانتهاك لم يحصل دون اتفاق مع أمريكا يتضمن سكوت الفصائل عن محاولة منع ضرب ايران من أجواء العراق او ضربها هي، وهذا الاتفاق كما يبدو قد جرى بعلم الفصائل؛ لأنه لا صياح ولا صراخ ولا تهديد للسوداني قد علا منهم، وهذه خيانة لإيران الداعمة لهم، بل الأشد من هذا هو أنتهاك لأجواء العراق قد جرى بعلم الجميع: السوادني واطاره والفصائل.
ووصل الامر الى درجة من الاستهزاء بالعراق أن الاطراف المتصارعة لم تنسق مع السوداني في استخدام أجواء العراق، على الأقل من باب احترام البلد الواقع في وسط المعمعة وليس اخذ الاذن من حكومته، فصار حال العراق مثل صاحب الدار الذي يمر الجميع من فناء داره وهو ينظر بعينيه مطأطأ رأسه ذليلاً لا يمكنه منعهم. فالمعادلة التي تبناها السوداني هو ان يطأطأ رأسه مقابل الحفاظ على رأسه في مكانه لكنه لم يذل نفسه فقط فهذا خياره ان أراد ذلك لكنه اذل العراقيين معه. ففي حين قام العراقيين بخطوات سبقوا غيرهم بها فدعموا النازحين في الداخل اللبناني والقادمين الى العراق اذا به يدمر كل هذه الجهود ويذهب الفخر ادراج الرياح لاسيما بعد ان هلّ مستشاره السياسي العبقري في الفضائيات منكراً مرور الطائرات الاسرائيلية من الأجواء العراقية مع أنه من الناحية العملية لا يمكن ان نتصور ممر اخر لها غير الأجواء العراقية. لكن الحكومة خرجت بعد صمت مريب أرادوا منه ان تمر فترة زمنية فيه تنسى الناس الحادثة لتقدم شكوى ضد إسرائيل لانتهاكها الأجواء العراقية. ولماذا الشكوى ضد إسرائيل فقط؟ الا تعاتب الحكومة داعمها وحاميها وحامية العراق أيضا وهو الولايات المتحدة، وتناقشهم عن جدوى بقاءهم في العراق اذا كانوا يقفون مع خصومه!؟ أن أمريكا لم تنفذ الاتفاقية بحسب مصلحة العراق، وعليها ان تغادرنا، فهي بوجودها تسبب لنا مشاكل كثيرة وافقدتنا السيطرة على ادارة شؤونا وتخلق عدم الاستقرار والتوتر في المنطقة.
ولعل الحجة الوحيدة في يد السوداني هو أنه اذا أراد تفعيل الاتفاقية الامنية مع أمريكا سوف تضرب أمريكا ايران، ويكون بذلك استعدى على بلد نصر العراقيين في زمن الطاغية وداعش واواهم لفترة طويلة، فكانت السياسة ازاء هذا الوضع المعقد هو أن يسمح لإيران ان تضرب إسرائيل وأن تدافع عن نفسها في حال ضربتها إسرائيل من خلال الاجواء العراقية. فهذه السياسة تتبع نوع من الحياد الغريب وهو الحياد السلبي الذي يعني انك لا تشارك بالحرب فعلياً بل تكون ساحة للمعركة فقط!
ولدى السوداني اختبار قادم، وهو في موقف ضعيف في كيفية التعامل مع هذه المعضلة. فاذا تمكن من حث أمريكا للوقوف على الحياد وعدم مساعدة إسرائيل في ضرب ايران -كون العراق لديه اتفاقية امنية مع الولايات المتحدة- فليترك ايران وإسرائيل يتضاربا بشكل عادل، وفي نفس الوقت عليه القيام بتحشيد اتباع الحكومة للتظاهر ضد الانتهاكات لاجواءه، وهذا هو اقصى ما يمكنه فعله، إن تمكن من فعله. فعلى الأقل سيظهر امام العالم ان الحكومة رافضة للانتهاكات، ولكنها مغلوبة عل امرها.