بغداد ـ العالم
واجهت جنان أكرم (30 عاماً) طوال مشوارها تحديات التلعثم والتأتأة في الكلام، لم يكن الأمر سهلاً معها، أن تعيش بتأتأة وتخوف من النطق أو الحديث العابر العام مع فرد أو وسط مجموعة، كل شيء كان مرعباً بالنسبة لها، أن تنطق بحرف، وتخشى تكملة جملته، لكنها حولت حربها هذه الى نجاح بإنشاء مشروع شخصي خاص بها لمحاربة مشكلة التأتأة وتمكنت من النصر. وانشأت جنان مشروعاً لمحاربة التأتأة، من خلال إقامة الورش التعليمية، فتبدأ بخطوات مثل: كيفية وضع القلم بين أسنان المتلعثمين والتحدث بثقة. وتشارك جنان تجربتها الشخصية مع التلعثم، حيث تذكر كيف تعرضت لصدمة عندما كانت في التاسعة من عمرها، مما أدى إلى فقدانها القدرة على التحدث وعزل نفسها لمدة ثلاثة أيام. بعد جهود مضنية لاستعادة قدرتها على التحدث، اكتشفت أنها لا تستطيع إكمال جملة واحدة دون تلعثم، وتكمل بحديثها قائلة:
"التأتأة حالة تؤثر بشكل سلبي على حياة الأفراد وتجبرهم على العيش في الظلام إذا لم يتعاملوا معها بشكل فعال، وخلال تدريبي للمتدربين في ورشي، كنت أؤكد لهم، أننا لسنا وحدنا الذين نعيش هذه الحالة، بل أنها شائعة جداً في الحياة، ولكن الآخرين غير قادرين على تفهم هذا الموضوع مما يجعلهم يسخرون من المتلعثم ويحيلون حياته جحيماً".
حينما كانت جنان صغيرة، لم تكن تدرك ما هي صعوبة النطق والتلعثم، وما إذا كانت وحدها من تعاني من هذه المشكلة أم أنها مشكلة شائعة بين البشر. ومع مرور الزمن، أصبحت كلماتها مصدراً للضحك والسخرية من قبل الأطفال، مما جعلها تدرك أن ما تواجهه ليس أمراً طبيعياً، فعاشت بانعزال شديد. ولم تستطع بناء صداقات أو المشاركة في ألعاب الأطفال، وتجنبت التحدث خوفاً من التعرض لمواقف محرجة. هذا الوضع جعلها تشعر بالضعف والخوف دائماً.
تقول جنان: "كنت ألجأ إلى العزلة والبكاء تحت المقعد في المدرسة، لأنني كنت أعيش في عذاب متواصل، وكنت محتارة حيال كيفية التخلص منه. حتى خلال سنوات الجامعة، استمرت معي هذه المشكلة."
تتذكر جنان أيضاً محاولات أفراد أسرتها لمساعدتها، ولكن دون جدوى. حينما يراها تتلعثم أمام أفراد عائلتها، يحاولون مساعدتها بطرقهم الخاصة، محاولين إيجاد حل لمشكلتها.
تضيف جنان: "كلما تلعثمت أمامهم، كانوا يحاولون إثارة هلعي وخوفي، على أمل أن يتخلصوا من هذه الحالة عن طريق الترهيب، لكنهم لم يدركوا أن هذا الأمر لم يجد نفعاً، كلما زادوا في تجريحي وسخريتهم مني".
بدأت جنان بالتمارين والجهد الجاد للتخلص من هذه الصعوبة. تحدثت عن كيفية قراءتها للنصوص والقصائد لنفسها وكيف كانت تحاول تقليل وقت القراءة لتجعلها أقصر من ثلاث ساعات. تركزت جهودها على تخطي هذا العائق الذي جعلها ترفض نفسها بالكامل وتشعر بالعزلة، تقول: "كنت أخشى أن يسألني أحدهم شيئاً ما وأشعر بأنني أرغب في البكاء لأنني لا أستطيع نطقه".
بعد تخرجها من معهد التقنية بتخصص المعلومات والمكتبات. قررت الانضمام إلى كلية الفارابي لتخصص الإعلام والصحافة الإذاعية والتلفزيونية، حيث رأت أن هذا التخصص يمكن أن يساعدها على تخطي التلعثم بسبب ارتباطه بالصوت.
جاءت فكرة مشروع محاربة التأتأة لجنان، بعد أن قدمت ورشة عمل لمدة 3 أشهر في إحدى المدارس الإعدادية. كانت المحاضرة الأولى في حياتها تجربة صعبة جداً بالنسبة لها، حيث كانت تتلعثم طوال الوقت وتشعر بالخوف من نظرات الطلاب وكانت الورشة علمية وتتطلب قول مفردات ومصطلحات علمية. ومن خلال هذه الورشة، اكتشفت وجود بعض الأشخاص الذين يعانون من نفس مشكلتها. أحد هؤلاء الأشخاص كان يرفض النطق وكان هذا اللقاء هو ما دفعها لبدء مشروعها، وتكمل بحديثها لوكالة الأنباء العراقية قائلة: "هدفت من خلال مشروعي "محاربة التأتأة" إلى تمكين الأشخاص الذين يعانون من التأتأة والانعزال، وجعل أصواتهم مسموعة في المجتمع. أسعى إلى وقف التنمر والضحك على هؤلاء الأشخاص واستخدامهم كموضوع للسخرية في الحياة اليومية وحتى في وسائل الإعلام.