شباب اكثر مما ينبغي!
19-أيلول-2023
عامر بدر حسون
شكّل الفنان حميد حساني مع الفنان اديب القليجي والفنان الشاعر صادق الصائغ ثلاثيا ساحرا بالنسبة لي في العام 2012. فهذه النسور او الخيول الهرمة عادت الى العراق في موجة حنين، او متابعة لمعاملة تقاعد، فلم يحتضنهم في بغداد سوى فندق متواضع في البتاوين.
حميد كان قادما من اسبانيا واديب من بلغاريا وصادق من لندن وانا من الشام. كنت أصغرهم يومها (62 عاما) وكانوا حين يتداولون ذكرياتهم اعيش اعمارهم وذكرياتهم بلذة وشغف!
لقد اكتملت شخصياتهم وقناعاتهم وتجاربهم ونجاحهم وفشلهم، ولم يعد بالإمكان اخذ احد منهم لتغيير رايه.. وخصوصا من "الجيل الصاعد" المتمثل بي! لكنهم رغم ذلك كانوا اكثر حيوية ومرحا من اية مجموعة شبابية حتى انني كنت اسميهم سرا "الثلاثي المرح" اذ لا حديث امتع من حديث صادق الصائغ ولا ذكريات ونكات امتع من ذكريات اديب القليجي، ولا مشاريع مؤجلة ومحبطة وكبيرة مثل مشاريع حميد حساني الفنية.
كنت المستفيد الاكبر من تلك الصحبة الرائعة. وكانت لدينا جولات يومية في البتاوين حيث خلطة الحياة تتجلى بأروع صورها، وحيث المنطقة صارت تعرفنا بمعاطفنا واناقتنا الاوروبية ووجوه الثلاثي المرح الموحية بعظمة سابقة! كنا معروفين عند اصحاب المطاعم والمقاهي المجاورة لفندقنا في البتاوين بوجباتنا المميزة والصحية واصرارنا على مزيد من النظافة.
كان حميد حساني هو المرجع في معرفة اين صادق واين اديب واين عامر ومتى يعود الواحد منهم وكان دائم الاتصال بنا ليطمئن علينا، مثل ام تطمئن على اولادها، اضافة الى انه كان مسؤول قسم الطواريء في تلك المجموعة. فعندما مرض الفنان اديب القليجي تصرف كمسعف محترف ونقله الى المستشفى بعد ان اتصل بنقيب الفنانين واحضره للفندق.
كانوا شبابا اكثر مما ينبغي! في الواقع كانوا مشغولين اكثر مني في التخطيط للمستقبل! ولم يكن يعيق هذا "المستقبل" سوى موظف فاسد يحاول الانتقام منهم بتأخير معاملاتهم وعرقلتها دون سبب واضح سوى السادية الشائعة عند غالبية موظفي الدولة!
كان اديب القليجي انجز كتابه الاول عن تاريخ المسرح العراقي ويستعد للثاني، وصادق الصائغ يفكر في اقامة معرض للخط العربي الممزوج بطريقته اللونية والتكوينية والتعبيرية الباهرة..
اما حميد حساني فقد كان يتحين اية فرصة ليحدثني، بجدية وتخصص (باعتباري كاتب سيناريو سابق) عن سيناريوهاته التي (ينوي) كتابتها وانتاجها بالتعاون بين العراق واسبانيا.. والتي لم يجد من يصغي لها في العراق وربما في اسبانيا ايضا!
وكنت اتعلم واستمتع في كل لحظة بتلك الصحبة التي سعى لها حميد حساني عندما شجعنا على الاقامة في ذلك الفندق!
اصحاب الفندق كانوا في غاية التقدير واللطف معنا، وعاملوا جماعتي باعتبارهم من نوادر الرجال الذين يتمتعون باللطف والرقي القديم.
وكانت نشوة "الثلاثي الرائع" تبلغ ذروتها يوم الجمعة اذ نخرج مجتمعين في الغالب الى شارع المتنبي وهناك نتوزع على معارفنا ونبحث عمن يتذكرنا!
وفي النهاية نعود لنستعرض في بهو الفندق ما اشتريناه من كتب (قراناها سابقا في شبابنا في الغالب). كان حميد حساني يتصل بي من اسبانيا الى دمشق.. وصار يتصل بي من اسبانيا الى بغداد واغلب احاديثه كانت عن مشاريعه المستقبلية. فبهذا كان يطرد وحشة العمر والمنفى والخسارة!
لم نتحدث يوما عن الموت واحتمالاته، فما زال العراق مدينا لهم على ما قدموه: لقد دخلوا سجون الحكومات العراقية وذاقوا مرارة المنفى لعقود في زمن البعث وقضوا العمر في الحلم ببغداد واهلها. لكنهم في النهاية لم يجدوا مكانا لهم غير ذلك الفندق المتواضع في البتاوين! وفجأة مات حميد حساني!
هذا قطع غريب ومؤلم في سيناريو لم يفكر به حتى حميد حساني.
وفجأة لحقه اديب القليجي! وعاد صادق الصايغ الى لندن هاربا من مصائر ومتاعب العراق.. وبقيت وحدي! ولقد كبرنا على الندب والبكاء ايها الصحاب.. لكن: لكم عليّ ان امر بشارع المشجر في البتاوين واجلس في تلك المطاعم والمقاهي وانتظر ان يسالني احد عمالها عنكم، فاقول له:
حميد مات واديب مات وصادق هرب وانا ما زلت انتظر، فيتأسف ويعزيني!
ولا شيء اكثر من هذا!
وسأسعى بعناد للحصول على تلك التعزية.. فتلك حصتكما، وربما حصتنا في مشوارنا الحزين!
الأمن الوطني يعلن تفكيك إحدى أخطر شبكات تجارة المخدرات والتهريب
18-أيار-2024
مكتب السوداني: جسر "غزة" من أهم المشاريع لتنظم حركة النقل بين بغداد والمحافظات القريبة
18-أيار-2024
محافظة بغداد: خطة لتنفيذ 40 مشروعاً بأطراف العاصمة
18-أيار-2024
العراق وتركيا يبحثان تطوير البرامج الدراسية المتبادلة بين البلدين
18-أيار-2024
الصحة تحيل إدارة المستشفيات الحديثة من قبل الشركات المتخصصة
18-أيار-2024
بموافقة العراق.. تركيا تحضّر لهجوم بري واسع والهدف السليمانية
18-أيار-2024
البرلمان يفشل في اختيار الرئيس.. الكتل تبحث تأجيل جلسة التصويت
18-أيار-2024
أبو ذر الغفاري.. السهم الاشتراكي
18-أيار-2024
مانشستر سيتي يسعى لكتابة التاريخ بلقب رابع تواليا في البريميرليغ
18-أيار-2024
فوزي كريم.. الهادئُ الذي مرّ بنا فشذّبنا
18-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech