طبقا لتقارير أجنبية.. إهمال الشركات النفطية يفاقم الكارثة البيئية في البصرة...!!!
5-تموز-2023
د. علي غالب بابان*
بات الشأن العراقي وخصوصا في ما يتعلق بكارثة الجفاف وانحسار دجلة والفرات بندا شبه ثابت في الصحف العالمية.. وصار للتقارير الدولية المعنية بهذه الموضوعات مساحة متزايدة من الاهتمام في الإعلام الخارجي، وبقدر يفوق ما يوليه الاعلام المحلي وهي مفارقة مؤسفة ومؤشر على تراجع الوعي الاجتماعي وتعاظم الغفلة تجاه تطورات خطيرة ليس من المبالغة القول إنها ستحدد مسارات المستقبل في بلادنا وترسم ملامحه.
صرنا كل يوم نفتح أعيننا على تقرير هنا وتحذير هناك... صور للأقمار الصناعية تكشف المأساة وتوثقها.. وإفادات لأفراد ومجتمعات من ارض الرافدين تصحرت أراضيهم وفقدوا مصدر رزقهم، وبان الشحوب والهزال على أجسامهم المعتلة.
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت في الثالث من يونيو الجاري تقريرا بعنوان ((تفاقم أزمة المياه في الجنوب الذي يضربه الجفاف.... القاء اللوم على إزدهار النفط في العراق)).
إحتوى التقرير (من وجهة نظري) على معلومات هامة ومؤشرات خطيرة عن إهمال الشركات النفطية العاملة في البصرة للبعد البيئي ما أدى الى تفاقم الكارثة التي تعيشها البصرة منذ عدة عقود والتي تنذر بتحولها الى ازمة انسانية واجتماعية مزمنة.
كتب التقرير كل من (سارة مانسييرا) و(دانييلا سالا) وشارك في التغطية (عصام السوداني) وتم انتاج هذا التقرير بتمويل من (صندوق الصحافة في اوروبا).
أحاول الاستشهاد بنصوص من هذا التقرير واضعا كل نص من نصوصه بين قوسين لتمييزها عما يرد في سطورنا هذه من تعليقات أو إستطرادات إضافية.
يتحدث التقرير عن مواطن عراقي (مهدي مطير) 57 عاما يشير بيديه الى أحد المواقع ((إنها محطة المياه التي بنتها الشركة الايطالية ...إنهم بحاجة للمياه لحقولهم النفطية .... مشيرا الى الدخان الأسود المتصاعد من حقل الزبير النفطي في الافق)).
يبدأ التقرير بهذه الخلاصة....
((تعمل شركات النفط الغربية على تفاقم نقص المياه والتسبب في تلوث العراق في الوقت الذي تتسابق فيه لتحقيق الربح من ارتفاع اسعار النفط)).
((ادت ندرة المياه بالفعل الى نزوح الآلاف وزادت من عدم الاستقرار وفقا للخبراء الدوليين.. بينما يعتبر العراق الان خامس دولة معرضة لأزمة المناخ من قبل الامم المتحدة. ففي الجنوب الغني بالنفط ـ لكنه جاف للغاية ـ اصبحت الأراضي الرطبة التي كانت تغذي مجتمعات بأكملها الآن قنوات موحلة ...!!)).
((للمساعدة في استخراج النفط تضخ الشركات كميات كبيرة من المياه في باطن الارض.. مقابل كل برميل من النفط يتم تصدير الكثير منه لاحقا الى اوروبا سيتم ضخ ما يصل الى ثلاثة براميل من المياه في الارض.. مع ارتفاع صادرات النفط العراقية انخفضت مياه (البصرة والجنوب) بشكل كبير)).
((يظهر تحليل صور الاقمار الصناعية كيف تم خلال العام الماضي بناء سد صغير قامت شركة ايني الايطالية ببنائه لتحويل المياه من قناة البصرة الى قنواتها.. محطة شركة ايني لمعالجة المياه تمنع الفيضانات الموسمية للمنطقة التي اعتاد (مهدي مطير وهو احد صيادي المنطقة الذي يصف التقرير معاناته مع صيد الاسماك)).
((مصنع اخر قريب لمعالجة المياه يستخدم من قبل شركتي بي بي وإكسون موبيل يمثل ربع إستهلاك المياه اليومي في منطقة يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة ملايين شخص ...)).
((توجد محطة كرمة علي على بعد خمسة اميال من مصنع إيني والتي يتم تشغيلها من قبل Rumaila operating organisation
ROO والتي تتالف من شركة بريتش بتروليوم وشركة بترو تشاينا وشركة نفط الجنوب العراقية.. تاتي المياه الى المحطة مباشرة من قناة عبد الله التي تعيد توجيه المياه العذبة من نهر قبل ان تصل الى شط العرب والنهر المتكون من التقاء دجلة والفرات مصدر المياه الرئيسي في البصرة...)).
يضيف التقرير ((قالت إيني في بيان إن الشركة لم تستخدم مياه عذبة لأن المياه من القنوات مالحة وملوثة، وبالتالي فهي لا تتنافس مع الاستخدامات الاخرى.. لكن صحيفة الغارديان رأت على الأرض، وفي صور الاقمار الصناعية كيف أن المياه من القنوات التي تغذي كرمة علي ومحطة إيني قيد الإنشاء في الخورة، تندمج على بضعة كيلومترات جنوب المحطتين في محطة عامة لمعالجة المياه، توفر خمسة وثلاثين بالمائة من المياه التي تستخدمها الاسر في البصرة)).
ويشير التقريرالى ((لقد تم توثيق ازمة المياه الوشيكة في العراق بشكل جيد.. في عام 2010 ذكرت ادارة معلومات الطاقة الامريكية EIA ان احتياجات البلاد من المياه لاستخراج النفط ستزيد عشرة اضعاف، وقالت انه بدون البدائل يجب ان تاتي المياه من طبقات المياه الجوفية المحلية، والتي من شأنها أن تتنافس بشكل مباشر مع احتياجات الزراعة والاستهلاك)).
وهنا يتطرق الى تجربة المملكة العربية السعودية في هذا المجال ((البدائل موجودة في المملكة العربية السعودية جارة العراق التي تعاني من مشاكل مائية مماثلة وثالث اكبر احتياطي نفطي في العالم حيث تؤخذ المياه المخصصة للحقن من البحر.. في العراق كانت المناقشات حول إنشاء مشروع لتزويد مياه البحر جارية منذ اكثر من عقد ولكن لم يتم فعل اي شيء حتى الان ...!!؟؟ وشركات النفط لا تريد دفع ثمن))... طبقا لـ((روبرت ميللز)) الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة وهي شركة استشارية مستقلة.
يضيف ميللز ((بشكل عام حجم الحقن المطلوب للمياه ليس ضخما ولكن في المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي يمكن ان يتسبب ذلك في مشاكل خطيرة ..في البصرة التي تعاني من مشاكل مائية مروعة يتعين على شركات النفط من حيث المبدأ إيجاد بدائل للمياه العذبة)).
يربط التقرير بين الازمة المائية وبين اوضاع البصرة الصحية والسياسية فيذكر.. ((على الرغم من التحذيرات لم يتم عمل الكثير.. في عام 2018 أدت ازمة المياه الحادة في المدينة الى نقل 118000 شخص الى المستشفى وأدت الى إندلاع إحتجاجات عنيفة.. القى المتظاهرون قنابل حارقة على مبان حكومية وزعم ان قوات الامن ردت بالذخيرة الحية ما أسفر عن مقتل خمسة اشخاص على الأقل ..)).
ينتقل التقرير الى اوضاع العراق المالية فيذكر... ((بناء على ارقام 2019 فان العراق ضاعف انتاجه من النفط الخام خلال عقد وانتاجه تنامى منذ الغزو الروسي لاوكرانيا عام 2022 كما زاد من صادراته من النفط الى اوروبا بنسبة اربعين بالمائة)).. والتقرير يستدرك ((لكن العراق لم يشهد نموا مماثلا)) .. وقال البنك الدولي في تقرير عام 2022 ان ((مؤشرات التنمية في العراق تشبه مؤشرات البلدان منخفضة الدخل)).
ينقل التقرير عن (وليد الحامد) الذي يصفه بانه رئيس وكالة البيئة في الجنوب هذه (الخلاصة الصادمة).... ((على عكس البلدان الاخرى التي تعمل فيها فان معظم الشركات الاجنبية في العراق لا تفعل شيئا للحد من تاثيرها على تلويث البيئة.. تشرف الادارة على عمليات التفتيش على حقول النفط وتفرض عقوبات على الأضرار البيئية))... ويضيف التقرير ((في وثيقة إطلعت عليها صحيفة الغارديان كانت إيني وبي بي من بين الشركات المدرجة على أنه تم تغريمها لكن الكثير من الغرامات بحسب الحامد لم تدفع قط ....)).
ينتقل التقرير الى بعد اخر من الكارثة البيئية التي يتسبب بها اهمال شركات النفط الا وهو ((حرق الغاز)) وهنا يورد تقديرات ينبغي التثبت منها لانها (ان صحت) فانها تقدم مؤشرات في غاية الخطورة فيما يتعلق بالوضع البيئي وسلامة الناس ..!!
يكتب التقرير ما نصه ((حرق الغاز الطبيعي المرتبط باستخراج النفط هو ايضا مصدر قلق خطير .. في عام 2018 تجاوز الغاز الذي تم حرقه في دائرة نصف قطرها 70 كم من البصرة إجمالي حرق الغاز في المملكة العربية السعودية والصين وكندا والهند مجتمعين !!! ... واظهرت بيانات البنك الدولي انه تم حرق 2.5 مليار متر مكعب من الغاز في الزبير وحده العام الماضي.. على الرغم من إدعاء ايني في تقريرها السنوي لعام 2021 ان الشركة كانت مسؤولة عن أقل من نصف هذا الرقم في جميع أنحاء العالم)).
ويستطرد التقرير ((وقالت شركة إيني في بيان لها إنها على الرغم من قيادتها لاتحاد الشركات التي تعمل في حقل الزبير الا إنها ليست (المشغل) وليست لديها سيطرة على إستراتيجية الحقل ومسؤولية الحرق... وكلها تقع على شركة نفط البصرة (الشركة العراقية الوطنية المسؤولة عن النفط في جنوب البلاد) كما قالت ايني أنها غير مسؤولة عن الغرامات التي تفرضها وكالة البيئة، وأن الذي يجب ان يدفع هو شركة نفط البصرة التي تدير الحقل المعني.. وأضافت شركة إيني أن شروط العقد (تزيل صراحة أي مسؤولية عن إشعال أو حرق الغاز أو تعويض المجتمع ..!!)).
يتحدث التقرير عن شركات النفط والأرباح الهائلة التي تحققها من عملياتها حول العالم فيذكر انه ((في العام المنصرم حققت شركات النفط والغاز ارباحا قياسية غير مسبوقة: شركة إيني ضاعفت ارباحها قياسا لنتائج عام 2021 بصافي قدره 17.9 بليون باوند إسترليني، بينما بي بي واكسون وتوتال انرجيز ايضا سجلت أعلى السنوات المربحة من الأعوام الأخيرة)).
أود ان استشهد هنا بما ذكره السيد مهدي التميمي مدير مفوضية حقوق الانسان في البصرة فبعد تاكيده ان (المحافظة تعاني من عوامل مركبة للتلوث). اشار الى ان (البصرة تسجل حاليا اكثر من تسعة الاف اصابة بالسرطان سنويا ولو تم السكوت عن الوضع الحالي لخمس سنوات اخرى قادمة فان عدد الاصابات السرطانية سيتجاوز الاربعين الف اصابة سنويا).. يؤسفني القول بان هذه الارقام التي يوردها السيد التميمي ربما تكون منحفظة الى حد كبير، وان هناك حالات عديدة لا يتم تسجيلها وبصريون من مختلف الاعمار يموتون في صمت ...!
نحن اذن ازاء كارثة حقيقية تضرب الانسان والارض معا في البصرة والجنوب. كارثة صحية وبيئية في آن واحد. وأصابع الإتهام توجه الى التقصير الحكومي الفادح مع الجشع الذي لا حدود له للشركات النفطية الاجنبية ... حيث لا نصوص واضحة ملزمة في العقود النفطية المبرمة تضمن سلامة البيئة والإنسان... وإن وجدت فلا تجد من يتابعها أو يلزم الشركات بها... والشركات الاجنبية (تفضل أن تلوث البيئة على أن تدفع) و(لا تتصرف في العراق كما تتصرف في الدول الاخرى) كما يذكر التقرير .... وحيث (الأساليب الإنتاجية المتبعة لا تراعي سلامة البيئة وان وجدت هناك مشاريع بديلة فوزارة النفط لا تملك الاموال)، يحدث هذا في بلد تبلغ عائداته الشهرية من النفط في بعض الشهور تسعة او عشرة مليارات من الدولارات. اما الغاز فحكايته تطول وهناك نقص كبير في المعلومات والعراقي في حيرة من امره: هل بلده مستورد ام مصدر للغاز ...؟؟
الحديث عن مشاريع استخلاص الغاز بدلا من حرقه صارت دورية مملة، ومكررة فيما لا شيء على الارض.. في الوقت الذي يلسع الحر ظهور العراقيين ويجلدها كل يوم بسبب انقطاع واردات الغاز عن محطات الكهرباء.. الارقام التي يوردها التقرير عن حرق الغاز (مهولة) ونحن بحاجة لمختصين ليؤكدوها او ينفوها فهل من المعقول (انه في دائرة نصف قطرها 70 كم من البصرة يفوق اجمالي ما تم حرقه من الغاز مثيله في المملكة العربية السعودية والصين وكندا والهند مجتمعين...)، نتمنى بصدق ان تحتوي هذه التقديرات على شيء من المبالغة.. والا فأننا أمام هدر مالي كبير، ناهيك عن ابعاده البيئية الكارثية.. وهنا نعود الى تصريح السيد التميمي الذي يؤكد (أن هناك سحبا هائلة في البصرة من الغازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري، وتؤثر على الأرض، وتتفاعل حتى مع الامطار الساقطة على البصرة).
هل يتسرب شيء من الماء الذي يخرج من الآبار بعد انتاج النفط الى المياه المخصصة للشرب في البصرة او يختلط بها.. تلك اذن (فاجعة) بحد ذاتها وسؤال يحتاج من يجيب عليه بوضوح وشفافية.. والتقرير يلمح له ولكنه لا يصرح ... اما السطو على حصة أهل البصرة الشحيحة اصلا من المياه فانه قدر متحقق بكل تأكيد و(ثمن يرى البعض أنه يتوجب دفعه لإنتاج المزيد من النفط) ولهؤلاء نعيد ما نقله التقرير عن البنك الدولي (إن مؤشرات النمو في العراق تشبه مؤشرات البلدان منخفضة الدخل).. وبالطبع فان للارض في البصرة والجنوب نصيبا كبيرا من هذا التلوث وهو يتعلق هنا ايضا بمصير الماء المستخدم في الانتاج وكيفية التخلص منه، فالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال والتي (ينقل التقرير تجربتها) تنقله الى مناطق مخصصة لهذا الغرض تربتها مؤهلة لتخزين مثل هذه المياه وفي الحقيقة فإننا لا نملك على سبيل القطع اجابات واضحة عن سؤال: كيف يتم التخلص من الماء المستخدم مسبقا في انتاج النفط بالعراق؟
روى لي زميل في مجلس الوزراء وهو من أهل البصرة في عام 2007.. أنه تم غرس الملايين من فسائل النخيل في البصرة وكانت النتيجة انها ماتت جميعا دون ان تنجو واحدة منها!!!
في ختام هذه المقالة فانني أتساءل: هل من الضروري ان ننتظر اعلاما خارجيا كالغارديان البريطانية وصندوق دعم الصحافة الاوروبي الذي قام بتمويل الدراسة لكي يخبرونا عن ظواهر خطيرة تحدث على أرض بلادنا منذ سنوات ..!!
كلنا يتذكر العبارة الكئيبة التي كان مجتمعنا يقبع تحت إسارها سنوات الحصار (النفط مقابل الغذاء والدواء)... الواقع في البصرة ينبئ عن معادلة أكثر بؤسا وكآبة (النفط مقابل التلوث والمرض).
إنها مقايضة ظالمة ...بحق البصرة وبحق العراق كله.
• وزير التخطيط الأسبق
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech