طريق التنمية ومسؤولية التقييم
30-أيار-2023
خليل الطيار
تصاعدت مؤخرا ، وتيرة السجالات والمناوشات والتحليلات بشأن مشروع "طريق التنمية" الذي عرضته حكومة السيد السوداني بمشاركة إقليمية ودولية.
وهي نقاشات جادة لا شك، غايتها بيان منافع المشروع ومحاذيره ومقارنته بمشاريع آخرى طال السجال بشأنها.
ومهم جدا أن تنشغل النخب المتخصصة، وأهل الخبرة والمشورة بالهم الوطني، وتتحدث بصوت واضح وشفاف وحريص، وتحترم فيها الآراء كلها، على وفق هامش تغليب المصالح الوطنية العليا، بعيدا عن الانحياز السياسي والعاطفي مع ما يخطط ويفكر به صاحب القرار، أو من زاوية التقرب والتودد إليه، او من زاوية تعضيد رأيه لاسقاط فرض التكليف المهني عند الاشتغال في حلقاته التنفيذية.
صاحب القرار والمسؤول مهما كان متمكنا ووطنيا ومهنيا، سيحتاج الى المشورة الانجع، والأصدق، والاكثر مهنية من اجل تعضيد اداءه لأنه سيرحل أو يتغير يومًا ما، ويحتاج أن يترك من بعده أثرا، يحمده فيها الناس والتاريخ، لا أن يبقى تلاحقه اللعنات.
لكن الوطن باقٍ لا يرحل ولا يتغير.
هذا ما ينبغي أن نؤمن به أولا، وبموجب هذه الحقيقة علينا أن نسهم مع أصحاب القرار في وضع المشورة والأفكار البناءة لتكون مخرجات مناقشاتنا وتقييماتنا لقراراته وإجراءاته ومشاريعه، نافعة وموضوعية ومجدية الاثر، فهي مشاريع للوطن وليس للمسؤول.
دعونا نفكر بجدلية واعية تغلب فيها الرؤى الصحيحة والأنفع لمصلحة الوطن، التي تضمن لأجيالنا وطنا معافى من أسقامه وأزماته وامراضه، وتفتح آمالا مستقبلية لنهضته. عندها تكون قد خدمنا صاحب القرار وعبدنا له طريق النجاح.
فالعراق، لا شك يحتاج فيها لإقامة مشاريع تتناسب مع ما حجم موقعه المؤثر في جغرافيا العالم، سياسيا واقتصاديا، واستراتيجيا، فلا يمكن أن تنحصر نقاشاتنا في تقييم مشاريعه المصيرية من زاوية المصالح المحلية، دون الأخذ بعين الاعتبار ابعادها ومنافعها الإستراتيجية، التي ترتبط وتتصل بالقرار الإقليمي والدولي، وتحول دون تكبيله وتقييده بأهداف ومصالح خارجية تضره مستقبلا. في الوقت الذي يمتلك بمفرده عوامل القوة الاقتصادية والبشرية ليكون صانع مبادرات لتحقيق قراره الاقتصادي والسياسي، ولا يكون فيها أسيرا لما يخطط له ليكون تابع ضعيف لمشاريع إقليمية ودولية لا تستثمر فيها قوته الجيوسياسية.
هذا ما ينبغي أن نفكر فيه، ونضعه على مسطرة تقييماتنا، وننصح به صاحب القرار، ونقدم إليه المشورة الصريحة والنافعة والجريئة، وليست المشورة المجاملة.
الآراء كلها عندها ستكون محترمة مهما تباينت واختلفت واتفقت، لكن الاحترام الأول للآراء التي تنتصر لمصلحة الوطن، وتفكر بمسؤولية للدفاع عن كل ما هو نافع لأبناءه ومستقبلهم، نناقش أهميتها وأبعادها بموضوعية واستشراف مستقبلي، ونغادر فيها أي تماه نفعي مع أفكار ورؤى صاحب القرار التي تضره آراء المحاباة، وغير الدقيقة في تحليلها، ولا تنفعه ولا تقدم له الحلول الناجعة، ولا تعالج أزماته المستدامة، وتصبح ضارة ومعوقة لبرامجه، عندها سيخسر فرص نجاحه، وتكون الخسارة الأقسى من نصيب الوطن والشعب !!