عادل عبد المهدي: زيارة ترمب لعين الاسد ووقوفنا مع الحشد زاد الضغط الامريكي علينا في كل الاتجاهات
17-حزيران-2023
بغداد ـ العالم
(الجزء الثاني)
في مقابلة خاصة، يتحدث The Cradle مع رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، الذي يكشف التحديات والمؤامرات الخارجية والخلافات خلال فترة ولايته التي استمرت عامين، وسط الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي هزت البلاد.
بين الخوض في خضم إقامة علاقات متوازنة مع كل من واشنطن وطهران، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، اضطر إلى الاستقالة من منصبه بعد اندلاع احتجاجات شعبية في تشرين الأول 2019، واجهتها الدولة بقمع عنيف.
في واحدة من إطلالاته النادرة، يكشف عبد المهدي في مقابلة مع The Cradle عن تفاصيل تلك الأيام المروعة، وعن المصالح الأجنبية – خصوصاً الأميركية والبريطانية – التي لعبت دوراً في إثارة الفوضى والإرهاب والطائفية والتبعية الاقتصادية التي لا تزال تعصف بالعراق.
* هل تعرضت حكومتك لضغوط من واشنطن وطهران؟
– من جهة واشنطن أكيد. منذ زيارة ترامب لقاعدة عين الأسد ووقوفنا مع الحشد الشعبي وعدم دخولنا في صراعات مع فصائل شيعية وغير شيعية، كانت الضغوط الأميركية تزداد من كل الاتجاهات.
كنت دائماً أقول للمسؤول الأميركي ديفيد شينكر: علاقاتنا مع إيران عمرها 5000 سنة وإيران دولة جارة، وفي الوقت نفسه نريد أن يكون الأميركيون الذين يبعدون عنا 5000 كيلومتر أصدقاء لنا. ولكن، لا يمكن أن نتخلى عن 5000 سنة من العلاقات. حتى في العلاقات اليومية، يدخل ملايين الإيرانيين إلى العراق ومثلهم من العراق إلى إيران، فيما نحتاج إلى تأشيرة دخول للسفر الى الولايات المتحدة. أميركا جاءت الى المنطقة من أجل مصالحها، وإيران جزء من المنطقة وتدافع عن مصالحها، ولا أقول أنها تكرّس نفسها للدفاع عن مصالح العراق، شأنها شأن كل دول المنطقة. لا يمكن أن نقارن علاقاتنا مع الدول الجارة، كالسعودية أو تركيا او إيران، بعلاقاتنا مع دول بعيدة. هذه علاقة وجودية عمرها قرون طويلة وفيها الكثير من المشتركات، في مقابل علاقات مع دولة جاءت من البعيد دفاعاً عن اسرائيل وللهيمنة على النفط وغير ذلك. لا أستطيع أن أساوي بين أمرين غير متساويين. يجب أن ندرس علاقاتنا مع كل طرف وفق خصائصه وصفاته وتاريخه ووزنه وما يريده، لنتمكن من إيجاد نقطة توازن في العلاقات مع كل الأطراف.
* ما هي الانعكاسات المتوقّعة على العراق بعد المصالحة الإيرانية السعودية؟
بالتأكيد هناك انعكاسات كثيرة متوقعة. أولاً تخفيف حالة التوتّر والمشبوهية والاتهامات المتبادلة سريعاً.
ثانياً: نحن نعلم أنّه سواء في المملكة السعودية أو في العراق أو في إيران، هناك امتدادات إقليمية، يعني شرائح اجتماعية في داخل كل بلد لها امتداد وتعاطف وتاريخ طويل ومصاهرات ومصالح اقتصادية. هذه كلها يمكن أن تشهد نوعاً من الانفراج والتهدئة. وبالتالي تؤثر كثيراً على الوضع السياسي.
إضافة إلى ذلك، سواء السعودية أو في إيران، كلاهما لهما مصالح كبيرة في الكثير من دول الجوار، ولعلّهما أكبر بلدين لديهما مصالح في مجموع الدول المحيطة، سواء في مصر، في باكستان، في لبنان وسوريا والخليج وفي أفريقيا، وأنّ حال التهدئة من شأنها أن تُضفي نوع من التخفيف ومدّ اليد. وهناك مصالح كثيرة حتى بين السعودية وإيران. اليوم السوق في السعودية أو السوق في إيران، مهمّة لكل الطرفين. وأعتقد مع ضعف اليد الأجنبية وضعف اليد الأميركية وإسرائيل، لا خيار أمام إيران والسعودية غير التعايش والتساكن والتصالح ومد الجسور والتعاون. لا شك هناك انتكاسات وإحباطات ستحصل. إذ إنّ هناك تاريخ طويل من المعاداة والعمل المضاد الواحد ضد الآخر، لذلك من المتوقع أن تحصل إحباطات وانتكاسات، لكن أعتقد أنّ المجرى العام للأوضاع الإقليمية والدولية والأوضاع في المنطقة، يدفع باتجاه المصالحة والتقارب أكثر فأكثر، مع بقاء أجواء من الشكّ والريبة لدى كل طرف.
انتفاضة تشرين 2019
* كيف تصف ما عُرف بـ«ثورة تشرين» عام 2019؟
– كلام حق يراد به باطل، واستغلال مطالب مشروعة ومحقة لأجندات خفية. اليوم بات واضحاً أن ما يسمى الثورات الذكية أو الملونة يُستخدم فيها أساساً الدعم المالي والبروباغندا لغسل العقول وتوجيه الجماهير إلى مسارات معينة لخدمة أهداف غير التي خرجوا من أجلها. أحداث تشرين في العراق كانت تعبيراً عن رغبة أميركية وإسرائيلية بإضعاف العراق عندما بدأ يخرج، ولو جزئياً، من دائرة الإملاءات الأميركية، وفي وقت كانت قوى المقاومة التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية، تزداد قوة، لذلك كان القرار بإضعافها عبر اثارة الفوضى وإشعال فتنة شيعية – شيعية، وأخرى عراقية – عراقية، عبر استغلال المطالب المحقة للناس لأغراض سياسية.
* هل تعني أنها كان مؤامرة؟ من كان وراءها وماذا كانت أهدافها؟
– طبعاً كانت مؤامرة. مثل هذه المطالب المحقة موجودة لدى شعوب دول كثيرة، ولكن عندما تكون هذه الدول قريبة من المعسكر الأميركي – الاسرائيلي، تهبّ دول القرار لمساعدتها والتخفيف من سوء الوضع فيها، أما إذا لم تكن قريبة من هذا المعسكر، فيجري غالباً استغلال هذه المطالب لتأليب الناس على الحكومات، كما حصل في العراق ولبنان وسوريا وإيران وغيرها. حتى الصين، مثلاً، التي كان تطور امكاناتها كإحدى دول العالم الثالث موضع ثناء، تقرّر فجأة أن تتم شيطنتها عندما أصبحت منافسة للولايات المتحدة، وهدّد ترامب بشن حرب تجارية عليها. العراق، بعد 2003، حرص على التوازن في علاقاته بين الولايات المتحدة والجار الإيراني. مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أراد الأميركيون أن تتوقف بغداد عن هذه السياسة. كانوا صريحين بالقول: إما معنا أو ضدنا. لا يمكن للعراق أن يقف ضد إيران رغم وجود بعض الخلافات. قد نختلف مع إيران حول توزيع المياه أو حول بئر نفط هنا أو مسألة أخرى هناك، لكن هذا لا يعني أن ندخل في حرب معها. الإدارة الأميركية، حتى في فترة حكم الجمهوري جورج بوش، كانت تتفهّم علاقات العراق بالجمهورية الاسلامية، وكان العراق أحياناً ينقل رسائل بين الطرفين. مع مجيء ترامب، تغيّرت الأمور، لم تعد هذه الوسطية العراقية مقبولة أميركياً.
* إضافة إلى سوء الأوضاع السياسية والمعيشية في العراق، ما هو برأيك السبب السياسي الرئيسي لاندلاع انتفاضة تشرين ٢٠١٩؟
في الحقيقة، ليس سوء الأوضاع السياسية والمعيشية في العراق سبباً رئيسياً. صحيح هناك نوع من الرغبة لدى قطاعات وشرائح واسعة أن تُحسّن وضعها أكثر فأكثر. إلى حد ٢٠١٧، كان الإرهاب وأعمال الاغتيال والانتحاريين والمفخخات هي الشغل الشاغل للناس.
بعد ٢٠١٧، هدأت الأمور واستقرّت. وحصلت حالة من الأمن في البلاد بحيث أصبح المواطن يبحث عن مصالح أكثر وعن تحسين ظروفه المعيشية أكثر. وخصوصاً هناك الكثير من الشرائح كانت أوضاعها تتحسّن باستمرار. اليوم مستوى الأجور والرواتب لدى القوات المسلّحة جيّد ومرتفع، يتجاوز تقريباً الألف دولار للجندي. وهذا من دون حساب مخصصات أخرى.
الكل يُريد أن يُحسّن من أوضاعه. ليس الكلام، بين هلالين، عن سوء الأوضاع، الأوضاع تتحسّن، لكن الناس وجمهور المواطنين يُريد تحسّن أفضل. يُريدون كهرباء أفضل مياه أفضل يُريدون عمل. يُريدون رواتب أفضل. فالسعي نحو تحسين الظروف المعيشية وتحسين الأوضاع للعائلة وللفرد كان سبباً مع الحريات العامة في البلد في خروج الناس في تظاهرات سلمية. يقيناً في حكومة ٢٠١٨، الحكومة التي ترأستها، حصل خلاف أساسي. فقد جاءت إدارة ترامب بفلسفة جديدة. سابقاً كان هناك نوع من التساكن بين قوات الاحتلال أو القوات الأجنبية من جهة والجمهورية الإسلامية وأيضاً الخط الذي يؤيدها من جهة أخرى. كان معرّف نوعاً ما الخط الأحمر بين الطرفين.
مع إدارة الرئيس ترامب، لم يعد يقبل هذا المنطق. لم يقبل الرئيس الأمريكي من العراقيين أن تكون لهم علاقات جيدة بإيران وعلاقات جيدة بالولايات المتحدة الأمريكية. وأصبح يقول صراحة هو والوزير بومبيو والسفير الأمريكي في العراق أنّ عليكم أن تقفوا ضد إيران. كان لنا موقف صارم إزاء هذه المسألة. رفضنا هذا المنطق وحتى في المنهاج الوزاري قلنا نحن لسنا جزءاً من نظام العقوبات ضد إيران. وطبعاً هذا يُزعج الإدارة الأمريكية ولا يُرضيها. ثم حصلت سلسلة من الأعمال سواء مجيء الرئيس ترامب إلى قاعدة عين الأسد وعدم ذهابنا لاستقباله. أو حمايتنا للحشد الشعبي. استهدافهم هم والإسرائيليين لمقرات الحشد ومقرات الفصائل. هكذا كان الوضع يتصاعد. وهنا لا شك حصل تدخّل في استثمار المظاهرات السلمية.. المظاهرات العفوية المظاهرات البريئة. تم استغلالها لتحريك الشارع ضد الوضع في البلاد. ضد الحشد وضد الجمهورية الإسلامية فقد رفعوا شعار «إيران برّا برّا» وحرق القنصليات، إلى آخره.
وطبعاً هناك أطراف داخلية منها بقايا البعث وبقايا داعش وحتى قوى سياسية في العملية السياسية كانت طامحة أن تحصل على مناصب. وهذه شكّلت أجواء تشرين ٢٠١٩.
* ألا تعتقد أن أحد هذه العوامل قد يكون سبباً في اندلاع الأحداث: قراركم فتح الحدود البرية العراقية-السورية؟ انفتاحكم على الصين؟ إقالة الفريق عبدالوهاب الساعدي من رئاسة جهاز مكافحة الإرهاب؟
نعم هذه عوامل قد تكون مؤثرة. لكن العامل الرئيسي والمركزي هو الموقف من الجمهورية الإسلامية. والموقف من الحشد ومن الفصائل. الموقف من حالة تصاعدية كانت تحصل في العراق خصوصاً بعد الانتصار على داعش. من قوة هذا المحور وتصاعد هذا المحور.
يقيناً فتح الحدود في القائم كان قرار مهم ولم يُرضِ الإسرائيليين ولم يُرضِ الأمريكان، لذلك حصل قصف للقائم وتسبب في شهادة أكثر من ٣٠ عنصر. والتشييع الذي حصل في اليومين التاليين هو الذي قاد إلى تطويق السفارة الأمريكية ومحاولة اقتحامها وما سبّبه من مشاكل. هذه كلها عوامل كانت تساهم في تصعيد الموقف من قبل الجانب الغربي الأمريكي الإسرائيلي ضد الحكومة.
يقيناً الانفتاح على الصين سيكون تأكيد لمثل هذه الاتجاهات على أنّ البلد يسير بعيداً عن الهيمنة الأمريكية أو الهيمنة الغربية أو الخضوع للشروط الإسرائيلية. وهم كانوا يأملون كثيراً من موضوع اجتياح العراق واحتلاله. لم يكن لعبة بل كان له أهداف استراتيجية كبيرة وكانوا يعتقدون أنّ تطويع العراق وإخضاعه ودفعه في اتجاهات معينة سيكون له تأثيرات استراتيجية كبرى في المنطقة . هذا هو الهدف الكبير وهذا برأيي قد فشل. وهذا مزعج لهم يقيناً.
أما إقالة الفريق عبدالوهاب الساعدي فهذا مبالغة في الموضوع لأنه لم يكن الشخص الأول في جهاز مكافحة الإرهاب. وجاء طلب من رئيسه الفريق طالب شغاثي يطلب نقله، وبصفتي كقائد عام للقوات المسلحة قمنا بنقله. وعلاقتي بالفريق عبدالوهاب الساعدي علاقة جيدة. حتى أنني في عملية تحرير مصفاة بيجي وعندما ذهبت إلى مصفى بيجي أثناء الحرب ضد داعش، كان هو من القادة الذين نظّموا عمليات عسكرية في تلك المنطقة. يومها أهديته مسدسي. لم تكن بيني وبين الفريق الساعدي مشكلة مباشرة. قد يكون ملفّه استُغلّ من الآخرين، لكن من ناحيتنا نحن قمنا بتنفيذ طلب من رئيسه بنقله. وكنا ننوي تعيينه في مكان مرموق وفي مكان مهم.
* هل حاول الأمريكيون فرض شروط سياسية عليكم قبل تشرين ٢٠١٩، ورفضتموها؟ في حال الإيجاب، ما هي؟
كل الذي ذكرته قبل قليل في الإجابات السابقة كان يقال بصوت عالي. عليكم أن تفعلوا كذا وأن تضربوا الفصائل المسلحة. عليكم أن تمنعوا تحويل الأموال إلى الجمهورية الإسلامية. عليكم أن تقفوا ضد مجيء الفريق الشهيد قاسم سليماني إلى العراق.
وكان السفير الأمريكي يطلب اللقاء مرتين وثلاث مرات في الأسبوع. إضافة إلى مجيء كبار المسؤولين الأمريكيين والقادة العسكريين بشكل دائم دوري. ناهيك عن قادة الناتو القوات الأخرى.
نعم نحن لم نكن نريد المشاكسة وكنا حريصين أن نُبقي علاقات الصداقة مع أمريكا والغرب، لكن كنا نثبّت ما نعتقده سياسة سيادية مستقلة سليمة متوازنة في العراق كنا نقوم بها سابقاً ولاحقاً بعد ذهاب إدارة ترامب أيضاً عادت بعض الأمور إلى السياقات القديمة. عندما كان يأتي مسؤول إيراني مثل الأخ علي شمخاني أو غيره، كان الأمريكان يُقيمون الدنيا ولا يُقعدوها. وطبعاً الضغط الأهم ليس على رئيس الوزراء فحسب، بل هو على عدد كبير جداً من المسؤولين في المواقع الرئيسية في البلد سواء في وزارة الداخلية أو الدفاع أو البنك المركزي أو الاستخبارات أو TBI (البنك التجاري العراقي) أو وزارات النفط أو غيرها من مواقع … الضغط هناك أشدّ وأكبر ويأتي بطُرق حقيقة ذكية ومغطاة ومغرية وتحاول أمريكا أن تبدو كأنما هي حمل وديع أو كأنما تُقدم خدمة للشعب العراقي بينما هي في الحقيقة تُرسّخ التبعية والاعتماد وآمرية الولايات المتحدة والدول الحليفة معها على العراق.