عادل عبد المهدي: قصة التوجه شرقا ليس خياراً نظرياً الغرب يضعف والثقل الآسيوي يتزايد
14-حزيران-2023
بغداد ـ العالم
(الجزء الاول)

في مقابلة خاصة، يتحدث The Cradle مع رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، الذي يكشف التحديات والمؤامرات الخارجية والخلافات خلال فترة ولايته التي استمرت عامين، وسط الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي هزت البلاد.
بين الخوض في خضم إقامة علاقات متوازنة مع كل من واشنطن وطهران، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، اضطر إلى الاستقالة من منصبه بعد اندلاع احتجاجات شعبية في تشرين الأول 2019، واجهتها الدولة بقمع عنيف.
في واحدة من إطلالاته النادرة، يكشف عبد المهدي في مقابلة مع The Cradle عن تفاصيل تلك الأيام المروعة، وعن المصالح الأجنبية – خصوصاً الأميركية والبريطانية – التي لعبت دوراً في إثارة الفوضى والإرهاب والطائفية والتبعية الاقتصادية التي لا تزال تعصف بالعراق.
يتحدث عبد المهدي عن دور التحالف الغربي في محاربة تنظيم «داعش»، مشيراً إلى أن التحالف كان يهدف فقط إلى تحقيق توازن بين هذه الجماعة الإرهابية وبين من يقاتلون ضدها تحت ستار «مكافحة الإرهاب»، حتى لا يكون هناك غالب واضح. ويكشف عن محاولات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على عكس سابقاتها، لخلق واقع جديد في العراق وزعزعة استقراره بتحويله إلى قاعدة ضد إيران وتشديد الخناق على بغداد.
لم يكن سبب سقوطه «ثورة أكتوبر» 2019 التي دفعته إلى الاستقالة، بل مواقفه التي لم ترض الأميركيين، برفض العداء لإيران ولقوات الحشد الشعبي العراقية التي ألحقت الهزيمة بـ«داعش». يعدَّد عبد المهدي سلسلة مواقف وضعته في مواجهة الولايات المتحدة، ويكشف عن الدور الذي لعبه قاسم سليماني في انتصار العراق على الإرهاب.
عبد المهدي، وهو خبير اقتصادي في الأساس، يناقش أيضًا مستقبل العراق وبلاد الشام، والانعكاسات المتوقعة للمصالحة الإيرانية السعودية على العراق.
المقابلة:
* كيف ترون مستقبل العراق؟ هل هناك حاجة إلى إعادة النظر في الدستور وإلغاء الطائفية، وألم يحن الوقت لخلع البزة العسكرية وبناء دولة مدنية حديثة؟
– أنا ضد ان نتصور في أذهاننا نموذجاً ونحاول جرّ الواقع اليه. بالتأكيد لدينا طموحات وأهداف، ولكن يجب ان نوائمها مع الواقع. هناك، في تقاليدنا، كلمات نمقتها كالكانتونات والفيدرالية والكونفيدرالية وغيرها. النظام السويسري، مثلاً، كونفيدرالي قائم على الكانتونات، وقد شهد هذا البلد صراعات شبيهة بما عشناه. الولايات المتحدة شهدت أيضاً صراعات بين السود والبيض وحروباً أهلية قبل أن ترسو على نظام فيدرالي. لا أقول إن هذه الأنظمة حلّت كل المشاكل بشكل جذري، لكنها دخلت مساراً من التوليف بين مكوّناتها بما جعلها قادرة على التعايش مع بعضها بعضاً، حيث يحصل كل مكوّن على حقوقه. الحل ليس في نماذج نظرية قرأناها في كليات العلوم السياسية، بل في تجارب موجودة أمامنا على امتداد العالم.
* يسوّق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمشرق جديد، العراق جزء منه. كيف تنظرون إلى هذه الفكرة؟
– نحن مع التوجه شرقاً منذ زمن طويل. زيارتي إلى الصين في أيلول – سبتمبر عام 2019 كانت من ضمن هذا التوجه. قبل ذلك، عندما كنت وزيراً للنفط عام 2015، في حكومة الأخ حيدر العبادي، وضعنا أسس ما يسمى اليوم اتفاق الاطار الائتماني بين العراق والصين، ضمن خطتنا لإعادة إعمار العراق. التوجه شرقاً ليس خياراً نظرياً، وبات مطروحاً أمام كل دول العالم في ظل الضعف الغربي والثقل الآسيوي المتزايد. سابقاً، 70 في المئة من النفط العراقي كان يُصدّر إلى الدول الغربية. اليوم، أكثر من ذلك صارت وجهته شرقاً. الصين وحدها تستورد بين 700 ألف ومليون برميل يومياً. نشهد صعوداً آسيوياً، وهناك اليوم في القارة دول أقطاب تنافس، بل وتتقدّم أحياناً، الدولة الأولى في العالم، عسكرياً واقتصادياً وفنياً وعلمياً وقيمياً واجتماعياً. لذلك، فإن التوجه شرقاً مسار طبيعي وليس قراراً سياسياً لطرف من الأطراف. نحن أمام تحوّل تاريخي كبير، ولسنا أمام خيارات سياسية قد تنجح أو تفشل. وهذا المسار يمتلك زخماً وأدوات ستمكّنه من أن يفرض نفسه على العالم.
* كيف تقيم مرحلة بريمر، وهل يحصد العراق اليوم ما زرعه بريمر؟
– مثّلت هذه المرحلة قمة الغطرسة الاميركية. قبلها، في مرحلة زلماي خليل زاده، تم التوصل مع أطراف المعارضة العراقية إلى اتفاق على تأليف حكومة انتقالية، قبل أن يوقف بريمر هذه العملية. في اللقاء الأول الذي عقده مع كل القادة والمسؤولين العراقيين لعرض تصور الإدارة الأميركية للادارة المدنية، وكان يرافقه مسؤول جهاز الاستخبارات البريطاني (MI 6) جون سوايرز، خاطب الجميع قائلاً: لا نحتاجكم إلا كمستشارين. نحن نؤسس كل شيء وسنبني الدولة والمجتمع، ودوركم أن تساعدونا. كل الحاضرين، البارزاني والطالباني والشلبي وعلاوي ونحن، اعتبروا ذلك غير مقبول وأن الأمر احتلال. لكنه فرض رأيه بالقوة، وبدأ اصدار تشريعات وقوانين سميت قرارات بريمر. 111 تشريعاً لا يزال تأثيرها قائماً على البنك المركزي والوزارات وغيرها. كان بريمر مغروراً جداً واعتقد أنه قادر على اخضاع البلاد، وأراد أن يطبّق نظام الانتخابات النخبوية كما في الولايات المتحدة، وليس انتخابات عامة لكل الشعب العراقي. لكن آية الله السيستاني رفض ذلك وأصرّ على ان تترك كتابة الدستور للعراقيين عبر جمعية وطنية منتخبة.
* لماذا اندلعت المعارك الطائفية في العراق، وهل للولايات المتحدة يد في هذه النزاعات؟
_ يقيناً، لها يد في ذلك. تفضّل الولايات المتحدة إضعاف الجميع للتحكم بالبلد. بالحديث عن الحرب الطائفية يجب العودة إلى من أثار النعرات الطائفية في البداية. تنظيم القاعدة بدأ الذبح على الهوية في افغانستان قبل العراق. أول عملية اغتيال كبيرة استهدفت السيد محمد باقر الحكيم في 2003، وهذا له مدلولاته. الحرب الطائفية لم تندلع لأنه بات للشيعة وزن أكبر في الدولة، بل لأن هناك فريقاً معادياً للوضع الجديد حظي بدعم من القوى الخارجية، الأميركية والبريطانية وغيرها. هذا الفريق بدأ إنشاء مجموعات مسلحة عشائرية وغير عشائرية بدأت بالتدرب في المناطق الغربية. في المقابل، كان الأميركي يمنع تشكيل لجان شعبية بحجة أنها ستتحول الى ميليشيات. تطور الأمر عام 2014 إلى ظهور "داعش" التي هددت العاصمة، فكانت فتوى الجهاد الكفائي وتشكيل الحشد الشعبي.
* هل لديكم معطيات عن الدور الذي لعبه الأميركيون في دعم ارهاب القاعدة في العراق؟
– لن أعطي جواباً تبسيطياً. قبل 2011، خاض التحالف الدولي، ومن ضمنه الأميركيون، معارك ضد الإرهاب. لكن القضاء على هذا الإرهاب نهائياً لم يكن على أجندته. هذا يحصل اليوم في سوريا مثلاً، حيث نرى الأميركيين يستهدفون أحياناً قادة في القاعدة وداعش، ولكن من دون أي جهد للقضاء على هذه التنظيمات نهائياً، وهم بذلك يقيمون نوعا من التوازن بين الإرهابيين وأعدائهم. هذا أمر واضح في سوريا وفي أمكنة أخرى.
* ما هو دور الحشد الشعبي في تحرير العراق من الإرهاب؟
– لعب الحشد دوراً مهماً جداً. منذ 2003، اقترحنا تأسيس لجان شعبية لأنه لم يكن لدينا الوقت الكافي لتشكيل جيش وقوات شرطة لحماية البلد. صحيح أن بريمر حلّ الجيش، لكن أُعيد تشكيله من المنتسبين أنفسهم، وبينهم أصحاب الرتب العالية أنفسهم أيضاً. كان في تلك المرحلة جيشاً غير عقائدي شُكّل وفق مفاهيم نظام آخر، لذلك اقترحنا في البداية تشكيل لجان شعبية. لكننا اختلفنا في ما بيننا. من كانوا يمتلكون مجموعات مسلحة تحمّسوا للفكرة فيما عارضها من لم يمتلكوا السلاح لأنهم رأوا أن ذلك يعطي الفريق الأول ميزة عليهم. الأميركيون أيضاً كانوا يخشون الأمر، لذلك شُنت حملة على اللجان الشعبية ما حال دون تنفيذ الفكرة. عندما احتلت داعش الموصل بمئات من المقاتلين، كانت هناك خمس فرق عسكرية، ولم نكن نعاني نقصاً في السلاح أو العتاد، بل كنا نواجه مشكلة في العقيدة القتالية للجيش، ونقصاً في الاستعداد للتضحية.
* ألم يكن الفساد هو سبب سقوط الموصل بيد تنظيم "داعش"؟
– يمكنك أن تضيف هذا إلى الأسباب أيضاً. كل هذا كان موجوداً: الفساد، نقص العقيدة القتالية، رغبة البعض في التعاون مع داعش وغير ذلك. عندما دخلت القوات الأميركية إلى الفلوجة في 2004، وتم الاتفاق على نشر لواء من الجيش في المدينة، تبيّن أن اللواء بكامله كان بعثياً، من قائده إلى أدنى الرتب، ورفع في المدينة علم نظام صدام حسين. الشعور بعدم وجود مؤسسة عسكرية تحمي الشعب وتنامي داعش ووصولها إلى حد تهديد بغداد ونشرها الخوف بين الناس، كلها قادت إلى فتوى المرجع الاعلى وإلى التعبئة العامة. أمن العراق اليوم يحفظه الحشد والقوى – سواء العشائرية أو غير العشائرية – التي لا مصلحة لها بالتناغم مع الارهاب، والأصلب والأقوى في محاربته. وفكرة الحشد موجودة اليوم في كل أنحاء العراق. كردستان، مثلاً، بقيت آمنة لأن فيها قوات بيشمركة أمنت حماية لمناطقها، لذلك لم تشهد ما شهدته بقية أنحاء العراق رغم أن كردستان كانت في دائرة الاستهداف من تنظيم القاعدة.
* ما هو دور الشهيد اللواء قاسم سليماني في مواجهة الارهاب في العراق؟
– كان دوره كبيراً جداً في صناعة النصر. الشهيد سليماني كان يمتلك صفات عدة. كان استراتيجياً من الطراز الأول وقادراً فوراً على وضع صورة استراتيجية شاملة لمسرح العمليات وتعيين نقاط الضعف والقوة لدى كل طرف. كان أيضاً رجلاً توليفياً قادراً على نسج الصداقات مع الجميع، مع الكردي والشيعي والسني… وبالتالي قادرا على تحقيق التعبئة المطلوبة. كذلك كان يميز بين المقاومة الشعبية والمسارات التي تتبعها الدولة ويتفهّم أن لكل منهما لوجستيات وطرقاً مختلفة. إلى ذلك، كان ممثلاً للجمهورية الاسلامية في إيران، الدولة الكبيرة وصاحبة القدرات الهائلة، لذلك كان باستطاعته، خلال ساعات قليلة، أن يوفّر حاجات المعركة من دون المرور بالمعاملات الروتينية. في ساعات، كان قادراً على إقامة جسر جوي لإمداد العراق بالأسلحة، وهو ما كان يستغرق مع أطراف أخرى شهوراً. في الميدان، كان صاحب القرار الأول، وكان دائماً على رأس المقاتلين ما كان يُلهم قادة المعركة ومقاتليهم، ويعطي أيضاً قطعات الجيش والشرطة معنويات لو كانت تمتلكها لما كانت سقطت الموصل أساساً.
* لماذا اغتال الأميركيون قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس؟
– أرى في هذا القرار تعبيراً عن يأس وضعف وعجز، وهروب من أزمة أميركا في العراق. كان قراراً أحمق، لأن اغتيال قائد كبير كالشهيد سليماني هو بالتأكيد خسارة كبيرة، لكنه في الوقت نفسه يولد حركة أوسع ويزيد من عزيمة . كما كان جريمة حتى وفق القوانين الأميركية.
* ما هي مصالح كل من طهران وواشنطن في العراق؟
العلاقات مع إيران تاريخية وهناك روابط بين البلدين على كل الصعد. ملايين العراقيين عاشوا في ايران، وفي المقابل أقام ملايين الايرانيين في العراق. هنا لا أتكلم عن الروابط الشيعية، الأمر نفسه ينطبق على العلاقة بين أكراد ايران وأكراد العراق، وعلى العلاقة بين الفرق السنية الصوفية في البلدين. إذاً، هي علاقات تاريخية، رغم ما يشوبها من خلافات أحياناً كما يحدث بين أي بلدين جارين. وخلال الحرب العراقية – الايرانية تعرضت الجمهورية الاسلامية لحملة شيطنة ضخمة، إلى أن جاء الاحتلال الأميركي للعراق، فاعتقد البعض أن الرخاء والتطور سيأتي من علاقاتنا مع الدولة الأقوى في العالم.
إيران جار تاريخي، كما هي الحال مع تركيا والدول العربية، ويجب النظر الى المشتركات ومعالجة الخلافات من هذه الزاوية التاريخية.
يتبع..
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech