بغداد _ العالم
قبيل ساعات قليلة من انطلاق امتحانات السادس الإعدادي، أصدر وزير التربية إبراهيم نامس الجبوري بياناً حمل تطمينات إلى الطلبة، وتضمن نصاً أكد خلاله أن "الأسئلة مؤمَّنة تماماً ولا يمكن تسريبها"، ليفجّر هذا الموضوع تساؤلات حول أسباب قطع الإنترنت ما دامت ثقة الوزير بهذا المستوى من العلو! كذلك
وجهت وزارة التربية، في وقت متأخر من يوم الجمعة، رسالة إلى طلبة السادس الإعدادي وذلك قبيل ساعات من انطلاق الامتحانات النهائية.
وذكر بيان للوزارة، أن "وزير التربية إبراهيم نامس الجبوري بعث رسائل الاطمئنان الى أكثر من (٦٥٠) ألف طالب وطالبة يستعدون لأداء الامتحانات الوزارية للدراسة الإعدادية يوم السبت الموافق الثامن من حزيران".
وأوصى الوزير، وفق البيان، الطلبة "بالابتعاد عن متابعة الصفحات الوهمية والابتزاز الكاذب وشائعات تسريب الأسئلة، فهي مؤمَّنة بالكامل ومجهودكم الدراسي محفوظ بأيادٍ أمينة لا يمكن المساس به مطلقا، حاثّاً إيّاهم على الجد والاجتهاد وجعل هذا الماراثون الحيوي نقطة التحول والانطلاق نحو غد مشرق".
لكن مع ذلك التطمين، ورغم المُضيّ بقرار قطع الإنترنت لمدة ساعتين في كل يوم يشهد امتحاناً لطلبة الإعدادية، شهدنا اليوم السبت (اليوم الأول من الامتحانات) تسريباً لأسئلة مادة الإسلامية في الساعة الثامنة والنصف، رغم أن وقت الامتحان لم ينتهِ بعد، وأن الوزارة تمنع إخراج الأسئلة بعد نهاية الطالب من أداء الامتحان.. فكيف خرجت هذه الأسئلة.
وتبدأ الامتحانات النهائية للمرحلة الإعدادية من الساعة السابعة حتى العاشرة صباحاً. والمفترض أن الأسئلة تبقى محفوظة ولا تخرج على مواقع التواصل الاجتماعي طيلة هذه الساعات الثلاث.
ولمواجهة خطر تسريب الأسئلة، تلجأ وزارة التربية في كل امتحانات "بكالوريا" إلى الإيعاز لوزارة الاتصالات من أجل قطع خدمة الإنترنت عن البلاد لمدة ساعتين.
ونوهت وزارة الاتصالات، أمس الجمعة، إلى قطع خدمة الإنترنت خلال امتحانات السادس الإعدادي.
وذكر بيان للوزارة، أن "وزارة الاتصالات تود التنويه الى أنه سيتم قطع خدمة الانترنت لمدة ساعتين خلال امتحانات المراحل المنتهية للصف السادس الاعدادي، من الساعة السادسة صباحاً الى الساعة الثامنة استناداً للتوجيهات العليا".
وبينت، أن ذلك جاء "بناءً على طلب وزارة التربية".
لكن المفارقة، أن قرار حجب الانترنت لا يسري على الجميع، فبعض المواطنين يعرفون خطوات الوزارة فيلجأون إلى خطوات استباقية تتمثل بتحميل برامج فك الحجب المتمثلة "سايفون" و "VPN".
وأكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، اليوم السبت، أن قطع الانترنت من قبل وزارة الاتصالات طيلة فترة الامتحانات يمثل انتهاكا صارخا للمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي كفلت الوصول إلى المعلومات من خلال الخدمات الرقمية المرتبطة بالانترنت .
وأضاف فاضل الغراوي في بيان صحفي، إن قطع الانترنت يلحق خسائر بالعراق تصل الى ملايين الدولارات تمثل ما مقداره 0.5 من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، مع إيقاف نسبة 20% من الاتصالات عبر كافة الشبكات المحلية عن طرق خدمة الانترنت.
وبين، إن كافة الشركات الاستثمارية والاقتصادية والتجارية والطبية التي تعتمد على الفضاء الإلكتروني وخدمة الانترنت في تعاملاتها أو خدماتها تخسر الملايين يوميا.
ولفت إلى، أن الانقطاعات المنتظمة لخدمات الإنترنت تنتهك الحقوق الرقمية، وتعيق الاتصالات والأنشطة اليومية، مبينا أن هذه الإجراءات تقيد الوصول إلى المعلومات والاتصالات، وهما أدوات أساسية للحياة الحديثة، وتعيق التفاعلات الاجتماعية والمهنية، وتقلل الثقة في إجراءات الحكومة ووزارة التربية بشكل خاص بالتعامل بشفافية مع موضوع الانتخابات.
وطالب الغراوي، رئيس الوزراء بإلغاء قرار وزارتي الاتصالات والتربية بحجب خدمة الانترنت لمخالفتها معايير حقوق الإنسان، كما طالب وزارة التربية باعتماد المراقبة الرقمية للامتحانات عبر الكاميرات الذكية.
وقبل شهر، وجهت مجموعة منظمات، رسالة مفتوحة إلى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني تطالب بالكف عن قطع الانترنت خلال فترات الامتحانات في العراق.
وجاء في نص الرسالة: "تتوجّه إليكم منظّمة “سمكس”، ومنظّمة “أكساس ناو”، و”جمعية الإنترنت”، ومنظّمات المجتمع المدني الموقّعة أدناه وأعضاء تحالف #KeepItOn – وهي شبكة عالمية تضمّ أكثر من 300 منظّمة من 105 دول تعمل على مكافحة ظاهرة قطع الإنترنت – وتناشدكم وجميع السلطات المعنيّة في العراق بالالتزام بعدم حجب الإنترنت خلال الامتحانات الوطنية المرتقبة بين شهري أيّار/مايو وحزيران/يونيو المقبلين".
وأضافت الرسالة: "العراق هو واحد من الدول القليلة في العالم التي لجأت أكثر من مرّة إلى قطع الإنترنت لمنع الغشّ وتسريب أسئلة الامتحانات. وتنتهك هذه الإجراءات القانون الدولي، إذ كما أشارت المفوّضية السامية لحقوق الإنسان، وكذلك العديد من قرارات الأمم المتّحدة، يؤدّي قطع الإنترنت إلى “عواقب غير مقبولة تمسّ بحقوق الإنسان ولا ينبغي فرضها أبداً“. وسبق أن ناشدنا حكومة العراق لوقف هذه الممارسة التعسّفية، واليوم نكرّر نداءنا قُبيل إجراء الامتحانات هذا العام".
وتابعت: "وكنّا قد رحّبنا في العام الماضي بالقرار المبدئي الذي اتّخذته وزارة الاتّصالات بإلغاء إجراءات قطع الإنترنت المتعلّقة بالامتحانات للمرّة الأولى منذ عام 2015. ولكن، من المؤسف أنَّنا شهدنا تراجعاً عن هذا القرار في وقتٍ لاحق حيث فُرض حجب الإنترنت في مناسبات متعدّدة في حزيران/يونيو وتمّوز/يوليو وآب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2023".
وأكملت الرسالة: "قبل إجراء الامتحانات المهمّة هذا العام، نودّ تذكيركم بأنّ الأدلّة التي تُثبت فعّالية إجراءات قطع الإنترنت في منع الغشّ في الامتحانات قليلةٌ لا بل معدومة. تُجري معظم بلدان العالم امتحاناتها الوطنية من دون اللجوء إلى هذا الإجراء التعسّفي. وقد شهدنا في السنوات الأخيرة عدّة حالات من تسريب أسئلة الامتحانات الوطنية في العراق، حتّى في ظلّ إجراءات حجب الإنترنت – وهو دليلٌ على أنّها غير فعّالة في الحفاظ على نزاهة عملية الامتحانات الوطنية، ما يثبت الحاجة لإيجاد حلولٍ أخرى".
من ناحية أخرى، توجد العديد من الأدلّة التي تؤكّد الآثار السلبية الناجمة عن قطع الإنترنت على الأفراد والمؤسّسات في العراق. فبالإضافة إلى حرمان الملايين من حقوقهم الأساسية، يؤدّي قطع الإنترنت إلى تقليل النشاط التجاري وعرقلة النموّ الاقتصادي. على سبيل المثال، بين تمّوز/يوليو 2015 وحزيران/يونيو 2016، شهدَ العراق خسائر تجاوزت 200 مليون دولار أميركي في النموّ الاقتصادي جرّاء قطع الإنترنت. وحتّى إجراءات قطع الإنترنت التي تُفرض لفترة وجيزة أثناء الامتحانات قد تكون لها عواقب بعيدة المدى وطويلة الأمد على الاقتصاد العراقي ككلّ، ما قد يضرّ بشكل كبير بمصالح سكّان البلد. وإذا كانَ قطع الإنترنت ليومٍ واحدٍ يكلّف الاقتصاد العراقي خسارةً قدرها 1.4 مليون دولار أمريكي وأخرى تُناهز 120,000 دولار أميركي في الاستثمار الأجنبي المباشر، فهو يزعزع أيضاً ثقة الشركات الدولية في البنية التحتية للاتّصالات في العراق، بحسب ما جاء في الرسالة.
وأشارت الى، أنه "أصبحت هذه الآثار السلبية أكثر وضوحاً في ظلّ ما يشهده العراق مؤخّراً من تحوّلٍ رقمي لتحقيق النموّ الاقتصادي. إنَّ الجهود التي تبذلونها لتعزيز التحوّل الرقمي في العراق تمثّل خطوةً مهمّة نحو تحديث الخدمات الحكومية من خلال تحويلها إلى خدمات إلكترونية. ولكنّ قطع الإنترنت يشكّل تهديداً جدّياً لهذه المبادرات. وقد شارك العديد من الناس عبر وسائل التواصل تجاربهم الشخصية حول تأثير هذه التدابير عليهم شخصياً وكيفية تأثير ذلك على الأعمال التجارية والشركات الناشئة وخدمات النقل والمصارف وخدمات التوصيل والأفراد الذين يعتمدون على الوصول من دون عوائق إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت من أجل عملهم اليومي. ولكي يتمكّن العراق من تعزيز الكفاءة الحكومية والاستقرار الاقتصادي بصورة كاملة عن طريق الرقمنة، يجب أن تتحمّل السلطات مسؤولياتها وأن تمتنع عن قطع الإنترنت لأنّه ينال من جهود الرقمنة التي تعمل الحكومة على النهوض بها".
وبينت، "إنَّ قطع الإنترنت وتقييد التواصل والتعبير ومنع الوصول إلى المعلومات الأساسية، خاصة أثناء حالات الطوارئ والأزمات، يشكّل انتهاكاً للحقّ الأساسي في حرّية التعبير المنصوص عليه في المادّة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية. ويدين المجتمع الدولي إجراءات قطع الإنترنت على نطاق واسع، كما يشير قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة رقم 47/16 الذي يدين استخدام إجراءات قطع الإنترنت لمنع أو تعطيل الوصول إلى المعلومات أو نشرها بشكل مقصود وتعسّفي".
وفي تقريرٍ نُشر مؤخّراً حول إجراءات قطع الإنترنت، سلَّطَ مجلس حقوق الإنسان الضوء على الاتّجاهات والأسباب والتداعيات القانونية والتأثيرات على حقوق الإنسان المختلفة، داعياً السلطات إلى عدم اللجوء إلى قطع الإنترنت. وشدّدت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان على أنَّ “حجب الإنترنت يتسبّب في أضرار لا تُحصى، سواء من الناحية المادّية أو في ما يتعلّق بحقوق الإنسان“، في حين أنَّ “التكاليف التي تتكبّدها الوظائف والتعليم والصحّة والمشاركة السياسية دائماً ما تتجاوز أيّ فائدة مرجوة من حجب الإنترنت".
وتُتيح المادّة 4 من العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية للدول “أن تتّخذ، في أضيق الحدود التي يتطلّبها الوضع، تدابير لا تتقيّد بالالتزامات المترتّبة عليها بمقتضى هذا العهد”. ووفقاً للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة، يجب أن يعكس هذا الشرط “مبدأ التناسب، وهو أمر شائع في سياق أحكام التقييد وعدم التقيُّد”. بعبارة أخرى، “يجب أن يكون أيّ إجراء تقييدي ضرورياً للغاية للتعامل مع التهديد الذي يمسّ حياة الأمّة ومتناسباً مع طبيعة هذا التهديد ومداه“. تؤثّر إجراءات قطع الإنترنت بشكل غير متناسب على جميع المستخدمين/ات وتحدّ دون مُبرّر من الوصول إلى المعلومات وخدمات الاتصالات الطارئة خلال الأوقات الحرجة، ما يجعلها “غير متناسبة بحدّ ذاتها”.
وجاء في الرسالة ايضاً: "نظراً لـتاريخ العراق في اللجوء إلى قطع الإنترنت خلال فترات مهمة أخرى، بما في ذلك الاحتجاجات، ندعوكم بصورة عاجلة إلى الالتزام بعدم قطع الإنترنت في جميع الأوقات ووضع حدّ لهذه الممارسة غير الفعّالة، وتحديداً أثناء الامتحانات. إنَّنا نناشدكم لضمان حصول الشعب العراقي على اتصّالٍ آمنٍ ومفتوح وغير مُقيَّد بالإنترنت خلال فترة الامتحانات القادمة".
واردفت الرسالة: "نحن مستعدّون لمناقشة هذه المسألة بمزيدٍ من التفصيل معكم ومع مكتبكم، أو الردّ على الأسئلة والاستفسارات، أو تقديم الدعم للانتقال من إجراءات قطع الإنترنت إلى بدائل أكثر احتراماً لحقوق الإنسان. يُرجى أخذ العلم بأنَّنا سننشر هذه الرسالة وأيّ ردود قد نتلقّاها من حكومتكم".
وأتمت الرسالة: "نناشدكم مجدّداً لمراعاة التزامات العراق بتعزيز حقوق الإنسان، والامتناع عن تنفيذ إجراءات قطع الإنترنت أثناء الامتحانات، والالتزام بـ #لا_لقطع_الإنترنت_خلال_الامتحانات".