هادي جلو مرعي
بالرغم من إندهاش البشرية من القدرات الأمريكية على مستوى السياسة والإقتصاد والتسلح وقوة القرار والهيمنة الكاملة على العالم، ورغبة دول ومنظومات بالإستسلام الكامل لنفوذ واشنطن، والإنصياع لها في الصغيرة والكبيرة، لكن المطلق ليس هو الفعل الأمريكي، وهناك ماهو أقوى وأقدر دائمًا، وطالما كانت أمريكا دولة يحكمها البشر فهي معنية كغيرها بالصعوبات والفشل وسوء التخطيط والخديعة. ولعل ماكنة التضليل تنجح معها أحيانًا ولعل الكثير يشاركوني الرأي في أنها سقطت في مستنقع الخديعة وضللت. وفي التاريخ شواهد على ذلك برغم إنها تكون في أحيان شريكة في تضليل نفسها، والإيحاء للآخرين إنها ضحية التضليل لتمرر مخطط ما، أو رؤية في حكم العالم، وليس ببعيد عن ذلك ممارسات عديدة أتهمت فيها بفعل ذلك، فتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، والحديث عن النووي العراقي، وشهادة الطفلة الكويتية (نيرة) من على منبر مجلس الأمن كلها شواهد على التضليل، أو صناعة التضليل، مع إنني أؤكد على أنها يمكن في بعض الأحيان أن تسقط في التضليل من جهات وأطراف لغايات عديدة لامكان للتفصيل فيها. أصدرت واشنطن ووزارة الخزانة الأمريكية، وفي العديد من المناسبات قرارات بفرض عقوبات على دول ورؤساء وزعامات ومصارف وشركات وأفراد عسكريين لأسباب يطول شرحها، وللعراق منها حصة على مدى الثلاثين عامًا الماضية، ومنذ أيام غزو الكويت، وكان آخرها قرارات بعقوبات على مصارف عراقية عديدة بدعوى تمويل مالي في إتجاهات عدة تراها واشنطن غير قانونية، وطالبت الحكومة العراقية بمزيد من الإنضباط في السلوك المالي، ومع تصاعد التوتر في ذلك فقد تم إستهداف شخصيات مصرفية ومصارف عراقية عديدة، وصدرت توضيحات حول ذلك من البنك المركزي العراقي والحكومة، ولكن صدرت أحاديث عن طبيعة تلك العقوبات وإعلانها في وقت واحد، وعلى مجموعة من المصارف، وتم طرح أسئلة مؤداها: ما إذا كان نوع من التضليل مورس من الداخل العراقي لأهداف تنافسية، وصراعات بينية بهدف تسقيط الخصوم، والتنكيل بهم، وتقييد ممارساتهم المالية؟. حيث يتم تسريب معلومات مضللة عن مصرفيين ومصارف بأنهم يقومون بأعمال غير مشروعة، كدعم لجماعات مسلحة، وتهريب أموال، وتسهيلات في مجال مختلفة، وغسيل أموال، والتعاون مع بعض الجهات والدول التي تصنف أمريكيا بأنها داعمة للإرهاب، أو أنها تقوم بتهديد المصالح الأمريكية في أكثر من مكان من العالم، وتمثل خطرًا وشيكًا على الأمن القومي الأمريكي، أو مصالح الحلفاء والشركاء الدوليين والإقليميين. من الغريب أن تتهم مجموعة مصارف معروفة وشخصيات مصرفية عديدة، وفي وقت واحد بتهم من هذا النوع مع إنها تمارس عملها منذ سنوات عدة، والأدهى أن يندفع إعلاميون وكتاب ومنصات لينساقوا خلف تلك الدعاية، ودون تمحيص وكأنهم شركاء للذين يمارسون التضليل، أو أنهم يرغبون بالفعل في دعم الجهد الأمريكي لغايات في نفوسهم، وممالاة لجهات تلعب تلك اللعبة بغرض المنافسة، وتحجيم عمل مصارف بعينها، والتشكيك في نزاهتها وعملها، وإحداث المزيد من الفوضى وخاصة حين يكون البعض منساقًا لأنه يريد أن تعم الفوضى في النظام المالي العراقي ويربك عمل المؤسسات المصرفية ويرهق الدولة، ويعطل برامجها، ويستثمر في تلك الفوضى لعله يصل الى غايات بعينها قد لانتمكن من إستيضاحها كاملة، لكننا ندرك عمق المأزق الذين يدفعون العراق أليه، ولا يفكرون في مصلحة البلاد لأنها بالنسبة لهم مجرد مكان مكرهين على العيش فيه، أو إتخاذه مكانا للكسب فقط.