رياض محمد
في يوم ما وعشية سقوط صدام كنت اتوقع او اظن ان حكام العراق الجديد - وهم حتما من الشيعة لانهم الاغلبية - سيغيرون اسماء الشوارع المهمة في بغداد لتعكس مزاج الناس وهكذا سيتحول شارع الرشيد الى شارع الحسين وشارع السعدون الى شارع محمد باقر الصدر...الخ.
مرت سنوات عديدة بعد ذلك وخلال بحثي اثناء كتابة مقال عن شارع الرشيد للنيويورك تايمز, التقيت الناقد ياسين النصير وقرأت كتابه الجميل: "شارع الرشيد, عين المدينة وناظم النص" وايقنت حينها ان شوارع واماكن لها كل هذا التاريخ - بغض النظر عن رأينا في احداث هذا التاريخ - لا يمكن ان تتغير اسمائها بجرة قلم...
ثم مرت سنوات اخرى وقادتنا اقدامي الى باريس بصحبة الصديق حبيب عبد وقضينا يومين ونحن نتجول بين معالم المدينة العظيمة. ولا اذكر اين بالضبط - ربما في قصور فرساي او قرب متحف اللوفر - اكتشفت حقيقة غريبة وملفتة للانتباه.
كان لويس الرابع عشر اكثر ملوك فرنسا طغيانا واطولهم في الحكم واكثرهم بذخا وهو من ينسب له مقولة: "انا الدولة والدولة انا" التي اصبحت شعار الحكم الملكي المطلق وهو ما قاد في النهاية الى سقوط هذا الحكم في ظل لويس السادس عشر وانتصار الثورة الفرنسية.
المفارقة هي ان لويس الرابع عشر كان الحاكم المستبد الذي بنى بعض اهم ملامح عظمة فرنسا التي دامت الى اليوم وجعلتها قبلة سياح العالم (قصور فرساي مثلا). كما انه هو من رعى العلماء والفنانين وفي عهده اسست اكاديميات الرسم والنحت والهندسة والعلوم. وخلال سنوات حكمه برز موليير وراسين وغيرهم.
لقد قاد بذخ لويس الرابع عشر الى سقوط الملكية في نهاية الامر. لكن ما بناه لويس الرابع عشر اصبح ايضا من رموز عظمة فرنسا عبر الاجيال وادر عليها دخلا هائلا من حوالي 80 مليون سائح اجنبي يزورون البلاد سنويا...
ينطبق الامر ايضا على نابليون الثالث الذي اعاد تخطيط باريس وحولها الى ما نراه اليوم.
وفي الولايات المتحدة وخصوصا بعد الاحتجاجات التي اعقبت مقتل جورج فلويد في عام 2020, ازدادت الدعوات لاعادة النظر في الاباء المؤسسين للامة الامريكية باعتبار ان اغلبهم ان لم يكن جميعهم كانوا من ملاك العبيد - ومنهم واشنطن نفسه.
وهناك اليوم حراك في كثير من المدن الامريكية الجنوبية بين من يدعو لازالة اي تماثيل او نصب لاي شخصية لها علاقة بالعبودية. في حين يرى اخرون ان هؤلاء كانوا نتاج عصرهم وان النظر اليهم بعين الحاضر ليس منصفا.
خلاصة الامر هي ان المنصور كان الى حد ما اشبه بلويس الرابع عشر. كان طاغية - ومن لم يكن طاغية في عصره؟! - وكان ايضا بناءا عظيما.
ازالة تمثال رأس المنصور لن تزيل تاريخه ولن تزيل بغداد التي اسسها - نعم هو مؤسسها.
وفي عالم اليوم تتخذ الدول التي تحترم شعوبها قرارات مثل تغيير اسماء الشوارع والميادين المهمة باستفتاء شعبي يطرح عادة كجزء من ورقة الاقتراع في الانتخابات وهكذا يقرر الناس ما يجدونه مناسبا.