عنايت عطار فنان يبحر في عوالم المرأة
17-كانون الثاني-2024

غريب ملا زلال
خيالات بألوان مزركشة
رسم الفنان التشكيلي عنايت عطار لنفسه حدودا فنية لم يتجاوزها بعد، تتحرك نساؤه داخلها، فهو ملتزم برسم المرأة وجعلها بطل عمله الذي يسرد للمتلقي حكايات تمزج بين التاريخ والأسطورة، الماضي والحاضر.
إذا كانوا قد أطلقوا على الراحل نزار قباني شاعر المرأة، بغض النظر عما إذا كنا موافقين على هذه التسمية أم لا، هل نستطيع أن نحمل هذا اللقب في إطار الفن التشكيلي إلى عنايت عطار فنقول عنه فنان المرأة؟
أينما توجهت وأينما أبحرت في أعمال عطار لا بد أن تصادفك المرأة، فهي ضيفة شبه مقيمة إن لم نقل مقيمة إقامة دائمة في مجمل أعماله، حتى في تلك اللوحات التي قد توحي إليك بأنها غائبة، لكن ما إن تمعن فيها قليلا حتى تجدها نائمة بين ثنايا اللوحة أو حالمة بين أفق ألوانه المزركشة الخاصة والتي أسست أصلاً لها، بالاعتماد على خيالات توحي بها.
والمرأة تعتبر العنصر الأهم في حقل عنايت الفني الجميل، فهي ترافق ريشته كيفما وأينما دار بها، حتى أننا كدنا نقول إن ذاكرة هذا الفنان السوري تكاد تكون فردية ومحصورة بالمرأة فقط، وهي بكل تأكيد تستحق ذلك وهذا يسجل له وليس عليه.
وبغض النظر عن الأبعاد التي قد تعنيها المرأة للفنان كقضية جمالية أولا وإنسانية ثانيا، قد توحي إليه موضوعا آخرا ومغايرا كالموضوع القومي مثلا، وتشي بذلك الوجوه نفسها والألوان نفسها، تلك الوجوه القادمة من حقول اwلشمس وبألوان تكاد تنحسر بألوان الربيع، بألوان النوروز.
والمرأة عنده هي ليست فقط جمالا وقضية بل كيان شامخ يبلور كل الاستعارات بمركزية الاقتران بالتشكيل الذي يعوّد الأذهان على أن تراه. فهي حياة سابقة للزمن وللتاريخ ومكون بشري يلبي كل المكونات الأخرى بانفعالاتها وأذواقها وعاداتها وميولها المحررة من هيمنة السائد بالإشارة إلى الحضور المتصاعد على الرغم من انشغاله بخاصية بصرية على المستوى الناجز في نقل خاصية لونية إلى خاصية وصفية بنقل حركات صوتية على المستوى السمعي – البصري، وهذا ما يظهره على احتكاك عميق بالحواس الغائبة شكلا والحاضرة تأويلا مع غياب الفوارق التأثيرية والمأخوذة من مظاهر لا تنتهي في الخاطر بل تسرد الآلاف من الحكايات المبعثرة بألوان قزحية في أكثر أعمال عنايت.
حضور النساء داخل العمل التشكيلي بمفردهن يحتاج إلى وقائع خاصة ومستفيضة قد نعود إليها، مع التذكير بأن وجوههن تلبي كل الإيحاءات الخارجية منها والداخلية عبر تداعي الرغبات السامية والمعاني التي كثيرا ما تشير إلى اكتساب عادات بقوة الإيماء، وهذا ما يدفعنا إلى القول إنه يكسر مقولة فولتير: “المرأة المرسومة امرأة واحدة، هذا كل شيء، لقد أنجزت صورتها وتمت وكل كلام حولها لغو”، بتحد كبير للمخيلة وذلك بنقل مصادرها إلى المتلقي مما يتيح له تشكيل تكوين خاص به دون أن يدفعه ذلك إلى أي تحوير وفقا لإشارات يرهنها لحلول بصرية قد تتخذ أبعادا تجريبية ناضجة إلى حد كبير.
عنايت عطار مع طاقمه من النساء اللواتي يتجولن بين البرتقالي والأزرق والأصفر والأخضر وفقا لخوض قضايا جمالية ترهن فاعلية الذاكرة وفاعلية المخيلة لاقتباسات تتغلغل في عمق صياغات السماء التاسعة، بالتشديد على مفاصل تكوينية تستمد عزمها من ألوانها الموظفة لخلق البنية الفنية في كل مفاصل أعماله.
إنه يسعى إلى مناصرة ما يراه بمنح طاقة شعرية في أعماله، وذلك حين يغرق اللوحة بـ”الأورانج” (البرتقالي) الهادئ القريب من الذات الإنسانية والمغناة ضمن ألحان مبتكرة من المكان الذي ينتمي إليه.
يذهب عنايت إلى أفق مفتوح يفضي إلى مفترق لمسارات تنشط مخيلته وفقا لخلق قضايا جمالية تعيده إلى بناء الأحداث من منظور آخر يجعله يؤكد أن أصابعه هنا تنزف عشقا وذلك عبر عملية شق وتصعيد درامي جمالي تقني ومن منظور تغريبي لم يسبقه إليه إلا ميرخولد وبريخت في المسرح، أما في الفن التشكيلي فمازلت أبحث في هذا الجانب ويبقى إلى الآن عنايت هو السباق في هذا التغريب الذي أبعده عن السقوط في التناقض وفي الارتباك وفي التكرار، رغم طموحه الحاسم في التحولات التكوينية، هذه التحولات المرتبطة بمقولات أساسية تنطق بها جل أعماله على امتداد التوافق الذي يقيس الإنتاج الفني بمقياس كوني يعتمد في تحليلاته على استمرارية نضج خصائص التجريب بالوقوف عند استخلاصات هي تجريبية أيضا في علاقاتها التي تزداد توغلا في سمات القيمة المعيارية للعمل.
هكذا تسير حكاية بل حكايات عنايت مع المرأة ضمن رائحة الأمس فينبغي النظر إليها باعتبارها معطى ثقافيا مهما، وبوصفها مفهوما للأنسنة وللتأكيد على تحديد ماهية مكونها الافتراضي، ولهذا يستعير عنايت محور حكاياته من الواقع المتداخل مع التاريخ والأسطورة فيظهرهما بصورة الريح بل ويدمجهما معا.
لم يتجاوز هذا الفنان التشكيلي السوري الحدود التي أوجدها لنفسه رغم أنه يغيب كل الحدود أمام نسائه، فيتوالين دون خشية وكأمواج وأرتال وجماعات ليبدين تفاعلا مع كل دوائر الولادات المتجاورة لأسقف السموات. هن يدركن بوضوح كبير الزمن عبر إدراكهن للمكان الذي ولدن فيه، فوضوح القامات وغياب الملامح هما ترتيب آخر وأولي لحروف التشكيل عند عنايت الذي يرفض أن يكون تحت العتبة. فهو يحمل ذاكرة تتضمن مشروعا فنيا تشكيليا وتكوينيا يحتاج إلى انفجارات كثيرة من داخله خرج بعضها والبعض الآخر في الطريق مازال ينتظر. لهذا أدعو عنايت إلى الصوم الفني برهة ليمنح المجال لأفقه الجديد المبشر بانفجارات جمالية قد تكون منعطفا في مسيرته الفنية.
وفي ضوء ما تقدم نستطيع أن نقول إن عنايت يكرس مساحة كبيرة لبلورة سؤال يذهب إلى نهايات لا بداية لها وحينا إلى بدايات لا نهاية لها، وهذا ما يمكننا من تفهم أطروحته الأساسية، تلك الأطروحة التي تقترب وتقربك معها من تجربته منذ النضج الأول وصولا إلى البعد الخاص به الذي يمهد له الطريق في اكتشافات عبر ولوجه بوابة رسمها بتراكماته الكثيرة وتجاربه اللامحدودة في السعي إلى قراءة الواقع قراءة لونية فنية.

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech