فاينانشال تايمز: الضرائب غير المتوقعة سياسة جيدة وقاسية في آن واحد
15-تشرين الثاني-2022
بغداد ـ العالم
تناولت صحيفة " فاينانشال تايمز" البريطانية في تقرير لها مخلفات الضرائب غير المتوقعة على المستثمرين.
وقالت الصحيفة، إن التضخم ارتفع في الأشهر التسعة الماضية، وانخفضت أسعار الأسهم وتوقف النمو العالمي، ويبدو أن الجميع يتأذون باستثناء شركات النفط.
وبينت الصحيفة أنه في حين أدت أزمة الطاقة التي سببتها الحرب الأوكرانية إلى ارتفاع تكلفة الوقود والكهرباء وآلاف المواد اليومية الأخرى، فقد أصبح منتجو الوقود الأحفوري أكثر ثراءً.
وذكرت الصحيفة أن أرباح أكبر شركة نفط أمريكية "إكسون موبيل" تضاعفت ثلاث مرات في الربع الثالث لتبلغ 20 مليار دولار، ما رفع أرباحها السنوية إلى أكثر من 43 مليار دولار، وقد حققت شركة "شل" 30 مليار دولار هذه السنة، بما في ذلك 9.5 مليار دولار في الأشهر الثلاثة حتى أيلول/ سبتمبر.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا ما دفع السياسيين في مختلف أنحاء العالم إلى التهديد بفرض ضرائب غير متوقعة، ووعد الرئيس الأمريكي جو بايدن، هذا الأسبوع، بزيادة الرسوم على المنتجين ما لم يساعدوا في خفض تكاليف الوقود في الولايات المتحدة.
من جانبه، قال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، إنه "مسؤول ماليًّا" عن فرض ضرائب على أرباح منتجي النفط والغاز "الاستثنائية" عندما أعلن عن فرض ضريبة على أرباح الطاقة في أيار/ مايو. وبعد خمسة أشهر، يفكر سوناك في زيادة الضريبة من 25 بالمئة إلى 30 بالمئة وتمديدها حتى سنة 2028.
وفي أوروبا، فرض الاتحاد الأوروبي ضريبة "مساهمة تضامنية" بنسبة 33 بالمئة على الأقل من "الأرباح الفائضة الخاضعة للضريبة" التي حققتها شركات الوقود الأحفوري، كما فرضت إيطاليا ضريبة مكاسب غير متوقعة بنسبة 25 بالمئة على أرباح شركات الطاقة، في حين اقترحت إسبانيا فرض ضريبة إضافية بنسبة 1.2 بالمئة على مبيعات شركات الطاقة، فضلاً عن ضريبة بنسبة 4.8 بالمئة على أرباح البنوك.
وأوردت الصحيفة أن سياسة الضرائب غير المتوقعة بسيطة، حيث إن قلة من الناخبين يعترضون على الشركات التي تتعرض للضغط بعد تحقيق أرباح في الأوقات الصعبة؛ ناهيك عن تصميمها وتنفيذها، لا سيما عندما تحقق الشركات أرباحا عالمية وتستثمر في مصادر طاقة جديدة أكثر صداقة للبيئة.
موضوع متكرر
وأفادت الصحيفة بأن الضرائب غير المتوقعة ليست جديدة، ففي السنوات الأولى من الحرب العالمية الأولى، تبنت 22 دولة على الأقل، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا شكلًا من أشكال الضرائب الإضافية على أرباح الشركات "الزائدة". وخلال الحرب العالمية الثانية، ولّدت ضريبة الأرباح الزائدة في الولايات المتحدة 22 بالمئة من عائدات الضرائب الحكومية في سنة 1943، أي ما يعادل 2.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقًا لصندوق النقد الدولي.
وفي صناعة الطاقة، تعد الجهود الحكومية لجني عائدات ضريبية أكبر خلال فترات ارتفاع الأسعار موضوعًا متكررًا، وتمتلك العديد من الدول المنتجة أنظمة ضريبية تتضمن آلية لضمان مكاسب الدولة إذا ارتفعت الأسعار.
وفي المملكة المتحدة - التي تفرض ضرائب على الأرباح بدلاً من الإنتاج - قامت وزارة الخزانة بانتظام بتعديل معدل الضريبة على مدار الخمسين سنة الماضية اعتمادًا على سعر النفط، بحسب ما قاله غراهام كيلاس، رئيس أبحاث السياسة المالية في شركة استشارات الطاقة "وود ماكينزي".
وأضاف كيلاس أن "سياسة ضرائب النفط والغاز في المملكة المتحدة تعتبر في الأساس مراقبة ما يحدث مع الأسعار وتعديل معدلات الضرائب عندما تشعر بأن مستوى الأسعار قد تغير".
وفي الآونة الأخيرة، رفع وزير المالية آنذاك، جورج أوسبورن، في سنة 2011 معدل الضريبة التكميلية الذي يدفعه منتجو النفط والغاز من 20 بالمئة إلى 32 بالمئة بعد ارتفاع أسعار النفط، ثم تم تخفيضها إلى 10 بالمئة بين سنتي 2014 و2016 مع انخفاض الأسعار.
وحتى الآن؛ كان لضريبة أرباح الطاقة في المملكة المتحدة تأثير مختلط. وهذا الأسبوع، قالت شركة "بريتيش بتروليوم"، ثالث أكبر منتج للنفط والغاز في بحر الشمال، إنها تتوقع دفع ضرائب بنحو 2.5 مليار دولار في سنة 2022، بما في ذلك حوالي 800 مليون دولار بموجب الضريبة الجديدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن شركة "هاربر إنيرجي" المدعومة من الأسهم الخاصة، وهي أكبر منتج في المملكة المتحدة، تتوقع دفع 900 مليون دولار كضرائب في المملكة المتحدة هذه السنة، بما في ذلك 400 مليون دولار بموجب الضريبة.
وفي المقابل، لم تدفع شركة "شل" أي ضرائب في المملكة المتحدة طوال هذه السنة، وقالت إن الاستثمارات في الإنتاج الجديد والتكاليف المرتبطة بإيقاف تشغيل الحقول القديمة ألغت جميع أرباح المملكة المتحدة. وفي الواقع، لم تدفع شركة "شل" أي ضرائب على إنتاجها من النفط والغاز في المملكة المتحدة منذ سنة 2017.
وذكرت الصحيفة نقلًا عن الرئيس التنفيذي لشركة "شل"، فان بيردن، الأسبوع الماضي بعد أن أعلنت شركته عن ثاني أعلى ربح ربع سنوي في تاريخها، أن "الحكومات ستنظر إلى الشركات التي تستفيد من التقلبات والأسعار التي نراها، لتمويل البرامج التي تطرحها، وأعتقد أنه يتعين علينا قبول ذلك".
وبينما تحقق "شل" أرباحًا في مختلف أنحاء العالم، فإن العديد من المنتجين في بحر الشمال يعتمدون بشكل أكبر على عائداتهم في المملكة المتحدة.
ويقول سام ليدلو، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة نيبتون إنيرجي، التي تنتج حوالي 12 بالمئة من نفطها وغازها في المملكة المتحدة، إنه لا مانع من فرض ضرائب أعلى بشرط توضيح سبب فرضها ومدتها. ويقول أيضًا إن "مساهمة الاتحاد الأوروبي التضامنية" ستطبق فقط على الأرباح المحققة في 2022 أو 2023. في المقابل؛ تظل ضريبة أرباح الطاقة في المملكة المتحدة سارية حتى نهاية عام 2025 وقد يتم تمديدها حتى عام 2028.
ما الذي تريده الحكومة
وأكدت الصحيفة أن هناك تناقضا في جوهر نهج العديد من الحكومات الغربية تجاه صناعة الوقود الأحفوري منذ بداية الأزمة، فبعد سنوات من دعوة القطاع لخفض الانبعاثات؛ يريد صناع السياسة الآن من الشركات زيادة العرض، بينما يحثون نفس المديرين التنفيذيين على تحقيق انتقال طويل الأجل إلى أنواع وقود أكثر مراعاة للبيئة.
وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من الالتزام بخفض الانبعاثات إلى صافي الصفر بحلول عام 2050، فلا تزال المملكة المتحدة ترغب في تشجيع الاستثمار في إنتاج النفط والغاز الذي تعتقد أنه ضروري لتمكين البلاد من الحصول على مصادر كافية من الطاقة حتى تتمكن من تحقيق الانتقال الكامل إلى مجالات توليد الطاقة النظيفة.
نتيجة لذلك؛ تتضمن ضريبة أرباح الطاقة "خصمًا هائلًا" وسخيًا للاستثمارات في إنتاج النفط والغاز الجديد الذي يكافئ الشركات بتوفير إجمالي من الضريبة قدره 91 بنسًا مقابل كل جنيه إسترليني واحد تستثمره. وقال البروفيسور مايكل ديفيروكس من مركز جامعة أكسفورد لضرائب الأعمال إن هذا أدى في الواقع إلى إنشاء إعانة لمشاريع الوقود الأحفوري التي لولاها ما كانت لتستمر، مضيفًا أنه "من الممكن تبرير الإعانة من أجل الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، لكن من الصعب كثيرا تبرير الاستثمار في قطاع النفط والغاز".
وفي المقابل، أصبحت إدارة بايدن، التي تحدثت في البداية عن كبح عمليات الحفر الجديدة وتسريع الانتقال من النفط، تهدّد بمعاقبة الشركات ما لم تقم بتشغيل المزيد من منصات الحفر؛ حيث صرّح بايدن هذا الأسبوع قائلا: "ما لم يفعلوا ذلك، سيدفعون ضريبة أعلى على أرباحهم الزائدة وسيواجهون قيودًا أخرى".
ومع ذلك؛ يرى معظم المحللين أن هذا التهديد بفرض ضرائب فيدرالية جديدة على أرباح شركات النفط الأمريكية لم يكن سوى جزء من خطاب الحملة الانتخابية قبل انتخابات التجديد النصفي.
وقال كيفن بوك، العضو المنتدب في شركة كليرفيو إينيرجي بارتنرز، وهي شركة استشارية من واشنطن، إن التدخلات على مستوى الولاية أكثر منطقية، خاصة في ظل استمرار الأسعار المرتفعة، مضيفا أن "الأسعار المرتفعة تدفع الحكومات إلى المطالبة بتعويضات أكثر، وقد يؤدي الركود إلى إجهاد موارد الدولة والحكومات المحلية. وفي هذا السياق، تبدأ بعض الدول المنتجة كذلك في مراقبة أرباح الصناعة، ما قد يؤدي إلى تعديل الحوافز الحالية، إلى جانب فرض رسوم جديدة".
استغلال المكاسب
وأضافت الصحيفة أنه غالبًا ما لا تكون الضرائب المفاجئة عاملًا مضمونًا لجمع الإيرادات؛ حيث جلبت ضريبة إيطاليا مبالغ أقل مما كان متوقعًا بفارق مليارات، إذ رفضت العديد من شركات الطاقة ببساطة الدفع وتقدمت بطعون قانونية ضد الحكومة.
وأفادت الصحيفة بأن جزءًا من التحدي الذي تواجهه الحكومات يتمثل في أن أرقام الأرباح الهائلة التي حققتها أمثال "بي بي" و"شل"، والتي تثير غضبًا كبيرا من جانب الناخبين، وهي في الواقع أرباح عالمية ما يعني أن الجزء الخاضع للضريبة في المملكة المتحدة ضئيل للغاية، إذ تنص الاتفاقية على أن الدول لا تفرض ضرائب على الأرباح الأجنبية، التي عادة ما تخضع للضرائب في الولاية القضائية التي يتم فيها تحقيق هذه الأرباح.
وعلى سبيل المثال، قال كيلاس من وود ماكنزي إن شركة بريتيش بتروليوم أعلنت عن أرباح ربع سنوية بلغت 8.2 مليار دولار هذا الأسبوع، لكن ما تم تحقيقه في المملكة المتحدة لا يتجاوز على الأغلب الـ10 بالمئة. وفي المقابل؛ ردّ موراي أوشينكلوس، كبير المسؤولين الماليين في شركة "بي بي"، قائلًا إنه على الرغم من أن الناس "يركزون بشكل مفهوم على مستويات أرباحنا العالمية" في "هذا الوقت الصعب بالنسبة للمجتمع"، فإن شركته لا تتنصل من مسؤولياتها تجاه دافعي الضرائب في المملكة المتحدة.
وصرّح أوشينكلوس أيضًا بأنه في المملكة المتحدة، يذهب دولاران من كل 3 دولارات تجنيها الشركة إلى الحكومة، ويضيف أن شركة بريتيش بتروليوم دفعت ضرائب بقيمة 5 مليارات دولار في جميع أنحاء العالم خلال الربع الثالث بمتوسط معدل ضرائب بلغ 37 بالمئة، مشيرا أيضا إلى أن المكافآت لن تذهب فقط إلى المساهمين، بل يتم استثمارها في انتقال الطاقة.
ومع ذلك؛ ومع تزايد التكاليف الاجتماعية للأزمة، يدعو البعض إلى حلول أكثر جذرية، حيث يجادل دان نيدل، اختصاصي الضرائب السابق في كليفورد تشانس، بأنه على الرغم من أن فرض الضرائب على الأرباح الأجنبية عادةً ما يُعتبر "سلوكًا سيئًا"، إلا أنه من الممكن إجراء استثناء في حال ثبت أن فرض ضرائب على الأرباح المحلية لشركات الطاقة في المملكة المتحدة غير كاف.
وأضاف نيدل أنه يمكن تحقيق ذلك "إذا وعدنا بكل مصداقية أن هذا لن يحصل سوى مرة واحدة ولن تتكرر"، كما أنه يجادل بأن إمكانية نقل الشركات لمقرها الرئيسي لتجنب الضرائب ستكون أقل مما يتوقّعه الناس، مضيفًا أنه يمكن استخدام معاهدات الازدواج الضريبي لمنع أي مجموعة من دفع الضرائب مرتين على نفس الأرباح.