من الافلام التي لا احبها فلم "العراب" وهو الاكثر شهرة وشعبية منذ بداية السبعينات. فهذا الفلم، بجميع اجزائه، يمجد المجرمين ويحببهم لنا ويجعلهم قدوة لتصرفنا وتفكيرنا.. وهو يمثل من جهة اخرى القيم المنحطة في ثقافتنا السائدة التي تقدم صورة الاب والعائلة بطريقة قبلية ولا ترى عيبا في العيش من خلال القتل والتهريب والسرقة والابتزاز. ومما زاد في رفضي للفلم انه الوحيد الذي كان صدام حسين معجبا به، وكان يكثر من مشاهدته، واعتقد انه تأثر به اكثر مما تأثر بستالين او بهتلر.
ومن يتذكر بدايات صدام وازيائه وحركاته في بدايات صعوده، سيجد انها كانت تقليدا فجا لأناقة رجال المافيات الايطالية من حديثي النعمة، وهو كان يقلدهم في كثير من حركاتهم وتصرفاتهم.. وايضا في اعتماده القتل بدم بارد وقسوة.
وفكرت في بدايات عملي الصحفي في السبعينات بان العنف الزائد في الافلام هو سياسة رسمية للبعثيين، وحملت اوراقي والتقيت بالذين سمحوا وشجعوا عرض افلام العنف المنفلت بدور السينما في العراق. وكان ممن التقيتهم الدكتور صبحي انور رشيد مدير المتحف العراقي.
وعثمان محمد فايق مدير دار الثقافة الكردية (الذي اغتالته فيما بعد ببغداد منظمة "الصقر الاحمر" الكردية في باب وزارة الثقافة والاعلام باعتباره خائنا للشعب الكردي.. وقد تم اعتقال المجموعة التي اغتالته في وضح النهار).
كما التقيت بعبد الامير معلة مدير عام مؤسسة السينما والمسرح ومؤلف المهزلة الروائية "الايام الطويلة" التي تتحدث عن قيام صدام بالتخطيط والتنفيذ لاغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد عام 1959، في حين ان دوره كان ثانويا وتم ضمه لفريق الاغتيال في اللحظات الاخيرة بسبب غياب احد المنفذين. وسبب لقائي بهؤلاء ان لجان الرقابة على الافلام كانت برئاسة المدراء العامين في الحكومة وبغض النظر عن صلتهم بالسينما او بنوع ثقافتهم.
واتاحت لي تلك اللقاءات فرصة التعرف عن قرب على طريقة تفكير هؤلاء كممثلين للبعث، وكيفية اختيارهم للأفلام المعروضة او الممنوعة من العرض.
وكانت فكرتي تقوم على دراسات علمية تقول ان القليل من العنف في السينما قد يمتص طاقة العنف عند الجمهور فيسربها ويبددها، في حين ان وجبات العنف الكبيرة في تلك الافلام تجعل الجمهور عدوانيا.
وعندما واجهتهم بهذا قالوا، ويا لهول ومسخرة ما قالوه:
ان شعبنا يحتاج ان يكون عنيفا لان التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهه كبيرة.. وقال لي الدكتور صبحي انور رشيد مدير المتحف يومها:
نحن نعرض افلام الكاوبوي العنيفة لأنها تعلم شعبنا الرجولة وتقضي على الميوعة السائدة في اوساط الشباب!
وقال لي اخر ان افلام العنف افضل من افلام البلدان الاشتراكية لأنها تجعل الجمهور شيوعيا! ونشرت التحقيق في صفحتين من جريدة الفكر الجديد وبعنوان "افلام القتل والكاوبوي تعلمنا الرجولة"! وقامت دنيا البعث ولم تقعد.. وجاءنا رد غاضب وعنيف من مؤسسة السينما والمسرح يطالب الجريدة بالاعتذار عما كتبته، وقالوا ان احدا من المدراء المذكورين، وبعد الاتصال والتحقق منهم، اعلنوا انهم لم يصرحوا بذلك ابدا!
ويا لها من ايام..