فن أصيل عاد لإثبات جدارته بعد منافسة «غير عادلة» أمام المستورد
12-تشرين الأول-2023
بغداد ـ العالم
عادت النجارة العراقية مؤخراً إلى إثبات جدارتها أمام الأثاث المستورد بعد أن كادت تنقرض خلال السنوات الماضية، وذلك لتطور عملها حتى أصبحت مشابهة للأثاث التركي والايطالي والمصري، لكن بمواد وعمل "أفضل"، وفيما يكشف مختصون بهذه المهنة وخبراء عن حجم التحديات التي تواجهها، يرى آخرون بارقة أمل "خطته" هذه المهنة لنفسها بعد فترات صعبة من المنافسة "غير العادلة" مع المستورد. وتعد النجارة من التراث العراقي، وهي بارزة في شناشيل بغداد وكذلك في المباني القديمة والتراثية التي تحتوي جميعها على فن النجارة والديكور، وكانت دول العالم ترغب بتقليد هذا الفن في بلدانها، بحسب رئيس اتحاد نقابات العمال في العراق، ستار دنبوس. ويؤكد دنبوس، ان "النجارة كانت من الصناعات المهمة والعملاقة في العراق، ويعمل في هذه الحرفة أعداد كبيرة من النجارين، التي لم تكن تقتصر على التراث، بل كل غرف النوم والأبواب والشبابيك وغيرها كانت تصنع بأيادٍ عراقية وبدرجة ممتازة".
ويضيف، "لكن التخبط الحكومي والاستيراد العشوائي ألحق الأذى بهذا الفن الأصيل، وكان من كوارث الحكومات المتعاقبة فرض ضرائب كبيرة على المواد الأولية التي تدخل في النجارة، مقابل إعفاء ضريبي على المواد المصنوعة كاملة، وهذا لا يوجد في جميع دول العالم".
واعتبر ان "عمليات الاستيراد العشوائي، غسيل أموال"، موضحاً بالقول: "لأن هناك عملة صعبة كبيرة تخرج، في وقت أن البلاد قادرة على الصناعة بطريقة أفضل وأرقى من المستورد، وفي الوقت نفسه تسد الحاجة المحلية".
ويتفق الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، مع ما ذهب إليه ستار دنبوس حول "تأثير غزو البضائع المستوردة للسوق العراقية على الإنتاج المحلي، وانعكاسه على مصالح أصحاب المهن الحرة ومنها النجارة". ويؤكد عيد أن "العراق يضم الكثير من النجارين الماهرين بقدرات فنية وجودة عالية تفوق المستورد بكثير، لكن السوق بدأت باللجوء إلى المستورد بسبب رخص المادة وقوالبها الفنية لوجود المكائن والآلات والمعدات الصناعية المتطورة في بقية البلدان". ويضيف، أن "العراق يفتقد لأجود أنواع الأخشاب بسبب الطبيعة الجغرافية والبيئية للأراضي العراقية، ويعتمد النجارون على استيراد الأخشاب من الخارج بأسعار عالية، مما يرفع تكاليف إنتاج الصناعات الخشبية، خاصة مع عدم إمكانية الموردين الحصول على الدولار بالسعر الرسمي". ويوضح، أن "الأخشاب المستوردة أثرت كثيراً على أصحاب المهن، وغادر عدد كبير من النجارين مهنتهم التي توارثوها بسبب تعرضهم لخسائر كبيرة نتيجة الاستيراد المفرد وغير المدروس". وطالب عيد في ختام حديثه "الحكومة العراقية ونقابات المهن الحرة، بالعمل على وضع حد للاستيراد المفرط للصناعات الخشبية، ودعم النجارين العراقيين بالوسائل كافة، للحفاظ على هذا الموروث الوطني الاقتصادي".
ويؤيد حيدر حسين، وهو صاحب شركة لإنتاج وبيع الأثاث في بغداد، ما قاله ستار دنبوس وأحمد عيد، عن تأثير المستورد، مبيناً أن "المستورد في السنوات السابقة طغى على النجارة العراقية وكاد أن يخفيه، كما أن الزبون كان لا يهتم سابقاً بنوعية خشب الغرف".
ويضيف حسين "لكن في الآونة الأخيرة استطاعت النجارة العراقية إثبات جدارتها بالموديلات التي تصنعها المشابهة للمستورد لكن بمواد (خشب) وعمل أفضل".
ويؤكد، أنه "زاد الاقبال على النجارة العراقية من خلال العمل على أفضل وأجود أنواع الخشب، وهو خشب (الساج)، و(البلوط) و(السنديان) و(الزان) و(البورمي) للأشكال التركية والإيطالية والمصرية، لكن بنجارة عراقية درجة أولى من ناحية القياس وجودة العمل والدقة".
ويلفت إلى أن "الضرائب على المواد الخام تزداد يوماً بعد آخر خاصة بالنسبة للمواد التي نحتاجها لإنتاج الغرفة المشابهة للمستوردة"، مبيناً أن "أسعار الغرف المنتجة محلياً تتراوح ما بين 1 إلى 14 مليون دينار".