بغداد - العالم
ظاهرة أخذت تتنامى في الآونة الأخيرة تتمثل باستثمار ضفاف نهر دجلة لإقامة مقاهٍ ومطاعم وغيرها من الاستثمارات، وذلك بالنظر للموقع الجاذب للزبائن، لكن ثمة جملة أمور سلبية ومخاوف بيئية واقتصادية من هذه الخطوة.
أوضحت عضو مجلس النواب العراقي، زهرة البجاري، تفاصيل تجاوز الاستثمارات على نهر دجلة، مشيرة إلى أن "إقامة المطاعم الثابتة على نهر دجلة تُعد مخالفة صريحة للقانون".
وقالت البجاري، إنه "يجب أن تُؤْخَذ موافقات من النقل البحري، ومن وزارة الموارد المائية بالإضافة إلى البلدية أو الأمانة للاستثمار في الأنهار".
وأردفت، إن "إقامة المطاعم الثابتة على نهر دجلة يُعد مخالفة صريحة للقانون". مؤكدة، إن "البناء على النهر يجب أن يكون متحركاً".
وتابعت البجاري، إن "هناك ضوابط من الجهات المعنية ونماذج محددة للمراسي والاستثمارات سواء كانت مطاعم أو مقاهي أو غيرها على الأنهر بما فيها نهر دجلة".
في السياق، يبين الناشط البيئي، طه الجنابي، إن “التجاوز على الأراضي القريبة من نهر دجلة من خلال بناء المشاريع الاستثمارية يمكن أن يؤدي إلى عدة أضرار بيئية واقتصادية واجتماعية، فالمشاريع الاستثمارية قد تسبب تلوث الماء والتربة بسبب النفايات الصناعية والزراعية، مما يؤثر في جودة المياه في نهر دجلة، وعلى الحياة المائية”.
ويضيف الجنابي، إن “البناء على الأراضي القريبة من النهر يمكن أن يؤدي إلى تدمير الموائل الطبيعية للنباتات والحيوانات، مما يؤثر في التنوع البيولوجي في المنطقة”.
ويوضح، إن “هذه المشاريع الاستثمارية يمكن أن تؤدي إلى تقليل المساحات الزراعية وتحويل الأراضي الخصبة إلى مناطق غير منتجة، كما أن البناء غير المخطط له بالقرب من النهر يمكن أن يعيق جريان المياه الطبيعي، مما يزيد من خطر الفيضانات في المناطق المحيطة”.
ويكمل الناشط البيئي، إن “التجاوز على الأراضي يمكن أن يؤثر سلباً على المجتمعات المحلية التي تعتمد على نهر دجلة في معيشتها من خلال الصيد والزراعة، إذ قد تسهم المشاريع الكبيرة المتجاوزة في تغيرات محلية في المناخ، مثل زيادة درجات الحرارة أو التغييرات في نمط الأمطار”.
ويؤكد، إن “نهر دجلة يحمل تاريخا طويلا وثقافيا مهماً والتجاوز على أراضيه قد يؤدي إلى فقدان مواقع تاريخية وأثرية مهمة، لذا لابد من اتخاذ خطوات تخطيطية وتنظيمية للحفاظ على البيئة الطبيعية وحماية الموارد المائية لضمان استدامة التنمية والمحافظة على التوازن البيئي”.
يشار إلى أن هناك ثلاثة أنواع من التجاوزات على المنظومة المائية، الأول هو التجاوز على الحصص المائية، والثاني التجاوز على محرمات الأنهر عبر التواجد بأماكن المحرمات وأماكن ممرات المياه كالمطاعم والمحال والمنشآت السياحية الموجودة على مسار النهر، والثالث هو التسبب بتلويث مياه النهر من قبل المؤسسات الحكومية والأهلية، بحسب وزارة الموارد المائية.
وتشهد مناطق ضفاف دجلة، سواء من جهة شارع أبو نؤاس والعطيفية، بناء العديد من المراكز الترفيهية والمطاعم والمقاهي، وأغلبها قيد الإنشاء ولا تزال غير مكتملة.
من جهته، يؤكد المختص في مجال البيئة والمياه، صميم الفهداوي، أن “هناك من يبني عقارات على محرمات النهر وهذا مخالف للقانون وهنا يسقط عنه الحق ولا يحق له المطالبة بالتعويض أو رفع دعوى للجهة القانونية التي تقوم بإزالة التجاوز”.
ويردف الفهداوي، “هناك أيضا تجاوز على محرمات النهر بعدة إشكال، ومن أخطر التجاوزات هي الدور السكنية، فالفنادق والمطاعم أو المزارع يمكن للبلدية اتخاذ الإجراءات بحقها وإزالتها ويمكن للمديريات الخدمية الأخرى إغلاق مشاريع المستثمرين في حال إخلالهم بضوابط عدم تلويث البيئة لكن إلزام العوائل وهدم منازلها أمر صعب”.
ويوضح، أن “محرم النهر يُستثمر بشرط أن تكون مساحة فاصلة بين البناء وجرف النهر مسافة 15-20 مترا كحد أدنى لتكون كورنيشا بعدها يتم الاستثمار بما ذكر أعلاه كمنطقة خضراء أو زراعة أو الاستثمار بشرط عدم تصريف أي نفايات سواء صلبة أو سائلة إلى النهر أو أي مؤثر بيئي آخر”.
ويتابع الفهداوي، أنه “بحسب قانون الرَّي ومحرمات النهر لا تجوز إقامة أي منشآت ثابتة على مسافة لا تقل عن 100 متر عن خط الانغمار الأعلى للبحيرات أو الخزانات والأنهار”.
ومنذ بدء انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات استثمر العديد من أصحاب رؤوس الأموال ضفاف النهرين لتشييد مطاعم ومقاهٍ عائمة ومشيدة، وتفاقمت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة جراء أزمة الجفاف وشح الأمطار التي عانى منها البلد وأدت إلى انخفاض خطير في مناسيب الأنهر والسدود والبحيرات.
وفي كانون الثاني يناير الماضي، أعلنت وزارة الموارد المائية عن إزالة 20 مطعما في منطقة الكريعات، حيث أُنشئت هذه المطاعم في غفلة من الزمن عندما كانت الرقابة ضعيفة على هذا الموضوع، ولم يكن هناك شح مياه في حينها، أما في الوقت الحالي فهنالك مشكلة بالمياه والتجاوزات تؤثر في حصص المياه، ويجب الحفاظ على جمالية النهر وهوية بغداد لأن التجاوزات ظاهرة غير حضارية، وأي منشأة سواء كان تجارية أو سياحية لابد أن تخضع لتعليمات وضوابط وموافقات أصولية سياحية وصحية.
ويأسر نهر دجلة عشرات المستثمرين، لمجاورته بحثاً عن أرباح السياحة عبر مجمعات ترفيهية حديثة وفقا لقانون الاستثمار.
وانحسار المدن الترفيهية العامة في عاصمة يسكنها أكثر من 11 مليون نسمة زاد من فرص القطاع الخاص لدخول ميدان الاستثمار بنحو 150 مشروعا ترفيهياً تأخر افتتاحها العديد، لأسباب عدة منها الروتين الحكومي وتقاطع صلاحيات بعض الوزارات.
وتشهد بغداد سنوياً افتتاح عشرات المجمعات السياحية بمساحات تصل الى 20000 متر مربع إضافة الى بعض المشاريع السياحية الكبرى بمساحات تتجاوز 50000 متر مربع بهدف الاستثمار الذي يمزج بين التجارة والسياحة كنمط اقتصادي مميز.
الانفتاح ونقل التجارب السياحية الإقليمية يظهر هنا في هذه المشاريع بحداثة طراز البناء والخدمات المتنوعة المناسبة لأغلب الفئات الاجتماعية، مدعومة بفروع مطاعم اقليمية وعالمية تستقطب 80 بالمئة من الزبائن بمعدل إنفاق يتراوح بين 15-30 دولاراً للشخص الواحد. وتوسع هذه المشاريع يزيد خيارات الترفيه للعائلة التي اعتادت لعقد كامل على نمط التنزه داخل المجمعات التجارية المغلقة، فحتى مع تراجع معدل دخل الفرد الى 5000 دولار سنويا إلا أن معدل الإنفاق على قطاع الترفيه ارتفع من 1% عام 2019 إلى 3% العام الماضي.
وتعول الحكومة على رفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الاجمالي خلال العام 2025 الى 11% بعد أن كان قد سجل العام الماضي 3% مستفيداً من دخول عشرات المشاريع السياحية الاستثمارية في بغداد والمحافظات وارتفاع عدد السياح العرب والأجانب الى العراق لأكثر من 3 ملايين سائح العام الماضي.