محمد الكاظم
في بلدان الخليج يلجأ الخليجيون الى ارتداء الدشاديش البيضاء المريحة للتغلب على الحرارة، وفي الدول الافريقية العربية منها وغير العربية قد يصعب على العراقي ان يتعرف على المسؤول او الوزير او حتى رئيس الدولة لان الجميع يرتدي ملابس بسيطة تتلائم مع البيئة وتخفف من الحر. كذلك في بلدان شرق اسيا، وفي الهند، وغيرها من البلدان ذات المناخ الحار الرطب. وهذه مسألة تربكنا نحن أبناء العراق، فالعراقي يستطيع بسهولة ان يعرف المسؤول من نوع بدلته التي يرتديها حتى في اشد الايام حرارة. اما إذا ارتدى شيئا اخر فسوف يصعب تمييزه.
العراقيون مولعون بالبدلات الرجالية وأربطة العنق التي يرتدونها كدليل على الوجاهة رغم ان درجة الحرارة تصل في الصيف الى الخمسين درجة مئوية. ولا اغالي إذا قلت ان العراقيين من أكثر شعوب المنطقة استهلاكا للبدلات الرجالية التي حرّك سوقها جيش من الموظفين العموميين الذين ادى الارتفاع النسبي في مداخيلهم للتفكير في تحسين مظهرهم عبر ارتداء قاط ورباط. اضافة الى جيش السياسيين الذي يعد المظهر الحسن جزءا من عملهم. وهؤلاء أصبحوا نموذجاً للمقربين منهم فتحولوا الى ظاهرة شعبية جعلت من البدلة الرجالية زياً رائجاً.
كبار المسؤولين طبعا لا يواجهون صعوبة في احتمال الحرارة مادامت سياراتهم ومقرات عملهم مكيفة -اللهم لا حسد-. لكن الاصرار على ارتداء تلك البدلات يكلف الدولة أعباءً اضافية فارتداء البدلة يحتاج الى تبريد الغرفة التي يجلس فيها مرتدو تلك البدلات. ما يعني إنفاقاً أكبر للطاقة، وبالتالي تدفع الدولة اموالا اضافية لئلا يشعر السيد المسؤول او الموظف بالحر. رغم انه هو الذي يتعمد جلب الحر لنفسه بارتدائه البدلة ورباط العنق. ما يسبب مشكلة اقتصادية أكثر منها ذوقية.
خذوا اليابانيين مثلا فقد اكتشفوا انهم ينفقون الكثير من الطاقة الكهربائية وقرروا ان يوجدوا حلاً لمشكلة الاستهلاك الزائد، لكن العقل الياباني لم يفرض زيادة في اسعار الطاقة على المواطنين، بل صدرت اوامر مشددة بتطبيق خطة بشقين الاول هو عدم خفض درجة مكيفات الهواء في الدوائر الحكومية عن 28 درجة مئوية توفيرا للطاقة، فكلما زادت درجة التبريد زاد استهلاك الطاقة، اما الشق الثاني من الخطة فيتمثل في منع ارتداء البدلات واربطة العنق والاكتفاء بملابس قطنية مريحه تمتص العرق حتى لا تتحمل ميزانية الدولة عبء تأنق الموظفين .
اعترض الموظفون البيروقراطيون، وموظفو الشركات، ووزارة الخارجية، وقالوا انهم سيشعرون بأنهم اقل من نظرائهم الاجانب الذين يرتدون البدلات، لكن الحكومة اليابانية اصرت على حملتها وكان اول المتخلين عن القاط والرباط رئيس الوزراء. هذه الحملة وفرت للاقتصاد مئة مليار ين ياباني خلال فصل الصيف فقط و210 كيلو واط من الكهرباء.
لا أدري ان كان موظفونا ومسؤولونا سيقبلون بحملة مشابهة للحملة اليابانية، ولا أعرف مدى استعداد الطبقة السياسية والبيروقراطية والاكاديمية لارتداء الـ"تي شيرت" والتخلي عن البدلات المكلفة. لكني اعرف تماما اننا نواجه سلسلة من المشاكل الإستثنائية ومنها مشكلة الكهرباء، وهذا المشاكل تحتاج الى حلول استثنائية أيضا ومنها التخلي عن القاط والرباط.