قراءه في فيلم «الملا»
26-أيلول-2022
عزام صالح
عندما يستطيع المخرج اختيار موضوع حساس جدا، او يكاد هذا الموضوع يكون من اهم اسباب التراجع الثقافي، ليقول لك وبشكل صريح، مشوق ومنمق بكوميديا راقية، ومن خلال بيئة منغلقة في احدى قرى الجنوب الفقيرة، وهذا يبدو من خلال الحيوانات التي تربى وبناء البيوت وملابس الاطفال الذين يرتادون الجامع الذي يمثل مكان التلقي. وان اختياره لشخصيه مثل (الملا) الذي جسده الفنان الكبير محمود ابو العباس وكان كعادته متألقاً، وهذه الشخصية هي من الشخصيات الصنمية التي تمثل تعاليم مشوهة من خلال استغلال الدين كواجهة وتعبئة الاطفال بما يريد من افكار هجينة على الدين الاسلامي.
والذي يقف في واجهته صبي لا يتجاوز التاسعة من عمره لا تخرج منه الكلمات بشكل سهل، فهو يعاني من عوق بسيط في التلفظ وقد جسد الطفل (قاسم كاظم) هذا الدور، بشكل ملفت ومثير للانتباه، بعد ان رفض الملا اعطاءه فرصة للتعبير واجادته الدرس من بين جميع الاطفال، يتمرد الطفل على هذا الصنم، مما يضطر الملا لاستخدام القوة مع الطفل وضربه بالعصا على اقدامه. هذا ما يدلل ان الملا لا يستطيع ان يعلم ويحتضن هذا الطفل، بدليل عدم قدرة الاطفال على الحفظ من شدة الخوف، وكذلك استخدامه القوة بعصاه بعيدا عن الطرق والوسائل التربوية المتبعة حضاريا.
فيعمد الطفل الى جلب ديكه لسحب الاطفال من الملا جاعلا من نفسه ملا، ويتبعه الاطفال ويقوم بتقليد حركات الملا ماسكا عصاه، مرتديا نفس ملابس الملا، متعثرا بها، ويجلس على المنبر ليقوم بالتدريس وهو يصعب عليه التلفظ مما يجعل المشهد كوميديا مدروسة ومحسوبة، تجعل المشاهد يتعاطف مع الطفل.
وهنا يقوم الملا بتهديد اب الطفل لما بدر منه ويكون الاب (يوسف صلاح الدين) محرجا امام الملا، مما يضطره للاعتذار ومعالجة الموضوع بالشكل الذي يرضي الملا.
فيستضيف الملا في بيت الطفل بغية الاعتذار من الملا يتقدم الطفل بالضغط عليه من الاب ولكن الطفل يفاجئ الملا وابوه بفعل لم يحسبا له حسابا، ويهرب مما يجعل المشهد بتركيبة كوميديا مزدوجة.
عمل المخرج على اظهار البيئة وشكلها والحالة الاقتصادية لهذه القرية، كما سرد لنا الفلم بكاميرا مراقبة جميلة وهادئة لما يحدث في واقع هذه القرية بالاضافة لاختياره الطفل وتدريبه تدريبا جيدا، جعله يجسد الشخصية تجسيدا مقنعا وذا مصداقية كبيرة بالنسبة للمشاهد.
كما وكانت الموسيقى الجميلة ملائمة للبيئة، واضفت جمالا رائعا.
كان بناء الاحداث والشخصيات متميزا ومحبوكا بشكل مقنع، وكان تشويق سير الاحداث وتتابعها ملهما، وكانت المفاجآت كبيرة واستحوذت على المشاهد في الانتماء للفلم الذي كان بعين جميلة كتكوينات وحركة كاميرا مركبة ومتابعة وهادئة واحيانا عفوية لقربها من واقعية الاحداث. كانت بعين وفكر المخرج البصري المتجدد وصاحب صولات رائعة وجميلة في اكثر من فيلم مثل بندقية الشرق وجاري الاتصال وغيرهما.
وكان الفيلم من تاليف هاني القريشي، وعرض هذا الفلم مرتين؛ الاولى على هامش الملتقى السينمائي في البصرة. وعرض ايضا في مهرجان السليمانية الاول للتعايش والسلام، وحاز على جائزه تقديرية، واكثر فيلم تفاعل وصفق له الجمهور، وكان يستحق حظوظا أكثر.