قيادة السيارات.. ثقافة وذوق
11-تموز-2023
سارة السهيل
تعكس قيادة السيارات في دول العالم شرقا او غربا ثقافة شعوبها ومفاهيمهم التاريخية او تعكس مدى اهتمامهم بالآخرين وحمايتهم وأمانهم أو أنانيتهم المفرطة.
وما بين قيادة السيارة في بريطانيا شمال الطريق ويمينها في معظم بلدان العالم تختلف سيكولوجية القيادة، بل ان قيادة المرأة للسيارة تختلف في ظروفها عن قيادة الرجل، ووفقا لدراسة وإحصائية دولية في الولايات المتحدة أجريت مؤخرا، فان نسبة 70 بالمائة من نساء العالم تهوى قيادة السيارة داخل المدينة، بينما الرجل يحب القيادة على الطرق السريع.
وانا احلل ذلك أنه بسبب الشعور بالامان، وقد أكد علماء النفس بأن المرأة تكون اكثر حرصا وخوفا من الدخول في مغامرات السرعة الكبيرة بالقيادة خلاف الرجل الذي يفضل السرعة بالقيادة، كما ان المرأة تشعر بأمان أكثر وهي تراعي قيادة السيارة ضمن سرعات أمان يحددها خبراء المرور في مختلف أنحاء العالم حفاظا على سلامتها وأمنها، بينما الرجل يشعر بالملل والضيق من قيادة السيارة في المدن ويضيق من التقيد بالسرعات ومراعاة القوانين المرورية لذلك يهوى القيادة على الطرق السريعة.
وتتباين ثقافات الشعوب في القيادة وسلوكياتها من بلد لآخر ويرجع بعض البريطانيون قيادة السيارة شمال الطريق الى نظرية منذ العصر الروماني حيث يستخدم المحاربون اليد اليمنى بينما يمتطون ظهور الجياد من اليسار، كما ان الجيوش الرومانية كانت تسير إلى يسار عربات الحرب، وهو التقليد الذي توارثه البريطانيون حتى اليوم.
بالرغم من شدة صعوبة اختبارات قيادة السيارة والحصول على رخصة في بريطانيا تحقيقا لقيادة سلمية تحمي الاوراح وتحقق السلام، وفي كثير من البلدان تستطيع ان تحكم على شعوبها من قيادتها ورغم ان بعض البلدان لديها قوانين مرورية صارمة، الا ان ثقافة القيادة نفسها قد ترتبط بنوازع النفس البشرية من الانانية والمصلحة الشخصية على مصالح الاخرين، فمثلا تجدهم لا يستخدمون الإشارات الضوئية ولا يلتزمون بها، والسير بالعكس في الشوارع الفرعية، كذلك الوقوف أمام المحال التجارية حيث تقف السيارات عرضاً على بعد حوالي عشرة أمتار من الرصيف، فكل واحد يخاف أن تقف خلفه سيارة تمنعه من الخروج عندما ينتهي من التسوق.
المنظور الثقافي للالتزام بقواعد المرور ومستجدات انظمة أمنها مثل أحزمة الامان وغيرها، نجد النسبة تتفاوت من بلد لآخر، الى حد دفع اربعة سائقين اميركيين بعدم دستورية مثل هذا القانون استناداً الى استجابة محكمة النقض بولاية الينوي عام 1969 برفض قانون الزام سائقي الدرجات النارية بارتداء الخوذات ورأت انه تقييد للحرية الشخصية، ومع ذلك رفضت المحكمة اعتراض السائقين على احزمة الامان ورفضت المحكمة احتجاجات الاميركيين الذين استجابوا لتطبيق هذا القانون بعد شهرين فقط من اطلاقه رغم رفضهم له، بينما تم فرض غرامة 75 دولاراً على من لا يلتزم باحزمة الامان في صربيا، ورغم رفض السائقين لها الا انهم كانوا يتحايلون على القانون فيضعون الاحزمة على اكتافهم فقط ولا يربطونها، وكذلك الحال مع السائقين في مصر يفعلون نفس الشيء تهرباً من الغرامة وظناً منهم انهم تحرروا من القيود رغم انها قيود نافعه لهم.
فهناك شعوب تحترم القوانين وقواعدها تحقيقا للمصلحة العامة او الخاصة وهناك دول فيها مستويات الالتزام بالقوانين منخفضة.
بلادنا العربية تعاني بشكل أساسي من زيادة حوادث السيارات والموت على الطرق السريعة، نتيجة جنون السرعة وعدم الالتزام بالسرعات المقررة على الطرق السريع، فالاردن يشهد حوداث سير مروعة يوميا، ومعظم حوادث السير تحدث نتيجة التحدث في الموبايل اثناء القيادة، ووفقاً لاحصائيات عام 2021 فقد وقع 160 ألف حادثة سير نتج عنها 1800 إصابة بليغة.
بظني ازمات المرور في العراق والاردن ومصر وبعض دول الخليج تعكس عدم الانضباط المروري، والاهمال في مراجعة السيارات وحالاتها قبل الشروع في قيادتها، في حين حياة الانسان أهم من المركبة ومن الجوال، فعلينا غرس ثقافة حماية ارواح الابرياء عبر قيادة سليمة قد تتطلب من السائق اكتساب مهارات الصبر للتعود على القوانين المرورية اللازمة وتغليظ عقوبة المخالفات لشروط السلامة المرورية حماية للانفس البشرية اغلى ما خلق الخلاق على الكوكب الارضي.
وفي ظني ان القيادة هي فن وذوق واخلاق، وان القيادة ما هي الا مرآة عاكسة لشخصية الانسان و هي ايضا مترجم لتربيته في بيته في طفولته وايضا تعكس كيف استطاع هذا الشخص تطوير نفسه والعمل على تعديل سلوكه واخلاقياته، فالانسان يتربى في بيته على اخلاقيات وقيم وربما ينسى الاهل بعضها تجاهلا او سهوا وربما لا يملكون التمام والكمال من القيم ليزرعونها كاملة في ابنائهم، لكن الطفل نفسه كلما يكبر يضيف لنفسه مهارات وسلوكيات جيدة ويتعلم كيف يطور من نفسه وذاته، وكل هذا يظهر في تعاملاته اليومية ومنها قيادته للسيارة او اي نوع مركبة، فأنا كثيرا ما اصفن في الشارع مستخدمة دراستي لعلم النفس وفراستي التي ورثتها من القبيلة واركز في تحليل اخلاقيات وشخصيات البشر، فكم افرح عندما اجد من يراعي غيره ويعطي المجال للمركبات الاخرى بالمرور، وكم اتفائل حين اجد من يترك لغيره مساحة كافية للاصطفاف بجانبه دون ان يأخذ المساحة كاملة، وكم اشعر بالفخر كلما وجدت انسانا يقود عربته بصبر وينتظر السيارات لتعبر او اذا كانت السيارة التي تسير امامه بطيئة ربما تقودها فتاة مازالت تتعلم او رجل كبير في السن او شخص يشعر بالخوف او المرض.
لماذا لا نشعر بالاخرين؟ لماذا لا نفكر بغيرنا فالانانية وقلة الذوق منفرة للأفراد وتعطي انطباعا سيئا عن البلد بأكمله ان اصبحت ظاهرة، وكم تعيسا ذاك الشخص الذي يقود سيارته غير مبال بمن حوله.
لفت نظري في بيروت سائقو الدراجات النارية بأنواعها وشعرت بالحزن الشديد، فلبنان بلد الجمال والاناقة فكيف لهؤلاء ان يشوهوا جمال الطبيعة الخلابة و يعكروا مزاج المقيم وابن البلد والسائح، فكانت تجربتي بالقيادة مربكة بسبب هؤلاء الدراجات التي لا تراك (هم فعلا لا ينظرون اليك بالمعنى الفعلي والضمني) و علمت ان القانون معهم مهما فعلوا فالحق على قائد السيارة ليس هم، فعلمت قيمة القيادة في الاردن، الا انه تبقى القيادة في بريطانيا هي الاسهل والاجمل و اردد دوما ان الاعمى في بريطانيا اذا قاد مركبته سيصل سالما الى بيته.
وخطرت ببالي فكرة هل من الممكن ان تكون الدول المتأثرة في بريطانيا من حيث انها كانت تحت الاحتلال البريطاني سابقا اكثر التزاماً في القانون و اكثر نظاماً من الدول التي كانت خاضعه للاحتلال الفرنسي؟ اتوقع ذلك.
ليس فقط فكرة الاحتلال البريطاني والفرنسي وانما ايضا الافكار القبلية التي ترسخ فكرة احترام الناس والتعامل بالاصول لها تأثير، وأيضا الاعتبارات الدينية المسلمة والمسيحية والديانات السماوية عامة التي تحرم التعدي على حقوق الاخرين وازعاجهم، بل تحث على مساعدة الناس وتفضيلهم عن النفس وفكرة العطاء فينعكس كل هذا على القيادة، فالقبلية والتعاليم الدينية تعكس على سلوك المجتمع، ولكن حلت محلها في دول العالم الاول القوانين والعقوبات التي اصبحت مع الوقت عادة وجزءاً لا يتجزأ من حياة الفرد والشعوب.
اتساءل هنا اين القسوة في التعامل مع المخالفين في قوانين السير والمرور حتى تنضبط الامور في مسارها الصحيح؟ كتابة الرسائل على الواتساب ومتابعة الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها والرد على الهاتف واجراء المكالمات من اكثر مسببات الحوادث المرورية فمتى يفهم الناس هذا؟ ومع انتشار المخدرات والكحول نجد ان بعض الحوادث كانت بسبب التعاطي اثناء القيادة او تحت تأثير الكحول.
والأَمَرّ والاضل سبيلاً الخناقات والمشاكسات والعناد بين الشبان اثناء القيادة والتحديات التي تؤدي احيانا الى الموت او حدوث اعاقة جسدية واصابات خطيرة، وبعض الحوادث تحصل بسبب التعب ومواصلة القيادة دون راحة وهذا خطر كبير على السائق ومن معه او السيارات الاخرى، ناهيك عن الشاحنات التي تقود باستهتار كبير رغم حجمها الضخم فهي لا تهتم لانها ستدوس على جيرانها من السيارات وكأنها تدوس على نملة وتكمل طريقها بأمان، او الحافلات التي تحمل اكثر مما يجب من اثقال واوزان وبضائع وتنقلب على العربات المجاورة بسبب الحمل الثقيل وعدم التوازن.
ولن انسى ابدا الطعام والشراب والحفلات التي تعقد في السيارات اثناء القيادة، والمضحك المبكي ذاك السائق الذي احرق مركبته بسبب صنعه للشاي داخل مركبته على "وابور الكاز"، كما يقال له في اللهجة المحلية المصرية.
اما قيادة الاطفال للسيارات بصراحة مفجعه فعندما ترى في العراق اطفالاً بعمر 10 او 12 سنة وأهلهم فرحين وفخورين (ابني ديسوق علمته السياقة) "يا فرحة قلبي" طفل صغير كيف لا تخاف عليه وهو مازال لا يدرك الحياة ومخاطرها؟ فالقيادة هي مصغر لمخاطر الحياة وما يمكن مواجهته في حياتك، فهل هو جاهز نفسيا وجسديا وفكريا للتصدي لما يمكن ان يواجهه؟.
ونعود ونقول ان القيادة فن والفن اصبح هابطاً والقيادة ذوق والذوق اصبح في تدن، والقيادة اخلاق والاخلاق في انهيار، فلنصلح الذوق والفن والاخلاق لتصلح القيادة وليس فقط القيادة واللبيب من الاشارة يفهم.
تسجيل 9 هزات أرضية داخل العراق في شهر نيسان
2-أيار-2024
رغم الإجراءات الأمنية في البتاوين.. نزيل يجهز على صديقه داخل فندق
2-أيار-2024
تركيا تضم صوتها في قضية "الإبادة الجماعية" ضد إسرائيل: نواصل دعم فلسطين
2-أيار-2024
ضخ فوق الحدود.. العراق يواصل الإخفاق بالالتزام بتعهدات أوبك
2-أيار-2024
وسط مخاوف من عودتهم.. العراق يستقبل ما يقرب من 700 مواطن مرتبطين بداعش من مخيم "الهول"
2-أيار-2024
العراق يشتري طائرات عسكرية بدون طيار من الصين
2-أيار-2024
أزمة الشرعية وتداعياتها في مواجهة أردوغان
2-أيار-2024
ليفركوزن للثأر من روما واختبار حقيقي لمرسيليا أمام أتالانتا في يوروبا ليغ
2-أيار-2024
محمد صلاح غير متحمس للتوجه إلى الدوري السعودي
2-أيار-2024
غرائب واختفاءات الموسيقي الفرنسي رافيل في سنواته الأخيرة
2-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech