كفافيس ترك أثرا في الحداثة الشعرية العربية والعالمية
9-تشرين الأول-2022
عبد الكريم الحجراوي
في إطار سلسلة إصدارات تحت عنوان "العام الثقافي المصري اليوناني"، أعادت الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة طباعة كتاب "قصائد من كفافيس" ويتضمن ترجمة المصري نعيم عطية قصائد للشاعر السكندري اليوناني قسطنطين كفافيس من اليونانية إلى العربية. وسبق للهيئة نفسها أن أصدرت الأعمال الكاملة للشاعر الكبير نفسه بترجمة الشاعر المصري الراحل رفعت سلام وقد ترجمها إلى العربية عن لغة وسيطة هي الإنجليزية. ويمكن التعاطي مع هذا الاهتمام المصري المتواصل بالأدب اليوناني عموماً وقصائد كفافيس على وجه الخصوص، في إطار رؤية لطالما تبناها مثقفون مصريون، في مقدمتهم عميد الأدب العربي طه حسين الذي ناقش باستفاضة كبيرة في كتابه "مستقل الثقافة في مصر"، مسألة العلاقة الثقافية بين مصر واليونان، موضحاً "لما كان فتح الإسكندر للبلاد الشرقية، واستقرار حلفائه في هذه البلاد، اشتد اتصال الشرق بحضارة اليونان، واشتد اتصال مصر بهذه الحضارة بنوع خاص، وأصبحت مصر دولة يونانية أو كاليونانية، وأصبحت الإسكندرية عاصمة من عواصم اليونان الكبرى في الأرض، ومصدراً من مصادر الثقافة اليونانية للعالم القديم، بل أعظم مصدر لهذه الثقافة في ذلك الوقت".
ومعروف أن قسطنطين كفافيس (1863 – 1933) ولد وعاش وتوفي في الإسكندرية وما زال يحظى بمكانة كبيرة، سواء في اليونان أو في مصر، وأثر ممتد في شعراء وحتى روائيين، من أجيال وثقافات مختلفة بوصفه من رواد شعر الحداثة، على المستوى العالمي.
ويرى الناقد والشاعر المصري محمد السيد إسماعيل أن الشعراء الثمانينيات في مصر كانوا الأكثر تأثراً به مقارنة بشعراء السبعينيات الذين تأثروا بشكل أكبر بشعراء مثل رامبو. فجملة كفافيس الشعرية بسيطة متخففة إلى حد كبير من المجاز، مشيراً إلى أن ديوانه "تدريبات يومية" يمثل روح كفافيس. ويلمح هذا الصدى والتأثر عند الشاعرين المصريين عماد أبو صالح وإبراهيم داود، ومن الشعراء العرب الذين تأثروا به– على سبيل المثال وديع سعادة، كما استحضره الشاعر العراقي المقيم في ألمانيا نعيم عبد مهلهل في ديوانه "شامة على خد كفافيس"، واستحضره الروائي المصري طارق إمام في روايته "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس"، كما يظهر أيضاً في عدد من أعمال الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد.
الإسكندرية اليونانية: يرى طه حسين أن بنظرة يسيرة في أيسر الكتب التي تدرس التاريخ السياسي والثقافي في ذروة الوجود اليوناني في مصر، يتبين أن الإسكندرية لم تكن مدينة شرقية بالمعنى الذي يفهم الآن من هذه الكلمة، وإنما كانت مدينة يونانية بأدق معاني هذه الكلمة وأصدقها وأجلاها. وهو ما يتجلى ويظهر بوضوح في قصائد كفافيس التي تؤكد أنه كان يعيش في إسكندرية اليونان لا الإسكندرية المعاصرة التي حولت الشقة التي كان يعيش فيها إلى متحف يضم مقتنياته ويزوره سياح من مختلف أنحاء العالم. عاش كفافيس في الإسكندرية ورفض أن يغادرها وقال فيها "إن قلبي مدفون في الإسكندرية منغرس فيها، فأينما جلت بعيني رأيت العديد من سني حياتي التي قضيتها وبددتها فيها، وتحدثني نفسي قائلة: لن تجد بلداناً ولا بحوراً أخرى، ستلاحقك المدينة وستهيم في الشوارع ذاتها، وتدركك الشيخوخة في هذه الأحياء بعينها".