بغداد ـ العالم
تعيش الأوساط الجامعية والعلمية العراقية على وقع التكاثر الحاصل في كليات الطب، بعد إجازة وزير التعليم العالي عن حركة ‹صادقون› نعيم العبودي، إنشاء ثلاث كليات طب جديدة، وسط دعوات لعدم التوسع في هذه الاختصاص الذي يتطلب مجهوداً كبيراً سواءً من الطلاب أو الطواقم التدريسية.
ووافق العبودي، مؤخراً، على استحداث ثلاث كليات في تخصص طب عام أهلية، وهي: (الكفيل، العين، وفرع لجامعة طهران في كربلاء).
شروط معقدة
وأثارت موافقات العبودي «السريعة»، تساؤلات عن ما وراءها والحاجة العلمية لفتح هذا العدد من الكليات في أدق الاختصاصات وهو الطب البشري، وسط دعوات لفتح تحقيق في القضية.
وتشير إحصائيات غير رسمية، إلى أن العراق لديه 36 كلية طب عام حالياً، وهي أكثر من كليات الطب العام في بريطانيا، فيما سيكون عدد الأطباء في العراق أكثر من 95 ألف طبيب عام 2027. تعليقاً على ذلك، يقول الدكتور مؤيد الراوي، إن «مسألة استحداث الكليات تخضع لضوابط صارمة وشروط معقدة، بهدف تحقيق تقدم ملموس من افتتاح هذه الكليات، خاصة في مجال الطب» مشيراً إلى «ضرورة توافر بنى تحتية، وأجهزة ومستلزمات ومختبرات، فضلاً عن الكوادر العلمية والتدريسية، وهذا لا يتوافر في العراق، إلا لبعض الكليات الحالية، فكيف يتم استحداث منشآت علمية جديدة». وأضاف الراوي، أن «القضية التي أثارت الجدل حالياً، جاءت لأن الكليات الثلاث كلها أهلية، وفي وقت متزامن، فضلاً عن أن مدة تسلم الوزير الجديد مهامه، كانت قصيرة، ويحق بالطبع للرأي العلمي والعام العراقي، الاعتراض والشكوك، وتبيان الحقائق». ولفت إلى «ضرورة تدخل الجهات والنقابات بشكل أوسع، لمعرفة فيما إذا كانت تلك الكليات الجديدة، موافقة للشروط والأحكام، وكذلك قياس مدى الحاجة إليها». وتثير الأعداد الكبيرة لكليات الطب العام وطب الأسنان والصيدلة الأهلية، التي تستحدث بالعراق منذ العام 2003، والتي تخرّج سنويا آلاف الطلاب، ممن ينافسون خريجي الكليات الحكومية على التعيينات والعمل، جدلاً سنويا، وشكاوى متكررة من وزارة الصحة ونقابة الأطباء. ولا تعتمد الكليات الأهلية على معيار المعدل العالي لقبول الطلاب على غرار الكليات الحكومية، بل هناك فارق كبير جداً بين معدل قبول الطالب المتخرج من المرحلة الثانوية في الكليات الحكومية، ومعدل الخريج المتقدم إلى الكليات الأهلية. ويقول مختصون، إن استحداث كليات طب أهلية في العراق لا يخضع لمعايير عالمية، والتي تنص على ربط الكلية بمستشفى تعليمي ليخرج الطبيب بكفاءة عالية، فيما تشير أوساط أكاديمية إلى أن المساوئ الأخرى التي تعترض الكليات الأهلية هي الكوادر التعليمية، حيث أنّ العراق يعاني أساساً من نقص كبير في هذا الجانب.
بدوره، قال طبيب مختص في مستشفى اليرموك بالعاصمة بغداد، إن «مسألة افتتاح كليات طب، من المفترض أنها حالة صحية، وتشير إلى تقدم البلاد في هذا الجانب، لكن ما يحصل في العراق، أن افتتاح بعض الكليات يتم بصفقات سرّية، أو بإجراءات خارج الضوابط، في ظل انتشار النفاق السياسي، وتقديم المصالح الحزبية والفئوية على مصالح البلاد، والجانب التعليمي».
وأضاف الطبيب، أن «كليات الطب لا معنى لها في حال عدم ربطها بالمستشفيات التي ستؤهل هؤلاء الطلبة ليكونوا في سوق العمل، ويتسلموا مهام الوزارات والمؤسسات الصحية».
ولفت الطبيب إلى أن «ما يبعث على القلق هو تجاهل المسؤولين للضوابط العالمية والمعايير المحددة في هذا المجال، ما يؤشر إلى ضعف العملية التعليمية في العراق، والحاجة إلى (ثورة) إصلاحية فيها».
وشهدت العاصمة بغداد، والمحافظات الأخرى، تصاعداً في عدد الكليات الأهلية التي تم افتتاحها خلال السنوات الماضية، إذ تحولت إلى ظاهرة مرئية، وسط تساؤلات عن طبيعة المعايير التي تعتمدها وزارة التعليم العالي في هذا الجانب، في ظل التقارير الواردة عن انتهاك أغلب تلك الكليات للرصانة العلمية، وعدم الالتزام بالمعايير العالمية.
ويلمس مختصون ذلك من خلال مخرجات تلك الجامعات والكليات، والتي تخرّج سنوياً آلاف الطلبة، لكن بمستوى علمي ضحل، وبحاجة إلى تعزيز الكثير من المهارات العلمية، وعدم الاكتفاء بالتعليم في الجامعات الأهلية.