لماذا ارتفع الدولار في العراق؟
30-كانون الثاني-2023
حامد عبد الحسين الجبوري
ارتفع سعر الدولار في السوق الموازي بشكل واضح نهاية عام 2022 وحتى الشهر الاول من السنة الجديدة من 1500 – 1650 دينار لكل دولار.
السؤال المطروح لماذا ارتفع سعر الدولار في حين الاحتياطي الاجنبي لدى البنك المركزي اقترب من 100 مليار دولار؟
وفقاً لهذا التساؤل فإن ارتفاع سعر الدولار لا يعود لنقص الدولار لان البنك يمتلك ما يُقارب 100 مليار دولار بل لأسباب أخرى يمكن تناول بعضها النقاط أدناه.
أولاً: شحة دولار التحويل
هناك نوعين من الدولار، دولار كاش الذي يستخدم لأغراض السياحة والدراسة والعلاج في الخارج، ودولار للتحويل الذي ينقسم هو الآخر لنوعين حوالة واعتماد مستندي، الذي يستخدمه التجار في العادة.
لا تتعلق المشكلة بالدولار الكاش إذ لازال متاح للمواطنين الذي يرومون السفر خارج البلاد، المشكلة تتعلق في دولار التحويل، حيث امتنع الفيدرالي الامريكي عن اجراء التحويلات المالية إلا بعد التأكد بشكل كامل (تدقيق صارم) من نظافة الجهات المستفيدة من الدولار.
هذا الامتناع دفع لانخفاض الكميات المعروضة من الدولار من جانب وزيادة الطلب على الدولار الكاش من جانب ثانٍ وزيادة الطلب على الدولار في السوق الموازي من جانب ثالث وكانت النتيجة ارتفاع سعر الدولار.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يوم الخميس الموافق 12/ 12/ 2022 بلغ حجم مبيعات البنك المركزي 134 مليون دولار، 37 مليون دولار كاش(نقدي) و96 مليون دولار للتحويل، وإذا به ينخفض بعد أسبوع (يوم الخميس الموافق 22/ 12/ 2022) ليبلغ 100 مليون دولار، 34 مليون دولار كاش(نقدي) و65 مليون دولار للتحويل، ثم انخفض بعد اسبوع (يوم الخميس الموافق 29/ 12/ 2022) ليبلغ 66 مليون دولار، 32 مليون دولار كاش (نقدي) و33 مليون دولار للتحويل وهكذا بالنسبة لبقية الايام.
نلاحظ من خلال هذه الارقام ان مبيعات الدولار انخفضت بشكل كبير من 134 مليون إلى 66 مليون دولار وإلى 66 مليون دولار... وإن النسبة الأكبر في هذا الانخفاض يعود لانخفاض مبيعات دولار التحويل وليس دولار الكاش (النقدي) ليس هذا وحسب بل ان الأخير أخذ يرتفع مقابل انخفاض دولار التحويل في الايام اللاحقة حيث بلغ بعد اسبوع (يوم الخميس الموافق 5/1/ 2022) 43 مليون دولار فيما لا توجد أي تحويلات دولارية هذا اليوم.
هذا ما يُفسر شحة دولار التحويل، حيث الولايات المتحدة تروم حظر الدولار على الاشخاص والجهات والدول الخاضعة للعقوبات.
ثانياً: تطبيق المنصة الالكترونية
ان المنصة الالكترونية اللازمة للحصول على الدولار قد تم تطبيقها في بداية السنة الجديدة، ونظراً لحداثة التجربة فالكثير من الاخطاء تحدث من قبل المصارف عند التحويل وهذا يتطلب اجراءات ووقت لمعالجتها، فحداثة التجربة اسهمت في انخفاض مبيعات البنك المركزي وارتقاع سعر الدولار.
جدير بالذكر، ان الفيدرالي استثنى العراق من منذ عام 2006 من تطبيق نظام السويفت العالمي الذي يتطلب معلومات وتفاصيل تدقيقية عن الحوالات المالية، حيث كان العراق يجري عمليات التحويل المالي بطريقة شكلية كاسم المصرف واسم المصرف المستلم وأمور شكليّة أخرى بفعل الاستثناء أو يمكن ارسالها بعد إجراء عملية التحويل لكن مع بداية العام الجديد ألزم الفيدرالي العراق بتلبية متطلبات التحويل المالي بشكل دقيق من حيث نوع البضاعة والكمية واسم المشتري والبائع النهائي والاسم الصحيح والجهة المسؤولة عن النقل والتفريغ... وغيرها وهي معتمدة عالمياً.
يمكن القول، ان تفاقم الفساد وبالخصوص ما عُرف أخيراً بسرقة القرن (سرقة الأمانات الضريبية) هي التي دفعت بالفيدرالي الامريكي لإعادة النظر بالحوالات المالية في العراق وإلزامه بتطبيق المنصة الالكترونية التي تتطلب معلومات دقيقة عن البائع والمشتري ونوعية وكمية السلع والمصارف وغيرها.
ان تطبيق المنصة الالكترونية أدت لرفض العديد من الحوالات المالية لعدم احتوائها المعلومات والتفاصيل الدقيقة المعمول بها عالمياً، هذا الرفض للحوالات المالية يعني انخفاض مبيعات الدولار (كما اتضح أعلاه) وزيادة الطلب على الدولار المتاح في السوق الموازي وارتفاع سعره.
ثالثاً: التخوف من العقوبات
بعد إن منع البنك المركزي العراقي المصارف الاربعة (الانصاري، الشرق الاوسط، القابض، آسيا) من الدخول لنافذة بيع العملة وذلك لوجود قيد دولي عليها، دفع بعض المصارف الاخرى إلى الامتناع من الدخول إلى النافذة وذلك خوفاً من العقوبات التي قد تصدر بشأنها.
عدم الدخول يعني عدم شراء الدولار ومن ثم انتقالهم إلى السوق الموازي لشراء الدولار، هذا ما عزز الطلب على الدولار وارتفاع سعره.
رابعاً: تهريب الدولار
أدت العقوبات المفروضة على الاقتصادات الاقليمية (إيران، تركيا، سوريا، لبنان) إلى منع الدولار من الوصول لهذه الاقتصادات مما يعني ارتفاع قيمة الدولار مقابل انخفاض قيمة العملة المحلية لهذه الاقتصادات بشكل حاد.
هذا الأمر يعني ان الدولار في العراق أرخص نسبياً من هذه الدول، بنسبة 17% مقابل انخفاض المخاطرة إلى الصفر، لذلك يتم شراء الدولار ورزمه وتهريبه إلى اربيل وإلى تركيا وإلى دول أخرى[i].
خامساً: الحفاظ على الثروة
من المعروف ان الاكتناز كبير في العراق، وان ارتفاع سعر الدولار مقابل انخفاض قيمة الدينار العراقي يعني انخفاض الثروة المكتنزة، ولأجل الحفاظ على الثروة من الانخفاض رُبما لجأ البعض للتخلص من الدينار العراق مقابل شراء الدولار مما يعني زيادة الطلب وارتفاع سعر الدولار.
ان الخطوات اللازمة لتخفيض سعر الدولار هو تغطية الاستيرادات السلعية ومنع التهريب وخلق طلب على الدينار العراقي وإرسال تطمينات للجمهور بأنه لا توجد أزمة بالدولار إضافة إلى مفاتحة الجانب الامريكي بمدة سماح معينة وغيرها.
خلاصة القول، ان ارتفاع سعر الدولار لم يكُن ناجم عن شحة حقيقة في الدولار بقدر ما هي شحة عرضية ناجمة عن اجراءات تدقيقية لمنع تسرب الدولار للأشخاص والجهات والدول الخاضعة للعقوبات، وان سعر الدولار سينخفض بمجرد انتهاء تلك الاجراءات ولكن لن ينخفض إلى نفس المستوى السابق.