لماذا بالغ العراقيون بفرحهم بكأس الخليج؟
29-كانون الثاني-2023
منقذ داغر
بعد أن هدأت العواطف قليلاً بخصوص الإنجاز العراقي في دورة الخليج العربي، أرى من الواجب تحليل ردود الأفعال العراقية على صعيدي الشعب والسياسيين من وجهة نظر نفس-اجتماعية. لا جدال بأني لازلت مؤمناً أن مشاعر استقبال العراقيين والبصريين منهم لأشقائهم في الخليج العربي كانت في أحدى أهم أوجهها، تعبير صادق عن مدى توق العراقيين لإظهار هويتهم وانتمائهم لمحيطهم العربي كما كتبتُ عن ذلك سابقاً.
لذا سوف لن أتطرق هنا سوى الى الشعور بالفخر الناجم عن الفوز بكأس الخليج العربي. أن هذا هو الكأس الرابع، وليس الأول، الذي حصل عليه العراق فلماذا هذه الاحتفالات الجماهيرية والحفاوة الرسمية التي بدت مُبالَغ فيها؟! كما أن العراق سبق أن حاز على بطولات أكبر فلماذا الاحتفاء بدا أكبر هذه المرة مقارنةً بتلك الإنجازات؟ ولماذا كل هذا الاستقبال “والكرم” من قبل السياسيين للفريق العراقي؟
ان من الواضح أن هناك عملية مبالغة وتضخيم للإنجاز الذي حققه المنتخب الوطني، مع أتفاقي التام أنه أنجاز مهم ورائع بخاصة في توقيته. هذه النقطة الأخيرة (التوقيت) قد تفسر الكثير مما حصل. معروف علمياً أن المبالغة في الإنجاز تزداد في المواقف المشحونة عاطفياً. أن ضوء الشمعة يبدو مشعاً حينما يلف الظلام الدامس ذلك المحيط. وتكون فرحتنا بالإنجاز أكبر حينما يكون الانكسار واليأس في أقصى مدياتهما.
لقد أظهرت دراسة المشاعر السلبية العالمية التي ينشرها معهد كالوب سنوياً أن العراقيين ولأكثر من سنة هم أكثر شعوب العالم من حيث المشاعر السلبية وعلى رأسها القلق. ومعروف أن أحد أهم الآليات الدفاعية التي يلجأ لها الأنسان للتغلب على قلقه هي المبالغة في الإنجاز لأنها تعني ضمناً قدرة الشخص (الموهومة هنا) على السيطرة والتحكم بحياته!
وكلما ازدادت المبالغة في التعبير عن الإنجاز كلما دلّ ذلك على ارتفاع منسوب القلق والخوف. والمبالغة قد لا تكون في مشاعر الإنجاز بل أيضاً في مشاعر الخوف والإحباط. فمثلاً المبالغة في التأكيد أن العراقيين ”ما تصيرلهم جاره” هو جزء من المبالغات التي تهدف بالنهاية لإراحة النفس أما من خلال سيطرة كاذبة وموهومة، أو من خلال أخلاءها من المسؤولية عما يحصل من فشل. لقد مثل الفريق العراقي الفائز محاكاةً مُتصَّوّرة لما يريده العراقيون لحياتهم. فقد كان هناك أحدى عشر لاعباً عراقياً ليست لهم مسميات طائفية أو عرقية قادرين على منافسة الآخرين ممن قد يفوقونهم تطوراً (في مجالات المعيشة والخدمات والحياة عموماً وليس كرة القدم فقط) والفوز عليهم. لقد كان مشهداً درامياً تمثيلياً مأمولاً ومحبباً، ذلك الذي عاشه العراقيون عبر عدة حلقات(مباريات) كان العراقي في ختامه هو المنتصر. ومن منا لا يحب النهايات السعيدة للمسلسلات والأفلام الدرامية.
لقد جاء هذا الانتصار في وسط بحر من الإخفاقات والانكسارات الحياتية على كل الصعد. لذا كان الشعور بالفرحة عارماً وقد يبدو مبالغ فيه بالنسبة لكثيرين من المراقبين.
من جانب آخر، فقد كشف هذا التهافت من قبل المسؤولين والمؤسسات المختلفة عن جانب آخر من مسلسل الإحباط والفشل الذي يعيشه العراقيون عموماً وفي مقدمتهم أولئك المسؤولين. هناك ظاهرة سلوكية معروفة تسمى الاقتران الإدراكي. أذ يعشق الناس عموماً الظهور، وفي هذا الزمان أخذ السيلفيات مع الناجحين بمختلف الحقول.
فالظهور مع الناجحين يعطي ايحاءً بالنجاح للآخرين وليس للناجح فقط. وتزداد الحاجة للاقتران الإدراكي “لأخذ السيلفيات” مع الناجحين كلما قل أنجاز الشخص. وفي الواقع فأن السياسيين العراقيين ومؤسساتهم تعاني من جدب مدقع في الإنجاز لذا فأنهم بحاجة ماسة لسرقة إنجازات الآخرين أو تبنيها باعتبارها إنجازات شخصية لهم. كان على المسؤولين “الحقيقيين” الذين يريدون فعلاً أن يكونوا جزءً من الإنجاز أن يستقبلوا هذا الفريق ويتبرعوا له بالأموال قبل البطولة لدعمهم وتوفير احتياجاتهم لكي يحققوا الإنجاز، أما استقبالهم بعد ذلك فهو لا يعدو كونه “صورني وآنه ما أدري”!! تحية لكل من ساهم في هذا الإنجاز لكن يجب عدم المبالغة به والعودة لأرض الواقع سريعاً لأن الإنجازات تحتاج الى ناس على الأرض وليس في الواقع الافتراضي.