لماذا بقيت «عربة اسمها رغبة» لتنيسي وليامز مسرحيته
24-أيلول-2023
هيام بنوت
ترتبط الأغاني التراثية بالجانب الاجتماعي والثقافي للدول وتحكي قصصاً تعكس عادات وتقاليد شعوبها. وتشكل الكلمة ركناً أساسياً في هذه الأغنية، كونها تتناول مواضيع معينة تعكس الحالة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في حقبة زمنية معينة.
وعمد بعض الفنانين إلى تحديث الأغنية التراثية كي تنتشر وتصل إلى الجيل الحالي بتوزيع جديد، خصوصاً بعدما اجتاحت التكنولوجيا عالم الغناء والموسيقى، في ظل معارضة من بعض الآراء التي تعتبر أنه لا يجوز المس بالأغنية التراثية، بل يجب المحافظة على طابعها الأساس.
في المقابل، استغل بعض المغنين والفرق الغنائية هذه الأغنية التراثية وقدموها بطريقة مشوهة وغيروا كلامها بهدف تحقيق الشهرة السريعة.
فهل يجوز تحديث الأغنية التراثية أم أن في ذلك تشويهاً لها؟
حداء الإبل
وائل الفشني الذي برز اسمه على نطاق واسع في مصر بعد تجديده لمجموعة من الأغاني التراثية، يقول لـ"اندبندنت عربية" إن "المسألة الأهم تكمن في طريقة تقديم التراث بحيث لا يفقد جماله وأصالته، وأنا أقدمه بشكل مختلف لكي يصل إلى الجيل الشاب لأن العصر تغير، وكذلك الموسيقى. في الأساس أنا موسيقي، وأحب مختلف أنواع الموسيقى، وأسمع الراب والتراب، ولكن المشكلة فيهما هي في استخدام الكلمة المبتذلة التي أثرت في الجيل الجديد، وعلينا إفهامه بأن ما يقدم ليس فناً، بل جنون. هناك فيروس قاتل يسيطر على الفن في مصر اسمه المهرجانات".
ولا يخفي الفشني تأثره بالفنان محمد منير الذي كان أول من غنى التراث النوبي على المسرح بطريقة تتماشى مع هذا الزمن ومن دون أن يفقد أصالته، وقال "أنا أقدم جزءاً من هذا اللون، كما أقدم حداء الإبل في قالب أوركسترالي. كانت فكرتي تقديم الأوبرا على الطريقة المصرية، بمعنى أن أحيي التراث من دون أن أجرحه، وأن أصدره إلى كل مسارح العالم. وليس شرطاً أن يصدر التراث والفولكلور المصري بجلابية وطبلة وفتاة راقصة مع أنه جميل جداً، ولكنه ليس التراث الحقيقي. الفكرة بدأت عام 2018 عندما غنيت (الهرب) للفنان أحمد زكي - موسيقى مودي الإمام وقبلها (واحة الغروب)، وهذان العملان أكدا أنه يمكن تقديم جزء من تراثنا بطريقة أوركسترالية".
ويوضح الفشني الطريقة التي اعتمدها في تحديث التراث، قائلاً إن "طريقة الإلقاء في كلام حداء الإبل ليست مفهومة إلا بين سكان يسكنون الصحراء، لذلك ابتكرنا طريقة تجمع بين الإنشاد والحداء لكي يتمكن المتلقي من فهم الكلام، ونجحت التجربة بالتعاون مع الموسيقار تامر كروان في (سفر حبيبي) و(الهرب) لمودي الإمام. المايسترو نادر العباسي كان صاحب هذه الفكرة، واستغرق الأمر فترة طويلة كي نتمكن من فهم الكلام وتقديمه للناس. التحديث يقوم على معادلات معينة ولو حصل خلل أو زيادة في أي منها يفسد العمل. توجد لديّ أفكار كثيرة، ولكن الفكرة الأساسية التي أتمسك بها هي أوبرا مصرية تقدم التراث الذي يليق بها ونكتب عليه خطوط الهارموني ونلبسه (بابيون) ونلف به العالم كله وأن نقول هذا هو التراث وليس الذي يقدمه شكوكو ويلف به الشوارع، مع أنه جزء من التراث المصري وليس أساسه، وكذلك فرقة رضا، ولكن أنا أقدم التراث بطريقة مختلفة وبمرافقة أوركسترا، وعندما قدمت أكابيلا (عيني آه يا عيني على آه) كنت أتمنى خلال عزف الأوركسترا أن نقول حكماً للناس لأن التراث الصعيدي الفلاحي يقوم على الحكم، وهذا الأمر يتطلب شروطاً معينة كأن يكون هناك مغني أوبرا يتمتع بصوت قوي ومفتوح ويغني بعيداً من الميكروفون. المسألة ليست غناءً لمجرد الغناء، بل يجب أن يكون الصوت شرقياً ويجيد اللهجة الصعيدية أو الفلاحية بمرافقة الأوركسترا، كما طرحت قبل مدة أغنية (راهب) على طريقة الفلامنكو وبكلام صعيدي ومن أجلها أجهدت صوتي ودخنت كثيراً من السجائر لكي يصبح متحشرجاً ومناسباً لها".
الفنانة السورية لينا بيطار تغني اللون الكلاسيكي وكل أنواع الغناء التراثي السوري، وهي أيضاً مع مبدأ تحديث التراث بشرط ألا يمس بأساسات الأغنية، أي في الكلمة واللحن، إذ تقول "لا شيء يمنع من إضافة لمسات خفيفة من الهارموني لكي يصل العمل إلى الجيل الشاب، ولكن بعض الفرق غيرت اللحن بشكل جذري أو في المقام أو استبدلت بالكلام كلاماً آخر. التراث السوري غني ويضم القدود الحلبية والأدوار والموشحات والطقاطيق، وكلها يمكن تحديثها، وخصوصاً القدود لأنها شعبية أكثر من الموشحات والأدوار، كما أن هناك تجارب في تحديث الموشحات، ولكن الأدوار لا يمكن إعادة توزيعها لأنها شرقية كلاسيكية. ولقد شاركت لوقا الصقر بمشروع اسمه (مزيج) الذي يجمع بين الأغاني التراثية من طريق الكلمة وليس اللحن وكانت تجربة ناجحة لم تمس في أساسات الأغنية".
تجارب فرضت نفسها
أما قائد الأوركسترا والباحث الموسيقي، لبنان بعلبكي، فيشير إلى أنه "لا يوجد شيء حاسم حول هذا الموضوع، بل يجب تقييم كل تجربة على حدة". ويضيف "عندما ينقل التجديد التراث إلى مكان جديد قادر على الاستمرار تكون التجربة ناجحة مع أن بعض النقاد يعتبرون أن التراث يجب أن يبقى على حاله. التجارب الناجحة تفرض نفسها أولاً كقيمة فنية قائمة بحد ذاتها، وثانياً بسبب قبول الناس لها حتى لو انتقدت في لحظتها، من بينها تجربة المصري عمر سليمان الذي يغني في النوادي الليلية في أوروبا ويشارك بمهرجانات في هولندا وألمانيا ويحضر حفلاته ما بين 30 و40 ألف شخص".
ويلفت بعلبكي إلى أن "التحديث يتحقق من خلال الرؤية الموسيقية، والتوزيع، والصوت، وكيفية تقديم التراث للأجيال التي لا يوجد لديها اتصال معه". ويضيف "التشرذم الذي تعيشه الشعوب العربية لأسباب مختلفة جعلتهم يبحثون عن هويات مختلفة بعيدة عن تراثهم، ولأنه من شبه المستحيل أن يتم التواصل مع التراث بحلته القديمة، يتم التحديث من خلال التوزيع والأصوات، ولكنه لا يكون بالضرورة تقليدياً، بل يمكن إضافة بعض العناصر الإلكترونية عليه لكي يصل إلى الناس، لأن أهمية أي عمل فني تكمن في وصوله إلى الناس".
وعما إذا كان مسموحاً إجراء تحديث على كل أنواع التراث أم أنه لا يجوز المس ببعضها، يؤكد بعلبكي أن "كل شيء ممكن من قبيل التجربة، ولكن عندما يخضع أي نوع من أنواع التراث للتحديث، فلا بد من أن يتغير طابعه، بينما يفضل البعض التراث بطابعه الأساس. التحديث وإعادة التوزيع يغيران الأغنية، ولا تعود بنفس الأجواء التي كانت عليها، والموسيقي الذي يرغب بالتحديث يجب أن يكون ضليعاً بالتراث ولديه فكرة معينة يريد أن يوصلها من خلاله، بمعنى أنه يجب أن يكون على معرفة بأصوله وأن يحلله من حيث الظروف التي رافقت ولادته، معنى كلماته، ولماذا تم تسجيله بطريقة معينة لكي يحافظ على سياقه الأساس عند إعادة تقديمه، لأن التراث يرتبط دائماً بقضايا اجتماعية ويغنى في مناسبات معينة والكلمة والإيقاع ترتبطان ينوع المناسبة فهناك غناء الحوربة (الحروب) والحداء والحصاد".
في المقابل، لا ينكر بعلبكي أن بعض المغنين شوهوا التراث على رغم الشعبية العالية التي حققوها بفضله. ويقول "هم نقلوا التراث إلى مكان لا يشبهه، وأصبح معهم خارج سياقه الاجتماعي وفقدت الكلمة معناها. هم حافظوا على الإيقاع واللحن التراثي ووضعوا عليه كلاماً يشوبه الانحطاط، يتحدث عن العلاقة بين الرجل والمرأة أو العلاقة بالمال أو بنظرة الإنسان للسعادة، ولكن بطريقة مشوهة جداً. أهم ما في العمل التراثي هو كلامه لأنه انعكاس للمجتمع وتقاليده وتراثه، والتشويه الذي يحصل في التراث يشبه التشويه في مجتمعاتنا".
ويفرق المتحدث بين التراث الشعبي والتراث الأكاديمي، ويشير إلى أن "القدود الحلبية تنتمي إلى فئة التراث الأكاديمي، هناك معاهد في حلب تعلم أصول الغناء والإلقاء، لذلك نجحت القدود الحلبية بالمحافظة على كيانها، ولم يصبها التشوه، بينما التراث الشعبي يتم توارثه شعبياً ويدرس في المعاهد الموسيقية كمادة مجمدة في التاريخ مرتبطة بالحالات الشعبية فقط". إلى ذلك يعتبر بعلبكي أن "اللون الذي تقدمه نجوى كرم وعاصي الحلاني ليس تراثاً، بل خلطة هجينة ابتدعتها مدرسة استديو الفن، وأطلق عليها تسمية الأغنية الشعبية التراثية". ويوضح "في بداياته قدم عاصي الحلاني الهوارة ثم اتجه كما نجوى كرم إلى تقديم الأغاني الجبلية التي تجمع بين البدوي والتراثي، وهو مخلوق هجين يعكس مرحلة التسعينيات بوجود رؤوس أموال كانت تمول الأعمال الفنية في لبنان، ومع الوقت لن يبقى من هذه الأعمال شيئاً".
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech