لماذا لا تصمد إصلاحات الكهرباء؟
9-تموز-2023
مسلم عباس
في إحدى الليالي الباردة من شهر كانون الثاني يناير 2023 سافر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى ألمانيا (12 كانون الثاني يناير 2023) برفقة وفد حكومي رفيع ووقع مذكرات تفاهم مع شركة سيمنز الألمانية لتطوير قطاع الكهرباء في مجالات الإنتاج والنقل والتوزيع.
لم تكن الاجواء الباردة في ذلك الوقت لتنسي السوداني أن الصداع الأكبر بالنسبة له يبدأ من شهر حزيران، وحل مشكلة هذا الصداع يحتاج إلى شهور من العمل المتواصل مع شركات عالمية، فكان الحل عبر شركة سيمنز الألمانية ومن هناك وعد السوداني بأن يكون صيف هذا العام مختلفاً عن الاعوام السابقة.
الكثير من العراقيين تندروا على إعلان رئيس الوزراء وكاتب هذا المقال منهم، فالمشكلات الإدارية والإنتاجية والسياسية كلها عوامل تعيق أي تقدم في مجال تحسين تجهيز الطاقة الكهربائية، فضلاً عن تجربتنا كعراقيين بأن ما يعلن عن اصلاح الكهرباء لا يدخل حيز التنفيذ إلا في جزء بسيط.
لقد تحولت أزمة الكهرباء إلى أزمة أبدية لا نهاية لها.
لكن السوداني فاجأنا وعبر دائرة تلفزيونية في مبنى وزارة الكهرباء (الاحد 2 تموز 2023) معلناً عن افتتاح المرحلة الأولى من مشاريع تطوير ورفع كفاءة الوحدات الغازية العاملة، وهي جزء من وعود السوداني في شهر كانون الثاني يناير.
المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء قال إن مشاريع تطوير ورفع كفاءة الوحدات الغازية العاملة جاءت عبر تشغيل 40 منظومة لتبريد الهواء الداخل للوحدات التوليدية الغازية في ثماني محطات كهربائية ببغداد والمحافظات، تم تجهيزها بموجب العقود المبرمة مع شركة سيمنز الألمانية، وتم التنفيذ من قبل الشركة العامة لإنتاج الطاقة الكهربائية/ المنطقة الوسطى.
وتُسهم منظومات تبريد هواء مداخل التوربين في تعويض ضياعات الطاقة الكهربائية من الوحدات خلال موسم الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وتعوض قدرة مفقودة بمقدار 797 ميكا واط تضاف إلى الإنتاج.
وشملت المرحلة الأولى من مشاريع التطوير محطة كهرباء الخيرات الغازية في محافظة كربلاء المقدسة، ومحطة كهرباء الرميلة الغازية في محافظة البصرة، ومحطة كهرباء الحيدرية الغازية في محافظة النجف الأشرف، ومحطة كهرباء كركوك الغازية في محافظة كركوك، ومحطة كهرباء الديوانية الغازية في محافظة الديوانية، ومحطتي كهرباء القدس والصدر الغازيتين في العاصمة بغداد، ومحطة كهرباء القيارة الغازية في محافظة نينوى، فيما ستتم المباشرة بالمرحلة الثانية من نصب وتشغيل منظومات التبريد على باقي المحطات وبواقع (32) منظومة تُنصب على (7) محطات كهرباء غازية، سترفد الشبكة الوطنية الكهربائية بطاقة إضافية مقدارها (364 ميكاواط).
بعد يوم واحد من ظهور رئيس الوزراء أعلنت وزارة الكهرباء عن وصول الطاقة الانتاجية إلى 26 ألف ميكاواط وهو اعلى تصل إليه في تاريخ العراق.
أخبار تزيد الشعور بأن شيئاً ما يتغير لصالح حل ازمة الكهرباء، لكن الفرحة لم تعمر طويلاً، إذ تزايد عدد ساعات القطع المبرمج بشكل لا يطاق، وفقدنا الطاقة الكهربائية إلى ما يزيد عن نصف اليوم.
وفي بعض المناطق يصل القطع المبرمج الى 18 ساعة، لترتفع الاحتجاجات الشعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد الحكومة العراقية واتهامها بأنها لا تختلف عن الحكومات السابقة.
وزارة الكهرباء أعلنت أن وقف الغاز المورد عن المنطقة الجنوبية بالكامل، وتقليل إطلاقاته عن المنطقة الوسطى وبغداد، (من 45 مليون متر مكعب الى 20 مليون متر مكعب)، تسببا بتوقف محطات الصدر الغازية، والمنصورية، والرشيد، والتاجي، وجنوب بغداد الغازيات كما تأثرت الرميلة الغازية والاستثمارية، والخيرات، والنجيبية، وشط البصرة، والنجف الغازية، والحلة الغازية، والحيدرية، (رغم جاهزيتها الكاملة للعمل بطاقتها بعد إكمال صيانتها بوقت سابق).
أزمة الغاز افقدت المنظومة إنتاج ما يقارب الخمسة الاف ميغاواط أثرت على ساعات التجهيز خلال اليومين الماضيين مع ذروة الأحمال وزيادة الطلب.
لماذا توقف الغاز المستورد من إيران؟ ولماذا نسمع بهذا التوقف كلما بدأت الحكومة بتحسين تجهيز الطاقة؟
تقول إيران أن أحد شروط التعاقد معها هو أن ايران تأخذ كفايتها من الغاز وإذا ما حدثت أزمة لديها يتم تقليل اطلاقات الغاز الى العراق، لكن هذه الحجة غير مقنعة.
كما أن هذه المشكلة وهي واحدة من مشكلات أخرى في خطوط النقل الى المحطات التحويلية وحتى الجباية، فضلاً عن المشكلات الإدارية والفساد مروراً بالقرار السياسي، كلها عوامل تجعل من أي عملية تحسين للطاقة الكهربائية وقتية ولا تستطيع الصمود أمام المشكلات التي تنخر جسد الدولة العراقية.
لا حل للكهرباء بدون حل أزماتنا في الإدارة ومكافحة الفساد، وتعزيز سيادة القانون، وانتهاء المحسوبية والمحاصصة.