رغم اهمية الفيلم الاستئنائية, فقد عانى من عيب اساسي: لقد اكد الفيلم الصورة النمطية الشريرة للعرب في اذهان الغرب والعالم. لقد اظهرهم كقتلة دمويين ونهابين وحهلة فوضويين وكذابين ومتسولين باسنان وملابس قذرة. مع ذلك كان احد الذين سحرهم الفيلم شاب سوري يعيش في لوس انجلوس اسمه مصطفى العقاد. كان العقاد قد درس السينما في جامعة كاليفورنيا واصبح مساعدا للمخرج الامريكي سام بيكنباه كما عمل في شبكة سي بي اي. ما ان شاهد العقاد لورنس العرب حتى قرر اخراج فيلم عن الاسلام ليردم الهوة الثقافية بين المسلمين والغرب.
مر عقد ونصف وتمكن العقاد من جمع 17 مليون دولار من الكويت وليبيا لكي يحقق حلمه. وعلى خطى ديفيد لين سار العقاد ومعه مئات من الفنيين والاف من الكومبارس الى الصحراء المغربية وبنوا بلدة كاملة قرب احدى القرى لتكون مكة في الفيلم.
كما استعان العقاد بانتوني كوين وموريس جار ايضا.
ورغم ان العقاد حصل على موافقة الازهر على سيناريو الفيلم الذي لم يظهر النبي محمد, فان علماء الدين في السعودية حاربوا مشروع الفيلم وضغطت الحكومة السعودية على العاهل المغربي الذي رضخ واوقف انتاج الفيلم.
انتقل العقاد مع كادره الضخم ومعداته الى ليبيا حيث رعا معمر القذافي ما تبقى من الفيلم وكان اساسا مشاهد المعارك. خرج الفيلم اخيرا في عام 1976 ولاقى متاعب جديدة وتهديدات من جماعة امة الاسلام في الولايات المتحدة مما اثر على عرضه ومبيعاته هناك.
رغم ذلك, اثنى النقاد على الفيلم وان لم يفهم الغرب لماذا لم يظهر محمد فيه وهم متعودون ان يشاهدوا المسيح في الاف من اللوحات والتماثيل والافلام.
ورشحت موسيقى موريس جار الفريدة للاوسكار. كان تأثير لورنس العرب واضحا في العديد من مشاهده مثل استلهام مشهد ظهور الحمزة من مشهد ظهور الشريف علي ولكن من دون تصوير السراب.
لكن نجاح الفيلم الحقيقي كان في العالم العربي في السنوات والعقود التي تلت انتاجه. فقد تحول الفيلم وكادره الى ما يشبه الاسطورة!
اثار العقاد اهتمام القذافي فقرر تمويل فيلما اخر ب 35 مليون دولار عن الثائر الليبي عمر المختار. ومن جديد استعان العقاد بكوين وجار وشد رحاله الى الصحراء الليبية حيث انتج فيلما عن حرب العصابات هو اقرب الى لورنس العرب من الرسالة.
هذه المرة جيء بالممثل البريطاني اوليفر ريد ليمثل دور غراتسياني.
ورغم انتاج الفيلم الفخم والمتقن الا انه رفض عموما في الغرب لانه اعتبر فيلما تعبويا.
ومن حديد ظهرت ملامح من لورنس العرب فيه مثل سقوط نظارات المختار بعد اعدامه في تماهي مع سقوط نظارات لورنس بعد مقتله في حادث الدراجة النارية.
وكما هو الحال مع سابقه, نجح الفيلم في العالم العربي.
في العراق قرر صدام حسين انتاج فيلم مشابه لاسد الصحراء عن ثورة العشرين التي اجبرت الانكليز على انشاء حكومة عراقية.
اسندت لاكثر المخرجين العراقيين خبرة محمد شكري جميل مهمة اخراج الفيلم.
كان جميل قد درس السينما في بريطانيا واخرج عددا من الافلام في العراق. استعان جميل بمدير تصوير فيلمي الرسالة واسد الصحراء كما قرر ايضا ان يؤدي اوليفر ريد دور الكولونيل ليجمان. ورغم ميزانية الفيلم التي بلغت 24 مليون دولار, الا انه غرق في فوضى الحرب العراقية الايرانية وتعطل انتاجه. في النهاية وبعد مونتاج دام لاشهر, عرض الفيلم في مهرجان لندن الا انه اهمل بشكل عام. كان الفيلم جيدا بالمقاييس العراقية لكنه اقرب للتواضع بالمقارنة بافلام العقاد. وزعم جميل انه التقى ديفيد لين في لندن وان الاخير اثنى على الفيلم واعتبر انتاجه في العراق انجازا. كان للورنس العرب بصمات في المسألة الكبرى منها مشهد النهاية الذي صور السفير البريطاني وهو ينظر عبر زجاج سيارته في استلهام لنظرات لورنس الاخيرة وهو في سيارته في الصحراء في نهاية الفيلم. كما يذكر الاسم الانكليزي للفيلم: صراع الولاءات بلورنس ايضا.
شخصيا شاهدت لورنس العرب لاول مرة اثناء دراستي للسينما في اكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد قبل الغزو الامريكي للعراق. وبعد عام 2003 شاهدته بنسخة افضل (دي في دي) وبشاشة تلفزيون كبيرة. وبعد الهجرة للولايات المتحدة شاهدته بنسخة ادق وبعارضة سينما منزلية HD. رغم ذلك كانت امنيتي ان اشاهده يوما ما في قاعة سينما. وقبل 4 ايام - وصادف ذلك اليوم عيد ميلادي - قررت بعض دور السينما في مدينتنا اعادة عرض لورنس العرب. وهكذا ذهبت مع احد الاصدقاء - وهو عسكري سابق خدم في العراق - لنشاهد مرة اخرى تحفة ديفيد لين وباكبر حجم ممكن...
كانت المفاجأة انني تعرفت على البنايات التي استخدمت كمقرات للقوات البريطاني في القاهرة والقدس ودمشق. سألت نفسي: اليست هذه بلازا دي اسبانا في اشبيلية باسبانيا التي زرتها قبل اشهر؟ بعد الفيلم بحثت ووجدت ان اشبيلية - بما فيها البلازا والقصر وغيرها - قد استخدمت فعلا في الفيلم كبديل للمدن العربية الثلاث.
لقد كان ذلك افضل هدية عيد ميلاد على الاطلاق!