رعد كريم عزيز
في مبادرة لمعهد غوتة الالماني في بغداد وبالتعاون مع جمعية الفنانيين التشكيليين فرع بابل ومؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون تم افتتاح المعرض الفني المنوع بمناسبة مئوية رحيل الكاتب كافكا(1883-1924 ) تحت عنوان ( كافكا برؤية تشكيلية).
شارك فيه خمسة فنانين اثنان من بابل الفنان اياد الزبيدي والدكتور حيدر رؤوف ومن البصرة الدكتورة جنان محمد احمد والفنان حسن فالح الشاوي والفنان حامد سعيد مرزوق.
وعلى الرغم من الافتتاح الاول للقاعة الفنية المجاورة لمؤسسة المدى بالقرب من حدائق ابو نؤاس الا ان الافتتاح شهد حضورا دبلومسيا اجنبيا وجمهورا متذوقا وكذلك مساهمة دائرة الفنون الموسيقية بمعزوفات تراثية ساحرة.
واتفق المتحدثون قبل افتتاح المعرض في كلماتهم من قبل معهد غوته والسفير الالماني وممثلة مؤسسة المدى غادة العاملي ورئيس جمعية الفنانيين التشكيليين فرع بابل الفنان اياد الزبيدي على تفرد هذا المعرض لحيازته على الادب والفن في تأزر لغوي بصري لافت يعكس الوجه الحقيقي الحضاري والانساني للعراق لما يحفل به من موسيقى وادب وفن.
وشهد فن محاكاة الكتابة بالصورة تجارب كثيرة سابقة تعاضدت في فن الصحافة حيث كانت القصة والشعر متجاورة بتفاعل كبير مع التخطيط الصحفي وكذلك بروز الحروفية في اللوحة التشكيلية,الا ان التفاعل الحميمي في هذا المعرض تطلب جهدا تحضيريا في القراءة لروايات ورسائل كافكا التي تمثل موقفا حياتيا اصبح دلالة على الانتصار للانسان من اجل دفع العزلة عنه والحصول على كسرة من التعاضد في عالم وحشي.
وثمة اتفاق غير معلن بين الفنانيين على اختيار مقتطفات متشابهة لكافكا ولكن برؤيا مغايرة لكل فنان وهذه التفاتة صعبة منحتنا التعدد في الرؤيا البصرية التي تسعى كتابة بالالوان والخطوط عن كوامن داخلية عصية في روايات كافكا ( المتحول والقلعة والمحاكمة ) اضافة الى رسائل الحب بينه وبين حبيبته ميلينا.
استعان الفنان اياد الزبيدي بخطوطه بالاسود والابيض وشذرات من الوان محايدة اخرى في مساحات لوحات تباينت بين الحجم الكبير والمتوسط في ابتكار محايثة لافتة بين لوحاته وافكار كافكا ,وثيمتها الاساسية الانسان المقيد في عزلته المختارة وسعيه في ايجاد مساحة بعيدة عن التاثيرات التي سببت تهشيم العلاقات الحميمية بين البشرحيث امتزجت في لوحته الكتابة والخطوط ( ارغب في عزلة تخلو من التفكير اكون فيها وجها لوجه مع نفسي) .او لوحة الرجل الجالس على الكرسي بخلفية الباب المغلق وكأنه باب قلعة قديمة (علي ان اكون وحيدا جدا فما انجزته هو نجاح العزلة فقط) لذا امتازت لوحات الزبيدي بالايغال قدما نحو عزلة بصرية قارئة بعمق لتجربة كبيرة مما فتح مساحة جديدة لدية وهو العاشق لهذه التجارب والمثاقفة بين النصوص الشعرية مع الشاعر بدر شاكر السياب – والتي تحولت الى معارض ثابتة على جدران الشيراتون في البصرة واربيل – والشاعر موفق محمد والشاعر رعد كريم عزيز على شكل اصدارات مطبوعة.
واتكأت الفنانة جنان محمد احمد في اغلب لوحاتها في ابراز الوجه الحزين للكاتب كافكا وهو يواجه بعيون مفتوحة من يحدق في اللوحات بالمقولة (خجلت من نفسي عندما ادركت ان الحياة حفلة تنكرية وانا حضرتها بوجهي الحقيقي).ووفرت لوحات جنان رؤيا بصرية غير بعيدة عن كافكا حاضرا بصورته في تنويعات بصرية تتبع المقولات المختارة من فنه الكتابي.
وكعادة الدكتور الفنان حيدر رؤوف فان سمة الدهشة والابتكار في الخزف ,فكان عمله بارزا لمقولة كافكا ( فانت تنتمين الي حتى لو قدر لي الا اراك ثانية على الاطلاق) في تجسيد المراة خزفيا وكانها تؤدي طقسا هادئا في لحظة تأمل وجدانية في عمل متفرد عن الخزف ككتلة تزينية. ويواجهنا عمله الذي يتماهى مع مقولة كافكا(اخاف الاشياء التي تلامس قلبي يا ميلينا ,لذا اهرب منك )وكأنه قلب مفتوح بشرايين مشرئبة نحو الاعلى بالوان قريبة من الجو العام للمعرض الذي اخذ من اللون الرمادي اغلب سماته العامة المشتركة.
الفنان حسن فالح الشاوي امتاز بمسحة الرمادي والاشخاص في حصار الغرفة التي تشير بوضوح الى حفلة استجواب اذا ما قلنا غرفة تعذيب متقفيا مقولة كافكا(ياله من جهد ان تبقى على قيد الحياة) او( ان انعدام النوم لايعني سوى التساؤل فلو ان المرء حصل على اجابة لنام) في لوحات مستطيلة بتعدد الشخصيات الواقفة كشاهد تاريخي على الالم البشري.
ويبقى الفنان حامد سعيد مجنحا في الوانه الاحتفالية بضربات الفرشاة الطفولية في سياحة بسيطة ممتنعة حتى ظهرت لوحاته في قراءة مغايرة اخرى للمعرض الا انه استفاد من مقولة كافكا ( اشياء كثيرة سرقت من طفولتي .اشياء كثيرة مهمة وعلى الان ان استعيدها ) وكذلك في اللوحة التي تستند في القراءة على المقولة (كنا نملك اجنحة ولكنها بلا فائدة لنا ولو كان بمقدورنا ان نمزقها على اكتافنا لفعلنا) حيث اتاحت الوانه وخطوطه الطفولية ان تتعايش مع هذه التاويلات.
تجربة عميقة وثرة فتحت تواشجا عالميا بين الادب والفن بدون حدود حتى تواصلت جمعية التشكيليين فرع بابل مع معهد غوته ومؤسسة المدى في قراءات متعددة عن كافكا المثير للجدل وهو الذي رحل بعمر قصير ولكن بانتشار كبير مؤثر مازالت تاثيراته ماثلة في الثقافة العالمية المعاصرة.