ما بين ادارة الاعمال والادارة العامة
17-آب-2022
أ.د. حمزة محمود شمخي
عندما نتكلم عن (الادارة) فان حديثنا يذهب الى تلك القوة (غير المنظورة وغير الملموسة) التي من خلال ممارستها تضمن الدولة ومنظمات الاعمال النجاح. وعندما تظهر النتائج السلبية فذلك دليل على عدم وجودها او ممارستها بسلوك غير ناضج، فالادارة نشاط انساني فائق التأثير.
ومنذ ان زاد تعمقنا في الفكر الاداري كانت لدينا رؤى للتفريق قد لا تكون ناضجة او تتسم بالسذاجة العلمية في بعض الاحيان عند التمييز بين ادارة الاعمال والادارة العامة. وكنا ننظر الى الاختصاصين بفارق كبير معتقدين ان رقي الدول اقتصاديا، بني على الثقافة الادارية لادارة الاعمال، متجاهلين دور الادارة العامة في ذلك بقصد او بدون وعي علمي. وعندما زادت ثقافتنا الادارية تاكد لنا ان الاختصاصين لهم دورهم الفاعل رغم الاختلاف بينهم حيث يتجسد ذلك الاختلاف في الأهداف والمستفيدين ودائمية الوظيفة وفي معايير اتخاذ القرار وفي أساليب وطرق التقييم وفى المسؤولية وأخيرا الأساس المالي.
ينظر الى ادارة الأعمال كونها (علما يساعد على الاستفادة من الموارد الخاصة في المنظمة عن طريق استخدام العناصر الانتاجية في تحقيق جميع الأهداف).
بينما ينظر الى الإدارة العامة بانها (نشاط عام يهدف الى تقديم الخدمة العامة لتسيير الحياة اليومية للمواطنين في مختلف المجالات الاقتصادية والامنية والثقافية والتربوية والبيئية) وكلتا الادارتين لهما دور في رقي الدول وتطورها الاقتصادي والاجتماعي. وعند البحث عن تاريخ الاهتمام بالاختصاصين يمكن القول ان ادارة الاعمال سبقت ذلك حيث ظهرت كتخصص متكامل بعد الثورة الصناعية. وتعد كلية إدارة الأعمال بأوروبا (ESCP Europe) والتي تأسست عام 1819 أول كلية لإدارة الأعمال على مستوى العالم. بينما كانت كلية Wharton في جامعة بنسلفانيا أول كلية لإدارة الأعمال في الولايات المتحدة والتي تأسست في عام 1881. وعلى نفس الوتيرة، تأسست أعرق كلية فرنسية لإدارة الأعمال (Hautes Etudes Commerciales) في باريس عام 1881، بينما تأسست Harvared College لإدارة الأعمال في عام 1908، والتي تأسست بعد عام واحد من إنشاء كلية إدارة الأعمال EHESS المرموقة بفرنسا. وهذه المدارس ظهرت قبل ان يقدم عالم الادارة المبدع F.Taylor كتابه المميز Principles Of Scinentifc Management عام 1911 وارسى فيه معالم فكر ادارة الاعمال. اما تاريخ الادارة العامة كتخصص علمي فيتسم بالحداثة، حيث ظهر في الخمسينات من القرن الماضي بعد الاهتمام (بالواقعية الادارية) كونها ظاهرة اجتماعية، رغم ان مضمونها ارتبط باسم Woodrow Wilson رئيس جامعة Princeton الشهيرة للفترة 1902-1910 ورئيس الولايات المتحدة الامريكية الثامن والعشرين للفترة 1913-1923 حيث قدم اول محاولة قوية وجادة لتأسيس حقل معرفي مستقل للإدارة العامة اذ طرح في عام 1887 أربع أفكار (الفصل بين السياسة والإدارة العامة، والنظر إلى الحكومة من منظور تجاري، والتحليل المقارن بين المنظمات السياسية والخاصة والبرامج السياسية، وتحقيق الإدارة الفعالة من خلال تدريب الموظفين العموميين وتقويم جودة أداء أعمالهم). والاهم فان Wilson تبنى التوجه الاقتصادي للإدارة العامة الذي فصل الإدارة العامة عن العلوم السياسية ليدخلها في فلك علم الاقتصاد على المستوى الكلي Macro وادخل حقل إدارة الاعمال في حقل الاقتصاد الكلي Micro ،وعلى ضوء هذا التقسيم اصبحت ادارة الاعمال وظيفة للمنظمات الخاصة والادارة العامة وظيفة لمؤسسات الدولة. وهذا يؤكد ان رجل الادارة العامة يجب ان يتمتع (بعقلية اقتصادية) حتى يتمكن من تحقيق اهداف الدولة الحديثة دولة الرفاهية الاقتصادية. ولذلك فقد حددت ادارة الاعمال بانها العملية الادارية من تخطيط وتنظيم ورقابة واتخاذ القرار وتوجيه جهود افراد التنظيم لتحقيق اهداف منظمة الاعمال الخاصة، وعلى ذات المضمون حدد منهج الادارة العامة بانها الادارة التي تقدم الخدمة العامة ضمن مؤسسات الدولة لتسيير الحياة اليومية للمواطنين في مختلف المجالات.
والسؤال اين نقف نحن متخصصو ادارة الاعمال من هذا التوضيح؟
كما يلاحظ ان المشترك بين النوعين هو الادارة ذلك النشــاط الانساني الذي يمارس من قبل مدير له صلاحية اتخاذ القرار وممارسة العملية الادارية سعيا لتنفيــذ الأعمــال بواســطة الآخــرين. اذا النشاط هو اداري ولكن باختلاف الاهداف والمستفيدين ودائمية الوظيفة، وفي معايير اتخاذ القرار وفي أساليب التقييم. نخلص من ذلك الى ان ادارة الاعمال والادارة العامة هما قطبا الفكر الاداري لكل منهما منهجيته الادارية وقيادته واستراتيجية عمله واهدافه، وهما ركيزة الدولة الحضارية الحديثة دولة الرفاهية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، التي تتحقق من رقي منظمات الاعمال فيها، وتنفيذ سياسات الحكومة والاعتماد على أحدث وأفضل الوسائل الادارية التي تتميز بالدقة والفاعلية والمساهمة في تقديم الخدمات المختلفة للأفراد في المجتمع.