بغداد - العالم
بعد أربعة عشر عامًا من حكم المحافظين في بريطانيا، حقق حزب العمال فوزاً كبيراً في الانتخابات العامة التي جرت الخميس، ففاز بالسلطة للمرة الأولى منذ عام 2010، حيث سوف يكون لزاماً على رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر أن يعالج المشاكل الاقتصادية التي تواجهها بريطانيا، لكن تعديل بوصلة السياسة الخارجية والدفاع من ضمن الأولويات الأخرى.
وتعهد ستارمر في أول خطاب له بعد تعيينه رئيسا للوزراء من قبل الملك تشارلز الثالث بإعادة بناء الثقة في السياسة واستعادة الأمل في الأمة، إلا أنه سيواجه قرارات صعبة ومبكرة بشأن السياسات الداخلية والخارجية وسيكون الاختبار هو ما إذا كان سيعيد بناء نفوذ المملكة المتحدة وسمعتها ومصالحها.
سياسات الداخل
الاتفاقيات الثنائية مع فرنسا والاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي بأكمله كانت مهمة لمعالجة قضية المهاجرين الذين يعبرون القناة في قوارب صغيرة
من أهم ما يمكن استنتاجه من الهزيمة الكبيرة التي تلقاها المحافظون هو أن حزب العمال ورث الآن ناخبين غاضبين وغير صبورين على رؤية حياتهم تتحسن في ظل الحكومة الجديدة.
ووضع الحزب رؤية كبيرة لمستقبل بريطانيا الاقتصادي: إنشاء شركة طاقة نظيفة مملوكة للدولة، وإعادة تأميم السكك الحديدية مع انتهاء العقود، وتنفيذ إستراتيجية صناعية جديدة، على سبيل المثال لا الحصر من السياسات الرئيسية. ويرى محللون أن هذه الأهداف طموحة للغاية لكن ليس من المستحيل تحقيقها مع التفويض الذي حصل عليه الحزب.
وسيعالج حزب العمال مشكلة طول الانتظار على قائمة الانتظار للعلاج الطبي كأولوية فورية، من خلال إضافة مليوني عملية مسح ضوئي وموعد إضافي يحصل عليهما المستفيدون من الرعاية الصحية، وذلك في السنة الأولى من حكم الحزب، ويتم تحقيق ذلك من خلال دفع المزيد من رواتب موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية للعمل الإضافي وزيادة توافر الخدمة الصحية خلال عطلات نهاية الأسبوع.
وتضمن تعهّد حزب العمال خلال حملته الانتخابية، الحفاظ على الضرائب «منخفضة قدر الإمكان»، دون الالتزام بتخفيضات محددة. لكن البيان الانتخابي للحزب يتضمن زيادات ضريبية بقيمة 8.6 مليار جنيه إسترليني (11 مليار دولار).
ويقول الحزب إنه سيتخذ اتخاذ إجراءات؛ مثل الحد من التهرب الضريبي الذي من شأنه أن يجمع 5.23 مليار جنيه إسترليني، وإجبار المدارس الخاصة على دفع ضريبة القيمة المضافة الذي من شأنه أن يجمع 1.5 مليار جنيه إسترليني.
لكن معهد الدراسات المالية، وهو معهد بحثي معروف، وصف زيادات حزب العمال في الإنفاق وزيادة الضرائب بأنها “‘طفيفة”، مضيفا أنها لن تعالج التخفيضات التي تلوح في الأفق.
وكان الحزب قد تعهد في الأصل باستثمار 28 مليار جنيه إسترليني في الجهود الرامية إلى تحقيق اقتصاد منخفض الكربون كل عام حتى عام 2030، لكنه خفّض منذ ذلك الحين خطة الإنفاق بشكل كبير بعد الانتقادات المستمرة من حزب المحافظين.
وتتضمن المقترحات لتحسين النمو الاقتصادي، إنشاء صندوق ثروة وطني بقيمة 7.3 مليار جنيه إسترليني، الذي يهدف إلى “إطلاق العنان لمليارات الجنيهات من الاستثمارات الخاصة” لدعم “النمو والطاقة النظيفة”.
عناق القبول
ووفق المعهد البحثي البريطاني “ifG”، فإن تعهد زعيم حزب العمال كير ستارمر برفع معدل النمو في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوى بشكل مستدام بين دول مجموعة الدول السبع، بحلول نهاية الولاية الأولى لحزب العمال، هو تعهد يرى محللون أنه طُموح للغاية.
وتعهّد حزب العمال بزيادة الاهتمام بقطاع التعليم “بتوظيف 6500 مدرس جديد في المواد الرئيسية لإعداد الأطفال للحياة والعمل والمستقبل، ويتم تمويل ذلك من خلال إنهاء الإعفاءات الضريبية للمدارس الخاصة”.
ولدعم الطلاب الأكبر سناً، يعتزم حزب العمال تدريب أكثر من 1000 مستشار مهني جديد، وتوفير أسبوعين من الخبرة العملية لكل شاب في المدرسة الثانوية أو الكلية.
وبالإضافة إلى التحديات الاقتصادية، تواجه الحكومة الجديدة تحديات اجتماعية عميقة تتعلق بالتفاوت الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.
ويتطلب ارتفاع معدلات الفقر وانعدام المساواة سياسات اجتماعية تهدف إلى تحسين ظروف المعيشة للأسر ذات الدخل المنخفض، وتعزيز الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم كما يتعين على الحزب التعامل مع قضايا الإسكان وتوفير سكن ملائم وبأسعار معقولة للمواطنين.
وتأتي التحديات الاقتصادية في قلب التحديات الرئيسية التي تواجه حزب العمال في بريطانيا، ذلك أن اقتصاد المملكة المتحدة عانى كثيراً من أجل النمو، كما تعاني الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات من ضغوط شديدة، ولا يوجد في المالية العامة سوى حيز ضئيل لإصلاح هذه المشاكل. كما تتخلف الحكومة عن تحقيق أهدافها في مجال الهجرة وبناء المساكن، بحسب تقرير لرويترز أضاء على كثير من المؤشرات الرئيسية التي تعكس حجم الأزمة في البلاد.
وتمكنت بريطانيا، مثل العديد من الدول الغنية الأخرى، من تحقيق نمو اقتصادي بطيء للغاية خلال معظم الفترة التي أعقبت الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009.
وستحتاج الحكومة الجديدة إلى وضع سياسات فعالة للحد من التضخم وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
ويتطلب ذلك تحسين الرواتب، وخفض أسعار السلع الأساسية، وتقديم دعم مالي للفئات الأكثر ضعفاً. كما يتعين على الحكومة الجديدة تعزيز بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات لتحفيز النمو الاقتصادي.
ويرى خبراء في الاقتصاد أن حكومة حزب العمال قد تحصل على بعض الزخم من الانخفاض المتوقع في أسعار الفائدة والتضخم بحلول نهاية العام.
السياسة الخارجية
تعتمد قدرة حزب العمال على تحسين مكانة بريطانيا في العالم على ما إذا كان قادراً على حل مشاكل المملكة المتحدة في الداخل، بما في ذلك فشلها في تحقيق النمو في الإنتاجية، ونظامها التعليمي غير المكتمل، والاختلافات الإقليمية، والنظام الصحي الفاشل.
وعلى الورق، لا يوجد فرق كبير بين معظم عناصر السياسة الخارجية لحزب العمال والسياسة الخارجية لحزب المحافظين. وتتمثل أكبر الاختلافات في أوروبا والهجرة؛ وفي الصين، وأوكرانيا، والبقية، فإن الأمر مماثل إلى حد مدهش. ولكن ستكون هناك قرارات مبكرة من شأنها أن تحدد لهجة النهج الذي ستتبعه حكومة حزب العمال في التعامل مع مكانة بريطانيا في العالم.
وسيكون الشهر الأول من تولي ستارمر منصب رئيس الوزراء في بريطانيا حافلا بالأحداث الدبلوماسية الدولية، وأبرزها اجتماعات مع الرئيس الأميركي جو بايدن والقادة الأوروبيين.
وستكون أولى خطواته على الساحة العالمية بعد أيام قليلة، في قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) لمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه والتي ستُعقد في واشنطن من الثلاثاء إلى الخميس المقبل.
ويستضيف ستارمر بعد ذلك في قصر بلينهايم بالقرب من أكسفورد، وسط إنكلترا، في 18 يوليو، اجتماعا للمجموعة السياسية الأوروبية. ومن المتوقع أن يشارك في الاجتماع كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز.
وكان حزب العمال تعهد انتهاج سياسة خارجية “واقعية تقدمية”، لافتا الى عالم أكثر تقلبا “ليس كما نريده أن يكون”، بحسب ديفيد لامي، الذي من المتوقع أن يصبح وزيرا للخارجية.
وتعهد الحزب أيضا “إنجاح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي” والسعي إلى اتفاق أمني “طموح” مع الاتحاد.
وقال ستارمر العام الماضي إن المملكة المتحدة بحاجة إلى الاستغناء تدريجيا عن الصين في قضايا مثل التجارة والتكنولوجيا مع الاعتراف بأهمية القدرة على التعاون في قضايا مثل معالجة تغير المناخ.
ويتمثل التحدي في تحقيق التوازن بين المصالح التجارية والاقتصادية للمملكة المتحدة والضرورات الأمنية.
وقد يتعقد الأمر بسبب العودة المحتملة لدونالد ترامب إلى واشنطن بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر. ومن المتوقع أن يزيد ترامب الضغط على الحلفاء ليكونوا أكثر صرامة مع بكين.
وتعهد ستارمر العمل مع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا إذا وصل الى السلطة.
وقال “سأعمل مع أي حكومة في أوروبا وفي جميع أنحاء العالم إذا تم انتخابنا… بالنسبة إليّ، هذا هو ما تعنيه الحكومة الجادة”.
وأكد أن الاتفاقيات الثنائية مع فرنسا والاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي بأكمله، والتي صوتت المملكة المتحدة لصالح الخروج منها في عام 2016 مما أدى إلى خروج فوضوي، كانت مهمة لمعالجة قضية المهاجرين الذين يعبرون القناة في قوارب صغيرة.
لدعم الطلاب الأكبر سناً، يعتزم حزب العمال تدريب أكثر من 1000 مستشار مهني جديد، وتوفير أسبوعين من الخبرة العملية لكل شاب في المدرسة الثانوية أو الكلية
وردا على سؤال حول تفضيل زعيمة حزب التجمع الوطني مارين لوبن للصفقات الثنائية على الصفقات على مستوى الاتحاد الأوروبي، أكد ستارمر أن هذه لا تتنافى مع تلك.
وأشار الى أن الاتفاقات الثنائية مع فرنسا بحاجة إلى التعزيز والتحسين “خصوصا في ما يتعلق بالقضاء على العصابات التي تدير التجارة الدنيئة المتمثلة في وضع الناس في القوارب”.
وتدارك “لكن هناك أيضا إجراءات للاتحاد الأوروبي” موضحا أن “الاتفاقية الأمنية التي نريدها مع الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع عصابات التهريب مهمة حقا”.
وتعد لندن من أشد المؤيدين لكييف وقدمت المال والأسلحة وتدريب القوات لمساعدتها في صد الغزو الروسي.
وأكد حزب العمال استمرار دعمه لأوكرانيا في حال فوزه، ومن المتوقع أن يلتقي ستارمر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سريعا لتأكيد هذه الرسالة شخصيا.
وقال ستارمر إن الاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس مطروحا في الوقت الحالي ووصفه بأنه “المعتدي في أوكرانيا”.
وشدد على أن “الأمر الأكثر أهمية هو أن نكون واضحين تماما لجهة أن دعمنا لأوكرانيا يتم على جبهة موحدة في هذا البلد”.
وسيتم إجراء مراجعة دفاعية إستراتيجية خلال السنة الأولى للحكومة لتحديد المسار لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي علاقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني يؤكد حزب العمال التزامه الاعتراف بالدولة الفلسطينية “كمساهمة في عملية السلام المتجددة التي تؤدي إلى حل الدولتين”. لكنه لم يحدد أي جدول زمني للقيام بذلك.
وتشمل الالتزامات الأخرى الضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وزيادة كمية المساعدات التي تصل إلى غزة.