ما مدى خطورة «الصداقة» بين بوتين وشي على دول الغرب؟
5-نيسان-2023
بغداد ـ العالم
نشر موقع "ريبيليون" الإسباني تقريرًا تحدث فيه عن تعميق الشراكة بين روسيا والصين؛ حيث يلتقي الرئيس الصيني مع نظيره الروسي لتوقيع عدة اتفاقيات تعاون اقتصادي وتكنولوجي وثقافي، ويأتي ذلك في ظل مواجهة الغرب لروسيا بسبب الأزمة الأوكرانية وإطلاق واشنطن حربا باردة ضد الصين.
شراكة بلا حدود
وقال الموقع، إن الرئيس الصيني شي جين بينغ اختتم زيارة استغرقت ثلاثة أيام لروسيا يوم الأربعاء، 22 آذار/ مارس؛ حيث وقع البلدان عدة اتفاقيات تعاون في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية، وبالتالي يبدو أن كلا الطرفين يريدان تعميق "شراكة بلا حدود".
وأعلنت روسيا والصين أنهما تريدان تقوية علاقتهما الاستراتيجية، ويدعوان إلى مزيد من التعاون المتبادل على المنصات الدولية بهدف تحدي ممارسات الهيمنة وخلق عالم متعدد الأقطاب. وأورد الموقع أنه قبل عام، وقبل أسابيع قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا، التقى بوتين وشي بالفعل وأصدرا بيانًا مشتركًا مشابهًا حول العلاقات الدولية والتعاون بين البلدين. وبحسب الموقع؛ تأتي هذه الزيارة في وقت يخوض فيه الغرب بقيادة الولايات المتحدة حربًا بالوكالة ضد روسيا، وتشن واشنطن حربًا باردة ضد الصين. في هذا السياق؛ ليس من قبيل الصدفة أن يدافع كلا البلدين عن نظام عالمي جديد تتوقف فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها عن الهيمنة ويتطلعون إلى عالم متعدد الأقطاب.
سيادة الولايات المتحدة
ولفت الموقع إلى أن إلقاء نظرة على التاريخ الحديث يساعد في فهم نطاق ومخاطر هذه "الصداقة" بين بوتين وشي. بعد الحرب العالمية الثانية؛ أعلنت الولايات المتحدة نفسها الفائز الأكبر، وفي واشنطن حلموا بنظام عالمي جديد يحكمون فيه وحدهم. ولسوء الحظ؛ تم إحباط هذه الخطط بسبب إعادة البناء السريع للاتحاد السوفييتي و"فك" الاحتكار النووي.
بعد نصف قرن؛ تحقق هذا الحلم مع سقوط جدار برلين في سنة 1989 وتفكيك الاتحاد السوفييتي بعد ذلك بسنتين. في المقابل؛ أصبحت الولايات المتحدة أخيرًا الزعيمة بلا منازع في السياسة العالمية وأرادت أن تظل على هذا الحال. ولقد كان غزو بنما في نهاية سنة 1989 بمثابة تدريب لما سيتبع ذلك، فبعد فترة وجيزة جاء دور العراق ويوغوسلافيا والصومال، وفي وقت لاحق تبعتها أفغانستان واليمن وليبيا وسوريا.
بالإضافة إلى التدخلات العسكرية العلنية، شنت الولايات المتحدة على نحو متزايد "حروبا هجينة" أو "ثورات ملونة" لإحداث تغيير في الأنظمة، وهو ما لم تتمكن من تحقيقه في كل مكان.
تغيير في العلاقات العالمية: وأفاد الموقع بأنه بعد الحرب الباردة؛ بدا أن الولايات المتحدة تمتلك العالم لنفسها فحسب، لكنها لم تضع في حسبانها الصين؛ فلأول مرة في التاريخ الحديث؛ تمكنت دولة فقيرة ومتخلفة من الصعود لتصبح قوة اقتصادية عظمى في وقت قصير.
وأضاف الموقع أنه منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في سنة 2001؛ تضاعف الاقتصاد الصيني أكثر من أربع مرات. وقبل بضع سنوات؛ تفوق الاقتصاد الصيني على الولايات المتحدة في تعادل القوة الشرائية، ولم تكن هذه القفزة إلى الأمام اقتصادية فحسب، بل تقنية أيضا.
ووفقًا للموقع؛ فإنها لم تصبح الصين أكبر اقتصاد فحسب، بل طورت أيضا ديناميكية جديدة من التحالفات مع البلدان الناشئة والجنوب. وإلى جانب ذلك؛ تعمل الصين أيضا على تعزيز منظمة شنغهاي للتعاون، وهي تحالف سياسي واقتصادي وأمني أوروآسيوي تضم بين أعضائها - بالإضافة إلى روسيا والصين - كلا من الهند وباكستان. وانضمت - أيضًا - الصين مؤخرا إلى أكبر اتحاد اقتصادي في العالم، وهو الرابطة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهي جمعية في جنوب شرق آسيا تضم 30 بالمئة من سكان العالم.
وبالطبع، هناك مبادرة الحزام والطريق - طريق الحرير الجديد - والتي تتضمن مئات الاستثمارات والقروض الائتمانية والاتفاقيات التجارية وعشرات المناطق الاقتصادية الخاصة، بقيمة 900 مليار دولار.
وذكر الموقع أن روسيا تقوم أيضًا بتشكيل تحالفات، فهي عضو في عدة تحالفات إقليمية ومتعددة الجنسيات. وأحدها، تحالف عسكري، هي منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تشارك حاليا في عمليات "حفظ السلام" في كازاخستان، وتحافظ موسكو أيضا على علاقات ودية في القارة الأفريقية ومع بعض دول أمريكا اللاتينية.
واعتبر الموقع أن الحرب في أوكرانيا أظهرت أن بلدان الجنوب؛ حيث تعيش الغالبية العظمى من سكان العالم، لا تؤيد فكرة إثارة الحروب في الغرب، ووفقا لرئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد، فإن "الحرب بين أوكرانيا وروسيا سببها حب الأوروبيين للحرب والهيمنة".
إزالة الدولرة: وأبرز الموقع أن أحد الجوانب المهمة للغاية، وإن لم يكن مفهوما جيدًا، أن تحول القوة في العلاقات العالمية هو إزالة الدولرة. ففي الواقع؛ يعتمد المركز المهيمن للولايات المتحدة إلى حد كبير على الدولار كعملة عالمية، وهذا يمنح الولايات المتحدة قدرة غير محدودة على سداد عجزها العام عن طريق طباعة النقود، من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكنها تجميد أو مصادرة أصول دول أخرى في خلافات سياسية، كما حدث مع إيران وفنزويلا وأفغانستان والآن روسيا.
وبحسب الموقع لم تعد روسيا والصين تدفعان مقابل جزء من تجارتهما بالدولار، ولكن بعملاتهما الخاصة، فلقد طلبت روسيا بالفعل دفع ثمن الغاز بالروبل وليس بالدولار. وفي المقابل؛ لدى الصين ما يسمى "مقايضات العملات" مع مختلف البلدان الأخرى، والتي تضمن أنه لم يعد يتعين القيام بهذه التجارة بالدولار.
وأضاف الموقع أنه لطالما أرادت دول مثل فنزويلا وإيران تداول نفطها بعملات غير الدولار. ومن جهتها؛ نظرت الدول الرئيسية الأخرى المصدرة للنفط، مثل العراق وليبيا، بالفعل في هذا الاحتمال في الماضي. وإذا انضمت إليهم دول مثل المملكة العربية السعودية، فإن حكم الدولار قد انتهى، ما سيؤدي إلى خسارة الولايات المتحدة الكثير من القوة والنفوذ.
وأشار الموقع إلى أن الحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية والمالية القوية ضد روسيا لن تؤدي سوى إلى تسريع عملية إزالة الدولرة، فإذا استمرت هذه العملية؛ سيفقد الدولار مكانته كعملة رئيسية، فمن خلال تداول الدولار؛ تضع روسيا والصين اتجاهًا قد يكون له عواقب بعيدة المدى على الهيكل المالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
ورأى الموقع أن التحالف بين البلدين يشكل معادلة هامة مضادة لتفوق الولايات المتحدة، فوفقًا لصحيفة الغارديان البريطانية، فإن "ولادة هذا المحور الصيني الروسي، الذي نشأ كرد فعل ضد الديمقراطيات الغربية بقيادة الولايات المتحدة، هو أهم حدث استراتيجي عالمي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي قبل 30 سنة، ومن شأنه أن يحدد ما سيحدث خلال الحقبة القادمة". بعبارة أخرى: بالنسبة لهيمنة الولايات المتحدة والغرب؛ فإن هذه "الصداقة" تعد خطيرة، وبالنسبة لدول الجنوب التي تريد أن تسير في مسارها الخاص متحررة من القيود الخانقة التي يفرضها الغرب فإن هذه "الصداقة" تمثل خطوة إلى الأمام.
وبين الموقع أنه علاوة على ذلك؛ فقد تمكنت الصين مؤخرًا من التوفيق بين العدوين اللدودين إيران والمملكة العربية السعودية، فلقد توصلا إلى اتفاق يوفر آفاق سلام للشرق الأوسط بأكمله، على عكس الترويج للحرب التي تقوم بها الولايات المتحدة والغرب في المنطقة. ففي السنوات الخمس عشرة الماضية؛ حاصرت الولايات المتحدة أو حلفاؤها أو قصفوا ثماني دول: أفغانستان وباكستان واليمن والصومال وليبيا ومالي والعراق وسوريا.