ماذا.. أوقد فيلم الوقاد فينا؟
12-آذار-2023
عزام صالح
عرض مؤخرا فيلم (الوقّاد) للمخرج فارس طعمة التميمي، بعد حجزه لسنة ونصف السنة، نتيجة لعدم موافقة الوزير السابق على عرضه برغم موافقة اللجنة التي شكلتها دائرة السينما والمسرح من مخرجين وأساتذة اكاديميين ونقاد.
ويعد (الوقاد) الفيلم الطويل الوحيد الذي أنتجته دائرة السينما والمسرح بعد عاصمة الثقافة حتى الآن، بالإضافة لإنتاجها مجموعة من الافلام القصيرة.
هذا الفيلم كنص كان من ضمن الأفلام التي لم تنتج في عاصمة الثقافة، وبقي لدى المنتج في ادراج مكتبه ينتظر.
كتب فيلم (الوقاد) الراحل سعد هدابي ـ رحمه الله ـ وكان قد كتب نفس الموضوعة كنص مسرحي، وعرض في المسرح الوطني، وكنص تلفزيوني وانتج في شبكة الاعلام العراقي كمسلسل.
النص مسرحي بامتياز على الطريقة الارسطية من حيث الزمان والمكان والحدث، وكان يفتقر كثيراً الى المعالجة السينمائية، وهو يروي قصة المقابر الجماعية التي قام بها النظام الديكتاتوري في التسعينات.
وقد طرح هذا الموضوع في الصحافة والتلفزيون والسينما كثيرا وطرح أيضا في السوشيال ميديا. لكن معالجة المخرج فارس طعمة له أظهرت لنا موضوعا موازيا لمن أصابهم حيف المقابر الا وهو شخصية (گيطان) والذي مثله الفنان حكيم جاسم، وكان في غاية التألق الأدائي في إظهار هذه الشخصية الغريبة بالشكل الذي اقنع المشاهد بالتمام والكمال، والتي عبرت عن نوم الانسان في داخل ذاته، وهو قريب من حدث المقابر بل وجشعة في سلب الشهداء ممتلكاتهم من دون ان يشكل له حافزا او رأياً او ثورة في داخله ضد ما يحدث تجاه نظام دكتاتوري خوفاً رغم مشاهدته بعينيه ما يجري، وكان اغلب الناس في تسعينات القرن الماضي يعيشون بالخوف والرهبة والاستلاب مثلما جسدها الفنان حكيم جاسم.
بالإضافة إلى شخصية أخت الشهيد (خلود) والتي قامت بأداء دورها الفنانة صبا إبراهيم، وقد كانت مثالا جميلا راقيا للأداء المتمكن في استجرار واستمالة شخصية گيطان من نفسه وإخراجها لحقيقة ما يجري وتشكيله موقفا بدأ من خلال جلب جثة اخيها الشهيد، وخلع ما كان يرتديه من سرقته لجثث الشهداء من محابس ومسابح وغيرها وكأن الصحوة دخلت اليه. كان اختيار الممثلين موفقا جدا وهذا يحسب للمخرج بالإضافة الى ان إدارة التصوير والمشاهد الليلية كانت مرسومة بشكل دقيق برغم كثرة وجود النار في المكان الا ان شخصية گيطان غير السوية والغريبة تبرر ذلك. وهي لمسات مدير التصوير (طارق بيرو)، بالإضافة الى حركة الكاميرا السريعة والهادئة، التي أضفت جمالا للصورة.
كان الموقع المختار جميلا وموفقا جدا للحدث: منطقة نائية ومكان لصناعة الطابوق وموجوداته من حيوانات وعربات ومشاعل وسلالم وغرف ضيقة ومبعثرة وسخة واجواء معتمة، تدلل على ان المكان مهجور، وغير صالح للسكن.
تناغمت الاحداث بين الترقب والمفاجأة وكانت الموسيقى هي الظهير لصنع ايقاع متسارع وحبكة مشدودة برغم ان المكان واحد والحدث بين شخصين فقط، وهذا صعب في استمالت المشاهد للاستمرار بالمشاهد ولكن المخرج نجح في ذلك وأبقى الجمهور جالساً حتى بعد انتهاء الفيلم.
هذا الفيلم وكما تحدث سابقا فرض كنص على المخرج ولكن الاخير قَبله، لانه كان ينتظر طويلا للدخول في صناعة فيلم سينمائي، فقد همش في عاصمة الثقافة من ان يعمل نفس النص برغم انه ابن دائرة السينما والمسرح. ولهذا قبل الخوض في هذه التجربة رغم إنتاجيتها الواطئة مقارنة بميزانيات أفلام عاصمة الثقافة التي لم تضف شيئا الى تاريخ السينما العراقية.
هناك هنات في معالجة النص، ولم يستطع المخرج معالجتها رغم انه عالج الكثير منها، ولا اعرف لماذا مسألة الكلاب ورجوعهم بعد لحاقهم بخلود، الزورق، طول النعي في بداية الفيلم، شكل الشهيد بعد إخراجه من المقابر.
برغم ان الفيلم عرض بدون ان يقدمه احد من المسؤولين ولم يحضر الوزير او من ينوب عنه برغم ان الدعوة برعاية الوزير، كما لم نشاهد كادر العمل ومخرجه، مثلما شاهدناهم قبل اقل من اسبوع في المسرات والاوجاع على منصة المسرح، قبل بداية العرض، وإلقاء الكلمات من المسؤولين، وفي نفس الصالة والكاربت الاحمر الذي افترش على مدرجات الدخول، فكلاهما تجربتان ومن انتاج نفس الدائرة. نأمل ان لا يتكرر ذلك، فلم يسبق أن يتم عرض فيلم لأول مرة بهذا الشكل، ما اضطر المخرج فارس طعمة التميمي الى الصعود على خشبة المسرح واستدعاء كادر العمل وسط تصفيق الجمهور، الذي لم يغادر القاعة بعد انتهاء الفيلم.