ماذا ستصنع حكومة السوداني حتى تشرين 2023؟
30-تشرين الأول-2022
بغداد ـ العالم
فور تكليفه في مجلس النواب، الخميس الماضي، قدم رئيس الوزراء الجديد، محمد شياع السوداني، جملة من الوعود في برنامجه الحكومي، متعهدا بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد، ثم الذهاب لإجراء انتخابات برلمانية. ومن أبرز ما تضمنه منهاج السوداني الحكومي، هو "إنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة"، إضافة إلى "العمل مع الجهات المختصة للكشف عن مصير المفقودين ويتم شمولهم بقانون ضحايا الإرهاب بعد إجراء التدقيق الأمني".
وشملت تعهدات الحكومة الجديدة كذلك تطبيق "اتفاقية سنجار" بين أربيل وبغداد، والتي من شأنها إخراج قوات حزب العمال الكردستاني من قضاء سنجار في محافظة نينوى.
ولم تخلُ وعود السوداني من العمل على "مكافحة الفساد" و"محاسبة الفاسدين"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن حكومته ستعدّل قانون الانتخابات خلال أول ثلاثة أشهر، ثم تجري انتخابات برلمانية مبكرة وأخرى لمجالس المحافظات خلال عام واحد من تشكيل الحكومة. وعقب نيل حكومة السوداني ثقة البرلمان، قال رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي خلال خطاب تلفزيوني، الخميس، إنه يسلم قيادة البلاد إلى رئيس الحكومة الجديد "والبلد ليس فقط بحال أفضل، بل والعراق هو أسرع اقتصاد عربي نموا في العام 2022". ودعا الكاظمي "القوى السياسية إلى دعم كل مسعى للحكومة الجديدة على طريق الاستقرار والنمو والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان"، محذرا من أن "الضغوط الحزبية والابتزاز السياسي لأي حكومة سوف يعيق استكمال الإصلاحات الإدارية والاقتصادية، ومواجهة تحديات المستقبل".
من جهته، قال المحلل السياسي، فلاح المشعل، إن "المنهاج الحكومي حافل بأمور كثيرة على المستوى الزراعي والصناعي والاستثماري والاقتصادي وحتى السياسي، وموضوعات غاية في الأهمية مثل مكافحة الفساد وإنهاء السلاح المنفلت".
وأعرب المشعل عن اعتقاده بوجود "فجوات وخلل كبير في المنهاج الحكومي، أولها غياب التوقيتات الزمنية لإنجاز كل ملف"، لافتا إلى أن "البرنامج هذا بحاجة إلى كادر بشري لتنفيذه، لأن الوزارات قائمة على منظومات فاسدة وتتحكم بها حيتان المال والأحزاب السياسية، فكيف له أن يغير من هذه التراتيب المتجذرة التي أسست هذه الحكومة والحكومات السابقة؟".
وتابع: "لذلك برنامجه يتطلب إعادة هيكلة عمل الوزارات بوضع خطط خمسية، لأن الدولة العراقية بنيت بأكثر من 10 خطط خمسية منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى عام 2003، بعد ذلك انهار كل شيء".
وأشار المشعل إلى أن "الحديث عن عام واحد يقيم فيه انتخابات برلمانية وأخرى لمجالس المحافظات ومكافحة الفساد وإعادة الصناعة والزراعة، فهذا الأمر أشبه بالأفكار الحالمة".
كما لفت إلى أن "الطبقة السياسية بكل تفرعاتها وعناوينها التي جاءت بالسوداني إلى منصب رئيس الحكومة هي المتهمة والمسؤولة عن تراكم الفساد عبر 19 عاما، وبالتالي هذا الأمر سيجعله في لحظة تصادم بينه وبينها إذا أراد مكافحة الفساد".
ومضى بالقول: "السوداني يقول إنه سيغلق المنافذ الحدودية غير الرسمية ويبقي على الحكومية فقط، كيف ذلك وهي تدر مئات الملايين من الدولارات شهريا للجهات المسلحة والمعروفة له ولجميع الطيف السياسي، لذلك أعتقد أنه لا يستطيع التصادم معهم، وإنما سيعمل ضمن الحدود المتاحة له في تعزيز مفردات البطاقة التموينية للفرد العراقي وغيرها".
ورأى المشعل أن "البرنامج الحكومي بحاجة إلى مراجعة من السوداني، لأن وزاراته جاءت عبر المحاصصة ولا تخضع لرئيس الوزراء، وإنما لزعيم الحزب الذي يريد الاستثمار السياسي والمالي فيها، وأن هذا الموضوع يحكم المعادلة في العراق، لذلك إذا هربنا من تشخيص المشكلة، فإننا سنقع في فشل وفساد إضافي".
وفي المقابل، رأى الخبير الأمني والاستراتيجي، أحمد الشريفي، أن "تعهدات السوداني بحاجة إلى مؤشرات تدلل على قدرة الحكومة في تنفيذ مثل هذه المهام، لكن هناك منسوب تفاؤل يكمن في الدعم الدولي والاشتراطات والقيود الدولية في ضرورة تنفيذ المنهاج الحكومي".
وتابع: "إذا كان هناك منسوب تفاؤل، فذلك يعود إلى أن الحكومة الحالية تحت الإشراف والرقابة الدولية، وهناك نوع من الاستحقاقات التي طلبتها الإرادة الدولية من حكومة السوداني لتنفيذها، وهذا عنصر اطمئنان".
وأشار الشريفي إلى أن "العراق بحاجة إلى آلية أكثر وضوحا في كيفية تنفيذ هذا البرنامج، لأننا نتحدث عن انتخابات مبكرة، وبالتالي يجب تهيئة الرأي العام العراقي لاستيعاب أهمية الانتخابات لوضع الإرادة السياسية في أيدي الأمناء من أبناء البلد".
وأردف: "لذلك على السوداني العمل على تحقيق ثلاثة أمور، هي: تقييد السلاح المنفلت، والسيطرة على الفساد حتى لا يكون المال السياسي مدعاة لشراء الذمم في الانتخابات، إضافة إلى تقييد الإعلام الأيديولوجي التحريضي الذي يتلاعب بعقول الرأي العام، آنذاك سنهيئ رأيا عاما يتمتع بحرية الخيار من دون قيود، وبالتالي يمكن المراهنة على الانتخابات المقبلة".
وشدد الشريفي على أنه "إذا نجحت الحكومة بشعاراتها وتعهداتها في أول ستة أشهر وأبدت حسن نوايا في مسارها فعندها يمكن أن نراهن عليها. أما إذا تعثرت وتعذرت بضغوطات، فإن إمكانية الإطاحة بها جاهزة بمجرد أن يتحرك الرأي العام وتسحب الإرادة الدولية يدها من الحكومة، أي بمعنى أنها لن تفرض واقع حال مرفوض من العراقيين".
ولفت إلى أنه رغم أن "تشكيل الحكومة بيد الإطار التنسيقي، لكنه لن يتحكم بأدائها، لأنها تحت الرعاية والإشراف الدولي، وبالتالي مآلات الأمور والاستحقاقات القادمة ستكون برعاية دولية، لذلك يدرك الإطار خطورة حرف المسار الحكومي والتمرد على الإرادة الدولية". ومضى بالقول: "لن يجازف الإطار التنسيقي في حرف مسار الحكومة خشية من الاحتراق السياسي كونه يعلم أنه فقد رصيده الجماهيري، لذلك تراهن النخب العراقية على الإشراف الدولي على الأداء الحكومي الذي جاء نتيجة طلب قدمته وزارة الخارجية العراقية للأمم المتحدة للإشراف الدولي على الانتخابات الأخيرة وليس الرقابة".
وأوضح: "ذلك يعني أن مجلس الأمن والأمم المتحدة مبسوطة اليدين في اتخاذ إجراءات عدة بالعراق بما فيها الذهاب إلى حكومة طوارئ أو إنقاذ وطني. لهذا لن يفكر الإطار في التمرد على الإرادة الدولية، لأن الفرصة التي وصفت بـ(الأخيرة) لم تمنح لهم عبر التوازنات الإقليمية، وإنما بفعل الضاغط الدولي وعبر مجلس الأمن".